2024-07-24

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او لافواج من الكشّافة، والمتطوعين ومواطنين، يجمعون الفضلات وينظفون الشواطئ ويحاولون قدر الامكان التصدي لوحشية الذين مرّوا على تلك الاماكن وعاثوا فيها فسادا.

صحيح انها حركات مواطنية تنمّ عن وعي، وعن رقيّ حضاري في التعامل مع المحيط، لكن وحدها لا تكفي، ويتطلب الامر عشرات السنين من العمل، ومجهودات جبارة، والاف الدروس في التوعية والارشاد وتحسين السلوك، في الوقت الذي لم يعد المحيط الذي نعيش فيه، يتحمل طاقة العبث الهائلة التي اقترفتها أياد آثمة، عن قصد او عن غير قصد.

لذلك فان التعويل اليوم على الوعي المواطني ليس حلا ولا يمكن ان يكون حلا، بل لا بد من التعويل على خطة كاملة واستراتيجية متكاملة تحمي ما تبقى من محيط نظيف وبقايا بيئة تلفظ انفاسها.

وسياسة الردع هي الحل الوحيد، خاصة تجاه الذين استغلوا سنوات غياب الدولة، واستولوا على الشريط الساحلي وعلى المنتجعات والشواطئ والغابات، وحولوها الى ملك خاص وأقاموا عليها البناءات وأصبحت بفعل الامر الواقع جزء من النسيج العمراني الذي لم يعد بالامكان المسّ به، وبالتالي لا بد من التركيز على حماية المتبقي من أماكن قليلة للتنفس، حتى لا تطالها ايادي “الغورة” ومجموعات النهب المنظم، والمستقوين على الدولة المتعالين على القانون الذين لا تطالهم أيدي العدالة عادة.

لن نضرب مثلا على الاستيلاءات، فهي كثيرة ولا تحصى، وليس آخرها شاطئ الرمال في بنزرت، وشاطئ الهوارية، ودار علوش، وغابة “دار شيشو” التي استولى عليها من كانوا في السلطة ويمثلون القانون والدولة في جهاتهم المؤتمنين عليها، لكن نقول فقط ان عصر التسيب لازال مستمرا، وتدمير المحيط والرئة التي يتنفس منها الوطن لازال مستمرا، ونهب ملك الدولة والملك العمومي البحري والغابي وحتى الصحراوي لا زال مستمرا، والتعويل على مسألة الوعي المواطني هي لغة ضعف ولا تغني ولا تسمن من جوع، لان من استولى على الملك العمومي وبنى القصور على شواطئ ومحميات، فعل ذلك أمام المواطنين “الواعين” ولم يقم به في غفلة منهم، بل في غفلة –الاكثر تغافل- من أجهزة الدولة التي لم تفعل شيئا سوى تمكين هؤلاء “الغوّارة” من امدادات الماء والكهرباء والانترنات، بل فيهم من قامت مؤسسات الدولة بتعبيد الطرقات لهم داخل المحميات والغابات التي استولوا عليها.

كما ان حملات النظافة داخل المدن، خاصة البلديات الكبرى يجب ان تكون مرفوقة بالردع،  وبالاحكام القاسية، خاصة وان هذه البلديات الكبرى معززة عادة بكاميرات مراقبة في كل مكان، وبامكانها ان تعرف بالتدقيق من لوّث الشارع ومن ألقى الفضلات في غير محلها وفي غير أوقاتها، وتعرف جيدا المتقاعس من عمالها وتعرف كذلك كل من يتعمد اتلاف الملك العمومي او يتعدى على الاشارات المرورية والمصابيح الكهربائية وتجهيزات النقل وكل مستلزمات الحياة النظيفة السليمة، وبالتالي لا عذر لها في أي تقصير، ولم يعد بالامكان اليوم التحجج بقلة الامكانات او بغياب الدولة، فذلك أمر لا يمكن التحجج به، والمطلوب اليوم هو العمل والعمل فقط على فرض النظافة وحماية البيئة والحرص على المحيط، وبالقوة والردع والقانون، بعد ان ثبتت كذبة (الوعي المواطني) الذي مازالت تفصلنا عنه آلاف السنين على ما يبدو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

فرصة لإكثار البذور والعودة إلى الأصول : الحبوب أهم مقومات الأمن الغذائي

تنكب اطارات وهياكل وزارة الفلاحة هذه الأيام، وبمناسبة انتهاء موسم الحصاد، وبداية أمطار الخ…