يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى 67 لعيد الجمهورية الموافق لـ25 جويلية 1957وهي ذكرى عزيزة على التونسيين وثقيلة ـ أيضا ـ باعتبار ما علق بها من سرديات وما اقترن بها من وقائع وأسئلة ترافق العيد كلما عاد…

واقعتان التصقتا بذكرى عيد الجمهورية ولم يكن ذلك من باب الصدفة وإنما من باب الوعي بمدى أهمية وبمدى رمزية هذا العيد في تاريخ وجغرافيا البلد وبالتالي فإن «الالتصاق به» يعني الامتداد ـ بالضرورة ـ مع الذكرى وتاريخها الموافق لمثل هذا اليوم…

الواقعة الأولى… واقعة دم التصقت بالذكرى وامتدّت معها وما تزال جاثمة على تاريخها وقد تم اختيار عيد الجمهورية لتنفيذ الجريمة بوعي يدرك عميقا بأن «واقعة الدم» ستصيب «الجمهورية في مقتل» أو هكذا توهّم «المجرمون».

ففي مثل هذه الأيام من سنة 2013 كان القتلة بصدد التهيؤ لتنفيذ جريمة الاغتيال وقبل ذلك بقليل كان وزير الداخلية الاخواني علي العريض قد أتلف وثيقة استخباراتية أمريكية تحذر من الجريمة والتي تم تنفيذها صباح 25 جويلية من سنة 2013 ونحن نتحدث هنا عن اغتيال الشهيد محمد البراهمي الذي كانت «رأسه مطلوبة» بقوّة لتجرّؤه على الاخوان ووكلائهم في تونس وكان أمر اغتياله هيّنا على مجرمي تلك المرحلة من الاخوان وكل من جاورهم من رهوط الجماعات الارهابية وكل العناوين السلفية والتي كانت تحاصر البلد وتخنقه في تلك المرحلة التي استولت فيها حركة النهضة على الحكم وعزمت على أن لا تغادره أبدا وقد انطلقت بالفعل في وضع اللبنات الأولى «لدولة الخلافة» السادسة كما أعلنها حمادي الجبالي في «ليلة حلم صيفية»… مع تصفية كل من يتصدى لهذه الدولة من معارضي الحكم الاخواني وبالفعل حدث ذلك بكل برود حيث تم اغتيال الحاج محمد البراهمي صباح 25 جويلية 2013 أمام بيته وعلى مرأى ومسمع من الامن الموازي وشهود الزور وبائعي الذمم والأوطان وذلك بعد ستة أشهر من عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد على يد نفس «القتلة» وقد «نجحوا» بذلك في تحقيق التصاق الجريمة بذكرى الجمهورية ولئن كان مقصدهم ارباك الذكرى وتاريخها وضرب الجمهورية في عيدها فإن ما حدث كان ـ تماما ـ كانقلاب السحر على الساحر حيث تحولت ذكرى الجمهورية الى ذكرى لاستحضار جرائم الاخوان في تونس ومساوئ حكمهم الذي أذاق التونسيين الامرين وبالتالي فإن تكرّرهم بأيّ شكل من الاشكال قد أصبح من باب المستحيل فما يزال «الدم أخضر» كما يقولون..

هذا عن الواقعة الأولى التي التصقت بعيد الجمهورية وامتدت معه وهي واقعة دم ـ كما أشرنا ـ  أما الواقعة الثانية فقد كانت «واقعة انقاذ» وقد اختار «منفذها» تاريخ 25 جويلية بوعي لإدراكه مدى رمزية هذه الذكرى وأهميتها لدى التونسيين ونحن نتحدث ـ هنا ـ عن مسار 25 جويلية 2021 حين «داهم» الرئيس قيس سعيد «جحور الاخوان» لينهي وجودهم ـ تماما ـ وكانت ليلة مدوية شهدت سقوط «دولة الاخوان» من حيث لا أحد توقع.. واقعة فاجأت الرأي العام الوطني والدولي وهزت الاخوان في تونس وشردّتهم وأربكت بقاياهم في تركيا وفي قطر وحيثما تواجدوا وقد لاقت ترحابا كبيرا من التونسيين فخرجوا الى شوارع العاصمة احتفالا بسقوط «دولة الاخوان» التي لم يجرؤ كل حكام تونس ما بعد الثورة على الاقتراب من مربّع حكمها وقد تقوّت وكبرت واستعصت على التونسيين ممّن عافوا وجودها لذلك لم يترددوا في الاحتفال بما أعلن عنه قيس سعيد من اجراءات متسارعة بدأت بعزل رئيس الحكومة هشام المشيشي مع تشغيل الفصل 80 من الدستور بما سمح بحل البرلمان لينطلق بعد ذلك في تحويل واقعة 25 جويلية 2021 الى أمر واقع في اتجاه التأسيس لجمهورية جديدة ولدولة اجتماعية ديمقراطية تصان فيها الحقوق والحريات وتحفظ فيها كرامة مواطنيها زائد استقلالية القرار الوطني وسيادته…

هكذا كانت العناوين والنوايا الكبرى في تلك الليلة المشهودة من سنة 2021 وقد اقترنت بذكرى الجمهورية وامتدت معها بل تحولت الى قرين لها وليمضي المسار السياسي بعد ذلك على طريق صخرية صعبة متعبة وشاقة لِثقلِ ما ورثته عن «حكام عشرية الخراب» ممّن تركوا كل الملفات الاجتماعية والاقتصادية عالقة ومتروكة للنسيان اضافة الى ملفات الفساد والنهب والاستيلاء على المال العام حيث انشغل «المسار» طويلا وما يزال بتفكيك «لوبيات الفساد» التي حاصرت الدولة وكل مؤسساتها…

ما الذي تبقى من «الجمهورية» بعدما مرّ عليها من نكبات وخيبات خاصة خلال الفصل الأول من حكم الاخوان ثم الفصل الثاني الذي استمرّ وامتد الى غاية 25 جويلية 2021 (ليلة الاطاحة بدولة الاخوان)؟ ما الذي تبقى من الجمهورية وقد تهرّأت على امتداد العشرية الماضية بل تشوّهت «بدم أبنائها» في ذكرى عيدها سنة 2013…؟

ما الذي تبقى من «الجمهورية» في ذكراها السابعة والستين..؟ سؤال لا يبحث عن اجابة وإنما لحث التونسيين من أجل الاستمرار في خوض معارك الجمهورية من أجل رسوخها واعلائها ومن أجل «تأصيل» كيانها وتجديده ومن أجل الوصول الى ذاك المنتهى.. أي بلد ديمقراطي عادل يسع الجميع وسخيّ مع مواطنيه.. «بلد أمين» يحفظ كرامة أبنائه وحقوقهم وحريّاتهم… فكلّما كانت الحقوق المواطنية مصانة الا وارتفع صوت البلد وازدادت صورته توهجا واشعاعا بين الشعوب والأمم.. والدول الراسخة في الديمقراطية لا تفتخر بالمباني وإنما تفتخر بالمعاني حيث تكمن الاسرار والافكار الكبرى التي تهمّ الوجود الانساني الحرّ… والتي تسم «دولة المواطنة» الحقّة…

ذكرى الجمهورية بين واقعتين… الأولى «واقعة دم» بتاريخ 25 جويلية 2013 والثانية«واقعة انقاذ» بتاريخ 25 جويلية 2021… الأولى ستقيم في «مزبلة التاريخ» كأجبـن وانذل عملية اغتيال سياسي والثانية سيسجلها تاريخ الدولة الوطنية الحديثة بأحرف من ذهب… إن هي انجزت واستكملت ما وعدت…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…