كلّ المؤشرات الواردة في تصريحات الرئيس قيس سعيد سواء كان ذلك في لقاءاته مع المواطنين خلال زياراته الى الجهات أو من خلال حديثه الأخير مع رئيس الحكومة إنّما تؤكد على انه ثمّة أشياء ستتبدل صلب المسؤوليات والوظائف المتقدمة في السلطة التنفيذية بمختلف مؤسساتها… ولسنا ـ هنا ـ بصدد تخيمنات عشوائية وإنما هذا ما يمكن ان نقرأه من خلال تصريحات الرئيس وهي بمثابة المقدمات لتحويرات متوقعة، فالحال لن يستمر على ما هو عليه أمام استيائه من أداء عدد من المسؤولين الجهويين الحاضرين بالغياب في مراكز مسؤولياتهم ولا علم لهم أصلا بما يحدث في جهاتهم فهم بين «نوم أو استجمام» والصورة التي قدمها الرئيس ولئن كانت كاريكاتورية فهي تعكس «ضحالة الحال» واستخفاف بعض المسؤولين في الجهات خاصة بما هم منذورين اليه وقد غفلوا عن قضايا مواطنيهم في حدها الادنى الذي يضمن العيش الانساني الكريم…
نحن ـ هنا ـ أمام فرضيتين… إمّا أن نكون أمام أخطاء في «الكاستينغ» بحيث تم تعيين أشخاص دون كفاءة ممّن لا يتوفر لديهم الحدّ الادنى من الثقافة السياسية والادارية والاتصالية أيضا من غير المؤهلين لتحمّل المسؤولية سواء كانت مركزية أو جهوية وبالتالي وجب عزلهم وتغييرهم دون تردّد حتى نقطع «دابر الخطإ» الذي وقعنا فيه… وإمّا ان نكون أمام ردّة حقيقية (وهذه الفرضية الثانية) بصدد تعطيل الادارة التونسية قصد تأجيج الأوضاع خاصة في هذه السياقات التي انطلق فيها السباق الرئاسي وهي الفرضية الذي رجحّها الرئيس قيس سعيد في حديثه الأخير لدى لقائه برئيس الحكومة حيث أكد على أن :«هناك جيوب ردّة داخل الادارة التونسية زمنها انتهى فضلا عن ارتمائها في أحضان اللوبيات»، وهو يدرك ـ دون شكّ ـ بأنه ثمّة شيء ما غير طبيعي في التسيير اليومي لشؤون الدولة ومؤسساتها سواء على المستوى المركزي أو الجهوي فانقطاعات الماء ـ مثلا ـ بعدد من الجهات وبشكل يومي ـ جهارا نهارا ـ كما يقولون لا يمكن التصديق بأنه ناتج عن شحّ في المخزون أو عطل فني…. لذلك نرجّح الفرضية الثانية أي ان الأمر يتم بفعل فاعل و«بنوايا تخريبية» تقصد افساد مزاجات المواطنين في الجهات بما يدفعهم الى حالة من اليأس والاحباط تحت ضغط التكرّر اليومي لحادثة انقطاع الماء أو الكهرباء وخاصة في مثل هذه الأيام الصيفية التي ارتفعت فيها درجات الحرارة الى أرقام غير مسبوقة… وبالتالي فقد أصبح من الضروري بل من المستعجل تمرير «الغربال» لاسقاط «جيوب الردّة» كما جاء في توصيف الرئيس المطالب ـ موضوعيا ـ بانهاء وجودهم داخل الادارة التونسية وإبعادهم عن المسؤوليات المتقدمة في الدولة ومؤسساتها خاصة وأن بعضهم ـ وهذه حقيقة كان أشار اليها الرئيس ـ لا يخفون ولاءهم للمنظومة السابقة الاخوانية ـ تحديدا ـ وقد كانوا غنموا منها ومعها المواقع والامتيازات وما تزال أيديهم ممدودة داخل الادارة التونسية وفي مواقع القرار المتعلقة خاصة بالخدمات المباشرة للمواطنين..
نحن اليوم في سياقات انتخابية صعبة والرهان ـ حقيقة ـ ثقيل والمتهافتون عليه بدؤوا ـ بالفعل ـ في التحرك عبر أصوات الداخل والخارج ومن مصلحتهم استمرار الازمة بل هم لن يدخرّوا جهدا من أجل توسيعها ومزيد تأجيجها وخاصة في الجهات ولن يتعبوا من الحديث عن أزمة الماء والكهرباء وتكرّر الانقطاعات ولن يتعبوا من «تسريب الرمل» نحو المواقع والأماكن الأكثر هشاشة اجتماعيا لاشعال الجمر و«سيبتكرون» طرقا جديدة من أجل اقناع الناخبين بأن السوء يكمن في استمرار الآخرين… وستكون هذه «الحملات» بلا أخلاق ـ كما أشرنا الى ذلك سابقا ـ لا برامج فيها ولا بدائل حكم وإنما ستُبنَى على «الادعاء بالباطل» وقد أشار الرئيس قيس سعيد الى ذلك بأكثر وضوح بقوله :«إنّ الحملات الانتخابية للبعض هي حملات اجرامية لضرب الدولة والسلم الأهلي»…
وعليه فإن الرئيس قيس سعيد وحتى لا يستمر الحال على ما هو عليه وحتى لا يستمر «تلبيس» الفشل وتعليقه بغير حقّ على العناوين الخاطئة وبما أنه قد وقف بنفسه على «حجم الكارثة» فهو مطالب بترجمة غضبه واستيائه من لامبالاة عدد من المسؤولين التنفيذيين مركزيا وجهويا وضعف ادائهم الى افعال حقيقية تنهي استمرارهم في مواقع القرار بعدما ثبت أنهم «أصغر من المرحلة» فالسياق لا يحتمل التردّد وإنما يستدعي الحسم الآن وليس غدا مع التذكير ـ هنا ـ بضرورة سدّ الشغورات سواء في حكومة الحشاني أو على رأس عدد من ولايات الجمهورية بما في ذلك ولاية تونس فرهانات المرحلة لا تحتمل كلّ هذه الفراغات…
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…