لم يمر حفل افتتاح أولمبياد باريس مرور الكرام بل أثار عاصفة من الجدل هزت أركان المعمورة. وما يزال صدى الأسئلة الانكارية يطرح بشدة رغم أن الأنظارمتجهة الى المباريات الرياضية والتنافس بين الرياضيين إلا ان الحفل الضخم الذي أقامه الفرنسيون في قلب باريس عاصمة الأنوار وفي نهرها الكبير السين ما تزال امواجه المتلاطمة تقول الكثير عن المغزى من كل هذا.
ومن بين الأسئلة التي تطرح في هذا المقام:
هل نحن أمام محفل رياضي لنشر قيم التحابب والتعايش والإخاء بين الشعوب والأمم أم نحن أمام كرنفال للصوابية السياسية واستهداف الرموز الدينية والمعايير؟
وما صلة التفاصيل التي تابعناها في افتتاح الدورة الجديدة من الأولمبياد بالمنافسة الرياضية والروح الأولمبية نفسها ؟
وماذا يريد منظمو الحفل من كل هذا ؟
وما هي مراميهم وأهدافهم ؟
وهل يحتاج الوضع المشتعل في العالم مزيدا من التأزيم والتوتر ؟
وهل هذا فكر تآمري و خطر حقيقي أم لا يعدو الأمر ان يكون مبالغة إعلامية ؟
والحقيقة ان المشهد الصادم على ضفاف نهر السين تضمن تفاصيل كثيرة مسيئة ترقى الى مرتبة الكارثة في محفل رياضي كوني يترقبه الجميع.
فقد جاءت بعض لوحات هذا الكرنفال مستوحاة من سردية فرسان الهيكل والفكر الماسوني عموما.
وقد أطنب عديد الملاحظين والمتابعين في مخاطرها والنوايا المخيفة الكامنة وراءها خلال تحليل فقرات حفل الافتتاح بينما رأى البعض ان في الأمر مبالغة وأن الإساءة رمزية صرفة ولا تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد.
وبالنظر الى جزئيات هذا الحفل يستوقفنا مشهد «العشاء الأخير» أو الصورة التي أرادها أصحابها محاكاة للوحة الشهير ليوناردو دافنشي. وهي تحيل على الساعات الأخيرة للمسيح عليه السلام وتلاميذه و في مقدمتها أو ترأس المائدة سيدة غريبة تحتل مكان يسوع في اللوحة الأصلية وميزتها الأساسية أنها مفرطة البدانة فمن تكون؟
هي ببساطة ملكة المخدرات أما من حولها فهناك المثلي والمتحوّل جنسيا والملحد ثم المعتدي جنسيا على الأطفال وهو يرقص مع طفلة ثم مجموعة أخرى من الذين يرمزون الى أنماط كثيرة من الممارسات الحميمية.
فأي صلة لهؤلاء بالمسيح عليه السلام وتلاميذه وما يمثلونه لدى أتباع الديانة المسيحية في العالم أجمع من قداسة؟
بل أي صلة لهذه النماذج المشوّهة بقيم التسامح والتسامي والتوازن النفسي والجسدي التي تمثلها الرياضة عموما وهذا المحفل خصوصا؟
في السياق ذاته يستوقفنا «رجل أزرق» هو من قام بإحياء الحفل وهو يرمز الى إلاه يوناني قديم يرمز الى الجنون والخمر والمجون والاحتفال والطبيعة السادية والوحشية والانحراف الجنسي.
وهو إلاه متناقض فهو ذكر وأنثى في الآن ذاته مثلا حكيم ومجنون وإلاه لكنه لم يتجرد من الجانب المدنس فيه وهو محلي جدا واجنبي في الوقت ذاته موغل في الوحشية ولا يخلو من اللطف.
ألا يبدو هذا متطابقا مع الانسان الكوني كما تريد العولمة اليوم ان تروّج له.
إنسان معولم منبت بلا جذور بلا قضية وبلا عمق إنساني ووجداني وبلا عقلانية.
ولسائل ان يسأل عن صلة الوصل بين هذه المعاني وبين قيم المنافسة الرياضية والروح الأولمبية والتثاقف العميق بين الأمم والشعوب مع احترام الخصوصيات الحضارية والثقافية.
ونتوغل أكثر في المحفل الأولمبي ليستوقفنا في المشهد الثالث فارس مقنّع لكنه بلا وجه يحمل الشعلة الأولمبية فمن هو وما سرّه؟
إنه يحيل على اسطورة انتشرت في باريس بعد إعدام قادة فرسان الهيكل ومفادها أن أشباح هؤلاء ظهرت على ضفاف نهر السين وبدأت تنتقم بشراسة من الملك.
هنا تتضح الرؤية ويسقط الستار عن الخفايا الكامنة وراء الحفل والفكرة المحورية التي يدور حولها والرسائل المبثوثة من خلاله.
ومنطلقها جمعية فرسان الهيكل أي هيكل سليمان التي تأسست في القدس عام 1119 عندما كانت تحت الاحتلال الصليبي وكانت بمثابة المليشيا المسيحية المسلحة التي أقيمت في سياق انشاء مجموعة من الطوائف المسيحية لمواجهة الامارات الإسلامية التي كانت لا تخلو من قوة في تلك الفترة وأصبحت لاحقا تنظيما محكما بمثابة جيش مهيكل ومسلح بالعتاد والمال وهم أصحاب اول بنك في التاريخ بالمعنى المعاصر للكلمة حيث الاقتراض والفائدة وغيرها من المعطيات.
وأصبحت قوة دينية وسياسية وعسكرية واقتصادية في الغرب.
ولاحقا تمت شيطنتهم ومطاردتهم ومحاكمتهم وإعدام قادتهم وحرقهم ،قبل ان يجمعوا شتاتهم ثم يعودون تحت يافطة البنائين الجدد أي «الماسونية».
ودون أن نطنب في تفاصيل تاريخية يهمنا فقط ان نتوقف عند الجدوى من إحياء الفكر الماسوني والزج به في محفل رياضي تحتضنه عاصمة الانوار التي تستبطن قيم الإخاء والتسامح والانفتاح.
لكن حفل افتتاح الأولمبياد حاد عن مراميه وقدم لنا نموذجا رديئا لصوابية سياسية ليس هذا أوانها ولا مكانها بالنظر خاصة الى ما يحدث في العالم وفي الشرق الأوسط بالتحديد.
وصفوة القول إن كل مشاهد هذا الحفل هي رمزيات تحيل على النيوليبيرالية والعولمة والمركزية الغربية في وجهها الأكثر قبحا وبشاعة.
تونس داعمة ومتضامنة دوما مع فلسطين..!
أي سبل لمجابهة الكارثة الإنسانية في غزة؟ وما هي التدابير اللوجستية الضرورية لإدخال المساع…