2024-07-26

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة ومن تداعيات، حيث حذّرت دراسة حديثة نشرها المركز التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لمؤسسة رئاسة الجمهورية بعنوان «هجرة المهندسين من تونس: الأسباب والتبعات»، من أن تصاعد هجرة المهندسين إلى الخارج يشكل خطرا على استقرار البلاد الاقتصادي والاجتماعي وتهديدا لمنوالها التنموي وقدرتها التنافسية.

هذه التحذيرات الصادرة عن جهة وهيكل رسمي تابع لرئاسة الجمهورية تدق ناقوس خطر حقيقي لما تمثله ظاهرة هجرة المهندسين من خطورة على واقع ومستقبل القطاع مثلما تمثله من خطورة أيضا على البلاد خاصة وأن تداعيات الظاهرة تمس بشكل مباشر بقطاعات واعدة تعوّل عليها بلادنا في جلب الاستثمارات وتحقيق انتعاشة اقتصادية مستقبلية واستقرار اجتماعي وتنموي على غرار التحولات الرقمية والطاقية والبيئية وهو ما أكدته أيضا الدراسة التي أصدرها حديثا المركز التونسي للدراسات الاستراتيجية والذي أبرز وبوضوح أن هجرة المهندسين التونسيين إلى الخارج تؤثر سلبا على تنمية البلاد الاقتصادية والاجتماعية وتضعف قدراتها على إنجاح تحولاتها البيئية والطاقية والرقمية وتطرح تحديات كبيرة أمام المؤسسات الناشطة في قطاعات التكنولوجيا في تونس باعتبارهم ركيزة أساسية لتحقيق التحولات الرقمية والطاقية والبيئية.

فالنداءات المتواصلة من أهل المهنة خلال السنوات الأخيرة ورأسا من عمادة المهندسين التونسيين لكبح هذه الظاهرة وإيقاف نزيف هجرة الكفاءات من المهندسين تؤكده اليوم أرقام المركز التونسي للدراسات الاستراتيجية والتي تفيد بأنه على مدى العقدين الماضيين ارتفع عدد المهندسين المغادرين لتونس في اتجاه بلدان أجنبية وتسارع نسق هجرتهم من 972 مهندس سنة 2000 إلى 1936 مهندس سنة 2010 ليرتفع عددهم إلى 3000 مهندس سنويا بعد 2014، وفق الدراسة.

وأرجعت الدراسة العوامل المسبّبة لهجرة المهندسين التونسيين إلى الفارق الشاسع في مستوى التأجير حيث يتقاضى المهندسون في الخارج ما بين 2500 و3000 أورو شهريا مقابل 1000 و1200 دينار في تونس في بداية حياتهم المهنية.

ليس هذا فحسب فهناك أيضا أسباب أخرى تتعلق بتفاقم ظاهرة هجرة المهندسين التونسيين والتي تتلخص أساسا بظروف العمل غير الملائمة، وضعف التأجير، وتدهور البيئة المعيشية، وهشاشة مناخ الأعمال، والتأخر التكنولوجي، وضعف التكوين وعدم ملاءمة النظام التعليمي لاحتياجات سوق الشغل، وانعدام الآفاق الواعدة للمهندسين في تونس.

ونعتقد أن تزايد هجرة المهندسين الى الخارج،سواء بناء على ما أظهرته دراسة المركز التونسي للدراسات الإستراتيجية أو ما يؤكده الخبراء وأهل المهنة راجع أساسا إلى تدني مستويات الرواتب الشهرية خاصة في ظل ضعف القدرة الشرائية وصعوبة الأوضاع المعيشية في السنوات الأخيرة، وذلك بالتوازي مع تواصل التعقيدات البيروقراطية وبطء الخدمات الإدارية.

هذه الأسباب جعلتنا اليوم نتحدث عن مغادرة حوالي 40 ألف مهندس تونسي خلال السنوات الأخيرة، على الرغم مما يمكن أن يوفره المهندسون من حلول اقتصادية تحتاجها البلاد في الظروف الاقتصادية والمادية الصعبة وفي ظل الرهانات المطروحة، وهو ما يستدعي وفق تقديرنا المرور إلى السرعة القصوى لإطلاق حوار شامل لإيجاد حلول جدّية وعملية والاهم قابلة للتطبيق مع ضبط برنامج وتسقيف زمني محدد وذلك يمر ضرورة من خلال تشريك كافة الأطراف الممثلة لهياكل الدولة الرسمية وعمادة المهندسين وأهل المهنة.

ونرى أنه بإمكان كل الأطراف الشريكة الانطلاق في هذا الحوار من المقترحات التي قدمها المركز التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لمؤسسة رئاسة الجمهورية للتعمق في دراسة كيفية تطبيقها على أرض الواقع والتي اعتبرها بمثابة حلول لاستبقاء المهندسين وتفادي هجرة الكفاءات من تونس على غرار تحسين ظروف العمل وتبسيط إجراءات العمل عن بعد ومراجعة هيكل التأجير وتحسين الامتيازات في القطاعات الإستراتيجية وتعزيز المسار المهني والتكويني وملاءمة النظام التربوي مع احتياجات السوق وتطوير المناهج التعليمية في الهندسة دوريا.

  وفي علاقة بتثمين الكفاءات من المهندسين وإعادة توطينهم في تونس، فقد دعت الدراسة إلى تحسين الحوافز المالية والضريبية وتعزيز التطور المهني وتطوير برامج استقبال المهندسين المغتربين وإدماجهم وتحسين الظروف المعيشية والاجتماعية وتعزيز البنية التحتية وخلق فرص العمل وتحفيز ريادة الأعمال وتعزيز الشراكات والتعاون الدولي.

ومن شأن فتح ملف هجرة المهندسين إلى الخارج بالجدية اللازمة ووضع استراتيجية لوقف هذا «النزيف»  أن يحدّ من تداعيات هذه الظاهرة الخطيرة على المدى القريب والبعيد والتي أدّت إلى تآكل قاعدة الكفاءات اللازمة للتدريس والبحث العلمي ويضع حدّا لإهدار هذه الإمكانيات البشرية التونسية وكفاءاتنا في قطاع الهندسة بعد كل التكاليف الباهظة التي بذلتها المجموعة الوطنية.

فحسن التصدي لنزيف هجرة المهندسين من خلال دراسة مدى إمكانية تطبيق مختلف الحلول التي ذكرناها آنفا سواء تلك التي كشفها المركز  التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية أو مقترحات أهل المهنة وتوفير ظروف عادلة ومنصفة لتأجيرهم وظروف ملائمة لعملهم من شأنه أن يضع حدا لهجرة المهندسين الى الخارج ويحل هذه «الأزمة»، فتونس لها الأولوية في خدمات مهندسيها الأكفاء من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني ودعم الاستثمار والتنمية وتنافسية مؤسساتنا الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في لقاء رئيس الجمهورية برئيس الحكومة : التعويل على قدراتنا الذاتية وتعزيز الدور الاجتماعي للدولة من أبرز الأولويات..

مثّلت الخيارات الواردة في مشروع قانون المالية إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات وا…