مرة أخرى يتوجه اهتمام رئيس الجمهورية الى الإعلام العمومي فبعد زيارة مهمة أداها منذ فترة إلى دار «لابراس ـ الصحافة اليوم» قام يوم غرة أوت الجاري بزيارة لا تقل أهمية الى مؤسسة الإذاعة الوطنية او أم البدايات كما يسمّيها أبناؤها التي منها انطلق اول صوت تونسي عبر الأثير وحيث اكتشف التونسيون سحر المذياع وعشقوا الأصوات التي كانت خلف المصدح تبث لهم رسائل هدفها الاخبار والتثقيف والتسلية. وهي الروافد الأساسية للصحافة والإعلام كما يدرّس في كل جامعات العالم دون استثناء.
والأكيد أن اختيار رئيس الجمهورية للإذاعة ينمّ عن وعي عميق بالأدوار الموكولة الى هذه المؤسسة العريقة باعتبارها القاطرة التي تجرّ الإعلام المسموع في ظل تنامي عدد الإذاعات الخاصة واختلاط الحابل بالنابل ومع صعوبة التفريق بين الغث والسمين.
ولعل كلمة رئيس الجمهورية لدى زيارته التاريخية الى مقر الإذاعة تعكس الكثير من تصورات الفاعل السياسي اليوم وتمثله لدور الإعلام العمومي إجمالا و الإذاعة على وجه الخصوص. فقد بدا الرئيس قيس سعيد واضحا وهو يؤكد على «الإذاعة الوطنية مكسب من مكاسب تونس ولابد أن يعود لها بريقها».
وكانت هذه الزيارة مناسبة ليستعرض رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى لقائه بالرئيسة المديرة العامة للإذاعة السيدة هندة بن علية الغريبي تاريخ هذا الصرح الإعلامي المهم والدور الذي لعبه على مدى عقود في الارتقاء بالذوق العام فضلا عن الدور التثقيفي والتعليمي في كل المجالات.
ومعلوم ان الإذاعة التونسية كانت منبرا لنخبة من المثقفين البارزين الى جانب ثلة من الصحافيين منهم من درس الاختصاص ومنهم من كان عصاميا ثقّف نفسه بنفسه وتعلّم أبجديات المهنة من امام مصدح استوديوهات هذه « المدرسة» و قد توافدوا عليها من آفاق مختلفة جيلا بعد جيل وصنعوا اشعاعها وفرادتها.
ولأن تونس اليوم تعيش ظرفية دقيقة ما بين قديم يتهاوى وجديد بصدد الولادة فإن دور الإذاعي مهم ويجب ان يضطلع به على الوجه الأكمل. وهو ما عبر عنه رئيس الجمهورية بالتشديد على ضرورة «انخراط الإذاعة الوطنية في حرب التحرير الوطني لتحرير البلاد من كل المجرمين الذين تسللوا الى كل مفاصلها».
ولا ننسى هنا ان بلادنا مقبلة على استحقاق انتخابي بالغ الأهمية سيتبين من خلاله الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ومن الطبيعي ان يكون للإعلام دور مركزي خاصة الاعلام الجماهيري. ولنا في هذا تجارب وخبرات من الحتمي ان نتعلم منها ، فلا يجب ان نغفل عن «زواج المتعة» الذي حصل في أكثر من محطة انتخابية سابقة بين المال والإعلام والسياسة وأدى ذلك الى فساد وتعفن كبير في المشهد الإعلامي يدفعنا ثمنه جميعا بأقدار متفاوتة.
كما أنه علينا ان نضع نصب أعيننا في هذه المرحلة الأخطاء الكبيرة التي اقترفت في حق تونس وشعبها في منابر إعلامية جماهيرية عبر التسويق لشخصيات سياسية تحوم حولها شبهات كثيرة متصلة بفساد مالي وسياسي وعلاقات مشبوهة بلوبيات مالية ومراكز نفوذ خارجية.
وعلينا الإقرار هنا أن الإعلام إجمالا كان أحد أسباب فساد المسار الانتقالي في بلادنا والأكيد أننا الآن في حاجة الى تنقية إعلامنا من الشوائب.
ومن المهم ان تكون نقطة الارتكاز هي الإعلام العمومي بالتحديد تجنبا لكل الانزلاقات والانحرافات والتداخل بين المالي والسياسي والإعلامي.
والحقيقة أن ما هو مطلوب من الإعلام واضح ودقيق ولا غبار عليه وهو ان يقوم بدوره في كنف احترام قواعد المهنية والحرفية.
وكما نجحت الإذاعة في كل الأزمنة في ان تكون منارة من منارات التحديث في تونس فإنها اليوم يجب ان تلعب دورا أكبر في تركيز قواعد الديمقراطية وتكون منبرا حرا ومهنيا وبعيدا عن صخب الإثارة التي تروّج لها بعض المنابر الاذاعية الخاصة مع الأسف.
وما نقوله عن الإذاعة ينطبق حرفيا على كل المرفق الإعلامي العمومي الذي هو مدعو اليوم الى الاضطلاع بدوره على الوجه الأكمل.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…