لم تكن جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية مفاجئة بل كانت متوقعة وتم تنفيذها بتوقيت الكيان الصهيوني الذي اختار مكانا وزمانا لهما أكثر من دلالة وبحمولة ثقيلة من الرسائل الموجهة الى أكثر من طرف اقليمي ودولي..

لم تكن عملية الاغتيال مفاجئة كون الرجل على رأس قائمة المطلوب تصفيتهم من بين قيادات حركة حماس وفي المقابل جاءت العملية مدوية وشديدة الوقع على ايران أولاوعلى فلسطين وعلى المقاومة في مختلف الساحات…

أولا نحن ـ هنا ـ أمام اختراق أمني استخباراتي ضرب القلب النابض لايران حيث تم تنفيذ عملية الاغتيال عبر صاروخ موجه مباشرة الى مكان اقامة اسماعيل هنية وهو مقرّّ خاص بقدماء المحاربين في طهران… وهذا يعني ـ وباعتبار دقة التنفيذ ـ ان المكان كان مكشوفا ـ تماما ـ أمام شاشات الاستخبارات العسكرية الصهيونية وهذا يعني أيضا وجود عميل أو عملاء متعاونين نجحوا في فتح ثغرة عميقة في «سماء طهران» وفي بناء جسر استخباراتي مع الكيان الصهيوني سهّل عملية الاغتيال بتلك الدقة والسرعة مع العلم أن ايران كانت أعدمت قياديا في الحرس الثوري كان «الواسطة الاستخباراتية» التي سهلت عملية اغتيال قاسم سليماني في 3 جانفي 2020 وهو أحد القادة البارزين في الحرس الثوري الايراني…

هذا عن الاختراق الامني الاستخباراتي الذي نفذته دولة الاحتلال عبر عملاء الداخل ويضرب في العمق سيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية ويكشف مدى هشاشة أجهزتها الاستخباراتية التي فشلت في حماية شخصية بحجم اسماعيل هنية المطارد من قبل الجيش الصهيوني بكامل اجهزته وتدرك ايران ان اسماعيل هنية على رأس قائمة المطلوب تصفيتهم بعد ملحمة طوفان الاقصى وكان من المفترض رفع مستوى حمايته الشخصية الى درجة قصوى من اليقظة…

أمّا على المستوى السياسي فإن «خسائر» ايران أكبر بكثير حيث تم تنفيذ عملية الاغتيال في اليوم الأول من حكم الرئيس المنتخب حديثا مسعود بزشكيان الذي كان وعد باصلاحات سياسية كبرى وبتخفيض حالة التوتر بين ايران والبيت الأبيض وباعادة تعديل العلاقة بين الطرفين أي أن الرجل كان يعتزم الاقتراب من «البيت الابيض» لبناء علاقة جديدة تنهي النزاع بين البلدين والكيان الصهيوني يدرك أن الخطر يكمن في هذا التقارب المتوقع بين ايران وأمريكا والذي وعد به الرئيس الايراني الجديد ضمن حزمة مشاريعه الاصلاحية لذلك اختارت «يوم حكمه الأول» وضربت في عمق طهران لافساد نوايا الرئيس الايراني في عزمه الاقتراب من البيت الابيض لذلك سارعت بتنفيذ «جريمة دم» ستكون سببا لاعادة التوتر الى أقصاه بين أمريكا وطهران خاصة  في حال ردّت ايران على الجريمة بضربة في عمق تل أبيب كما وعد المرشد بذلك في أول تصريح له بعد عملية الاغتيال وهذا يعني اغلاق الطريق أمام الرئيس الايراني وبالتالي انهاء كل مساعيه لاصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية.

خلاصة القول فإن المتضرّر الأكبر من عملية اغتيال اسماعيل هنية هي طهران التي ستجد نفسها مرغمة على الردّ بقوّة على عملية الاغتيال بما أنها وقعت على أراضيها بما هتك سيادة الأرض والشعب ومهما كان حجم الردّ الايراني (ولا نتوقعه بحجم الجريمة) فإن الرئيس الايراني المنتخب حديثا سيجد نفسه مضطرا ـ بدوره ـ لاعادة ترتيب أولوياته كما أكد عليها في برنامجه الانتخابي والمتمثلة أساسا في اطلاق مسار مفاوضات مع الادارة الامريكية تبدأ بتحرير الرهائن لدى حماس ووقف اطلاق النار في غزة وقد أصبحت هذه الأولويات غير ممكنة الآن بعدما نجح الكيان الصهيوني في «تلغيم كل الطرقات» وفي اعادة كل الاطراف الى النقطة الصفر فلا سلام ولا كلام بعد عملية الاغتيال الجبانة للشهيد اسماعيل هنية.. ولا سلام بعدما فتح جيش الاحتلال جبهة قتال جنوب لبنان ولا سلام ولا مفاوضات مع حركة المقاومة حماس فقد ازداد الامر تعقيدا وأصبح من الصعب الآن ـ على الأقل ـ الاستمرار في مفاوضات وقف اطلاق النار وتحرير الرهائن.

لقد أكدنا بداية ان دولة الاحتلال الصهيوني اختارت التوقيت والمكان المناسبين «لتلغيم» كل الطرقات المؤدية الى السلام وقد نجحت في ذلك بالفعل ودفعت بالمنطقة الى أرض حرب مفتوحة على كل المآلات وهي تمضي تحت الرعاية الامريكية في انتهاك القانون الدولي وكل المواثيق الدولية.. فتحت الجبهة على الضاحية الجنوبية لبيروت وقصفت العاصمة اللبنانية ممّا أدى الى استشهاد فؤاد شكر القيادي بحزب الله إضافة إلى أطفال أبرياء واختارت الآن المضيّ في سياسة الاغتيالات التي تستهدف القيادات السياسية لحركة حماس مع العلم أن اسماعيل هنية المعروف «بأبو العبد» قد سبق ونجا من ثلاثة اغتيالات.. الأولى كانت في شهر سبتمبر 2003 والثانية سنة 2006 بعد اطلاق النار على موكبه في شوارع مخيم النصيرات والثالثة كانت سنة 2014 بقصف منزله في مخيم الشاطئ غرب غزة ما أدى الى تدمير منزله بالكامل وقد نجا من هذه العملية بصعوبة أمّا العملية الرابعة فلا أحد توقعها على الأراضي الايرانية وفي اليوم الأول من حكم الرئيس الايراني المنتخب وقد استشهد بفعل تواطؤ الخونة ممّن سيكشف عنهم التحقيق الذي أطلقه الحرس الثوري الايراني…

وفي انتظار ذلك تتوسع دائرة الحقد والكراهية للكيان الصهيوني ويتحوّل «طريق السلام» الى طريق صعبة وغير ممكنة مع كيان ارهابي سيذكر في «تاريخ المزابل» التي مرّت على الانسانية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«قرطاج المسرحية» من التأسيس إلى التأصيل إلى التحديث..!

 تنعقد الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية وسط سياقات دولية ثقيلة على الضمير الان…