2024-07-28

تفكيك‭ ‬شبكة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬التّسول: ظاهرة‭ ‬تتفاقم‭ … ‬أيّ‭ ‬حلول‭ ‬ممكنة‭ ‬؟

تشهد‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬اليوم‭ ‬تفاقما‭ ‬كبيرا‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الأطفال‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬ممن‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬تدخلات‭ ‬عاجلة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬لانتشالهم‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬براثن‭ ‬الفقر‭ ‬والخصاصة‭ ‬أو‭ ‬إنقاذهم‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬التي‭ ‬تجرّهم‭ ‬جرّا‭  ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تحقيق‭ ‬غاياتها‭ ‬الربحية‭.‬

‭ ‬ورغم‭ ‬النجاحات‭ ‬المتكررة‭ ‬لوحدات‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية‭ ‬لمكافحــة‭ ‬جرائم‭ ‬الإتجار‭ ‬بالأشخاص‭ ‬بإدارة‭ ‬الشؤون‭ ‬العدلية‭ ‬للحرس‭ ‬الوطنــي‭ ‬التي‭ ‬تمكنت‭ ‬مؤخرا‭  ‬ببن‭ ‬عروس‭ ‬من‭ ‬تفكيك‭ ‬شبكة‭ ‬مُختصة‭ ‬في‭ ‬التسوّل‭ ‬تنشط‭ ‬بالعاصمــة‭ ‬ورغم‭  ‬وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬للنهوض‭ ‬بأوضاع‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المحدودة‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬مزيد‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬مدى‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬وانتشار‭ ‬طرق‭ ‬التحيل‭ ‬عبر‭ ‬استغلال‭ ‬الأطفال‭.‬

ولئن‭ ‬أكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬بأن‭  ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬ظاهرة‭ ‬قديمة‭ ‬الا‭ ‬انها‭ ‬ظلت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬تتطور‭ ‬وتأخذ‭ ‬أشكالا‭ ‬جديدة‭ ‬ومن‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬انها‭ ‬أصبحت‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭ ‬يعتمد‭ ‬خلالها‭ ‬القائم‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬للإقناع‭ ‬حيث‭ ‬تفيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬أعدتها‭  ‬الجمعية‭ ‬الدولية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والإعلام‭  ‬أنّ‭  ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬متسوّل‭ ‬بينهم‭ ‬قرابة‭ ‬600‭ ‬طفل،‭ ‬يتوزّعون‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬الكبرى‭ (‬ولايات‭ ‬تونس‭ ‬ومنوبة‭ ‬وأريانة‭ ‬وبن‭ ‬عروس‭) ‬وأنّ‭ ‬60‭ ‬بالمائة‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬مرفوقات‭ ‬عادة‭ ‬بأطفال،‭ ‬مبينة‭  ‬أنّ‭ ‬المدخول‭ ‬اليومي‭ ‬للفرد‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬يقدّر‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و30‭ ‬دينارا‭ ‬وبعضهم‭ ‬يصل‭ ‬دخله‭ ‬اليومي‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬دينارا،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬بيّنه‭ ‬المسح‭ ‬التقديري‭. ‬

كما‭ ‬أظهرت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬التسول‭ ‬أصبح‭ ‬منظما‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬وان‭  ‬15‭ ‬بالمائة‭ ‬منهم‭ ‬أكدوا‭ ‬أنّ‭ ‬الفقر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دفعهم‭ ‬للتسوّل‭.‬وخلصت‭ ‬الدراسة‭ ‬كذلك‭  ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬المرافقين‭ ‬لـاالمتسولينب‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬500‭ ‬وألف‭ ‬طفل،‭ ‬وأن‭ ‬المساجد‭ ‬والمساحات‭ ‬التجارية‭ ‬والبنوك‭ ‬ومراكز‭ ‬البريد‭ ‬والمحاكم‭ ‬والصيدليات‭ ‬وتقاطعات‭ ‬الطرقات‭ ‬تعد‭ ‬أكثر‭ ‬الفضاءات‭ ‬التي‭ ‬تفضلها‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ .‬

وتعكس‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬التحديات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬البلاد،‭ ‬لذلك‭ ‬يرى‭ ‬خبراء‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬الدولة‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وغياب‭ ‬الأمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لضمان‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬لجميع‭ ‬المواطنين‭.‬

ويشير‭  ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كانت‭ ‬دافعا‭ ‬اساسيا‭ ‬ساهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬واستفحالها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬والمدن‭ ‬الكبرى‭ ‬اين‭ ‬أصبح‭ ‬الأفراد‭ ‬يلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬بسيطة‭ ‬لتأمين‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬لذلك‭ ‬يؤكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬اهم‭ ‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذها‭ ‬للتصدي‭ ‬للتسول‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬والتدريب‭ ‬المهني‭ ‬للشباب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭  ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬دعم‭ ‬مالي‭ ‬للأسر‭ ‬المحتاجة‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬فيها‭ ‬استغلال‭ ‬مهول‭ ‬للأطفال‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬مصلحة‭ ‬الطفل‭ ‬الفضلى‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬جهودا‭ ‬مشتركة‭ ‬لمكافحتها،‭  ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬ومعاقبة‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الاستغلال‭. ‬

‭ ‬وبلغة‭ ‬الأرقام‭  ‬كشفت‭  ‬وزارة‭ ‬الأسرة‭ ‬والمرأة‭ ‬والطفولة‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬عن‭ ‬1758‭ ‬إشعار‭ ‬عن‭ ‬أطفال‭ ‬مشردين‭ ‬ومهملين‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تلقي‭ ‬مندوبي‭ ‬الطفولة‭ ‬500‭ ‬إشعار‭ ‬حول‭ ‬استغلال‭ ‬الأطفال‭ ‬اقتصادياً‭. ‬معلنا‭ ‬سابقاً‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬مجهوداتها‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تستهدف‭ ‬الأطفال‭ ‬والفتيات‭ ‬تحديدا‭ ‬عن‭  ‬إطلاق‭ ‬خطة‭ ‬جديدة‭ ‬للتعهد‭ ‬بأطفال‭ ‬الشوارع،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬مدنية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬دمج‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬رعاية‭ ‬متخصصة‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬أسر‭ ‬كافلة‭ ‬لهم‭. ‬وتهدف‭ ‬الخطة‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬أماكن‭ ‬تستقبل‭ ‬أطفال‭ ‬الشوارع‭ ‬نهاراً،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتمادات‭ ‬بقيمة‭ ‬480‭ ‬ألف‭ ‬و770‭ ‬دولار‭ ‬وبطاقة‭ ‬استيعاب‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬150‭ ‬طفل‭ ‬يومياً‭.‬كذلك‭ ‬ستتيح‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬خدمات‭ ‬الاستقبال‭ ‬والإنصات‭ ‬والتوجيه‭ ‬وخدمات‭ ‬الإعاشة‭ ‬النهارية،‭ ‬وتأمين‭ ‬الرعاية‭ ‬المؤقتة‭ ‬لأطفال‭ ‬الشوارع،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المتابعة‭ ‬الصحية‭ ‬والرعاية‭ ‬النفسية‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التطورات الجديدة في ملف الأعوان المتعاقدين بوزارة التربية : هل هي بداية الانفراج للقطع النهائي مع آليات التشغيل الهش؟

بعد سنوات طويلة من النضالات المتواصلة من أجل حلحلة ملفهم الذي  ظل يراوح مكانه بسبب عدم تجا…