2024-07-21

بالتوازي مع العطلة الصّيفية:  التهيّؤ للسنة الدراسية المقبلة أولوية في برنامج العائلات..!

ينطلق ماراطون التفكير في السنة الدراسية المقبلة مع انطلاق العطلة الصيفية فإلى جانب التفكير في الترفيه ونيل قسط من الراحة فان العائلات التونسية بصفة عامة والعائلات المعوزة والمفقرة خاصة  لا تسقط من حساباتها خلال هذه الفترة وعلى مدى ثلاثة أشهر  التفكير في التهيؤ للسنة الدراسية المقبلة بالعمل على توفير الإمكانيات المادية لمجابهة لوازم التعليم وأيضا ضمان ظروف دراسية مريحة لمنظوريها  بعد القيام بتقييم جاد لمردودهم  خلال السنة المنقضية وبعد تقييم أداء المؤسسة التربوية التي ينتمون  إليها على جميع الأصعدة  ووفق التقييمات والقراءات المقدمة تبنى الاختيارات ولا تسقط من حساباتها عنصر التهيؤ للسنة الدراسية المقبلة على جميع الأوجه على غرار حصص التدارك والدعم ـ الدروس الخصوصيةـ ….دون أن ننسى شقا آخر من العائلات التي تعيش تحت خط الفقر وتستعد للسنة المقبلة بتشغيل كل أفراد العائلة في المهن الموسمية ونتحدث هنا عن ظاهرة تشغيل الأطفال صيفا وهو موضوع آخر سيكون لنا عودة للخوض في تفاصيله.

لاشك أن الظرف الاقتصادي والاجتماعي الصعب وتهرّؤ المقدرة الشرائية  يجعل الولي  يحمل هاجس كلفة تمدرس أبنائه ويفكر فيها مليا خلال الفترة الصيفية ويعمل على تذليل الصعوبات التي قد تعترضه مع بداية السنة الدراسية المقبلة ويسعى جاهدا إلى التهيؤ لها مسبقا ، خاصّة بعد تزايد المتطلّبات والارتفاع المشطّ في الأسعار، ويفكّر أيضا في ضمان التّعليم الجيّد لمنظوريه  حتّى يكون للتّضحيات المادّيّة الكبيرة التي يقدّمها مردود ومعنى وهي تضحيات «بالجملة والتفصيل»، الولي ممزّق بين التعليم العمومي والتعليم الخاص فهو في رحلة بحث دائمة عن مؤسسة تربوية  تحقق أهدافه …رحلة بحث تكون نتيجتها اختيار المؤسسة المعنية أو الاضطرار إلى التوجه نحو التعليم الخاص…يبحث عن المؤسّسة التربويّة ذات السّمعة الجيّدة، وعن القسم الذي يؤمّن دروسه مربّون مشهود لهم بالكفاءة والتّميّز داخل هذه المؤسّسة،  وهو ما يكشف مقدار التّفاوت في الفرص بين المتعلّمين رغم انتمائهم إلى منظومة التّعليم العمومي ذاتها، ويقدّم لنا الدّليل على ما أصاب هذه المنظومة من ترهّل…

بل يعمل الولي  في هذه الظروف على حسن اختيار المؤسسة التعليمية العمومية لأن المعضلة تتمثل في تفاوت نوعية الخدمات المقدمة من مؤسسة إلى أخرى  بل  في المؤسسة الواحدة تختلف الخدمات من قسم إلى آخر ومن  مربّ إلى آخر فتجد الولي يلهث لنقلة ابنه من مؤسسة إلى أخرى ثم بعد ذلك تتواصل معاناته ليجد نفسه أمام حتمية  نقل ابنه من قسم إلى آخر  وكل هذه الإشكاليات تطرح  بسبب نتيجة واحدة وهي انخرام منظومة التعليم العمومي.

أو يختار البعض  بعد تجربة يرونها غير مرضية  الهجرة نحو  قطاع التعليم الخاص –قسرا-  باعتبار أن قطاع التعليم العمومي لم يعرف إلى حد هذه الساعة  أي تغيير نحو الايجابي  …والمؤسف أن عديد العائلات ليس في جرابها ما يكفي لتكون لها الخيارات نفسها التي أتيحت  لعائلات أخرى و لا مفر لها من التعليم العمومي.   

التعليم العمومي وقد شابته العديد من الشوائب لكنه يبقى رغم كل الهنات والهزّات يحقق النجاحات في المناظرات الوطنية ما يعني انه يزخر بالكفاءات ونأمل أن يتم التعجيل بالإصلاح وفق بناء صحيح لا مجال فيه للخطإ وفق ما دعا لذلك رئيس الجمهورية لأن أي اختيار خاطئ لا يمكن تداركه الا بعد حوالي عقدين من الزمن.

يقول في هذا السياق رضا الزهروني رئيس جمعية الأولياء و التلاميذ عندما نقف على الواقع التربوي المتدهور للمنظومة التونسية نجد إجابة مقنعة لأسباب ظاهرة تنوع العروض التربوية من حيث النوعية والكلفة والتي تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية لمختلف فئات المجتمع التونسي من العائلات المعوزة إلى العائلات الأكثر ثراء. فيكفي التركيز على الإشهار الذي يتم تداوله بالإعلام وبلوحات الإشهار عندما تسير في الطريق وبوسائل التواصل الاجتماعي خاصة مع اقتراب  انطلاق السنة الدراسية للتفطن إلى وجود العديد من هذه العروض في مختلف المستويات والتي يمكن للأولياء اختيارها لتأمين المسار الدراسي لأبنائهم وبناتهم.   

مضيفا نجد المدارس والمعاهد الدّولية والتي تعتمد نفس الأنظمة التعليمية للبلدان التي تنتمي إليها كالمدارس الفرنسية أو الكندية أو الانقليزية. ونجد أيضا المؤسسات التربوية الوطنية الخاصة من مدارس تحضيرية ومدارس ابتدائية ومدارس إعدادية ومعاهد ثانوية ومؤسسات التعليم العالي. وهي مؤسسات بمستويات جودة وخدمات مختلفة وتختلف معها بالضرورة الكلفة السنوية للتدريس لتتضاعف من مؤسسة إلى أخرى. ويمكن اعتبار الدروس الخصوصية كمدارس خاصة غير قانونية.

ثم تأتي المدارس التونسية والتي تعود مهمة الإشراف عليها إلى وزارة التربية ومن ضمنها المدارس الدولية التونسية والتي تم إحداثها منذ سنوات بغاية استقبال فئات معينة من أبنائنا وبناتنا بنظام تدريس خاص بها. فمؤسسات التدريس النموذجية -المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية- والتي تستقبل التلاميذ الذين يجتازون بنجاح المناظرات التي يتم تنظيمها في نهاية كلّ سنة إن توفرت فيهم الشروط التي تمّ وضعها للغرض. على أن تبقى إمكانية مواصلة الدراسة بها رهينة محافظة التلميذ على مستويات معينة في نتائج آخر السنة الدراسية. وننتهي بالمدارس العمومية المفتوحة مجانا للعموم أي لعامة أبناء الشعب وبناته من دون شروط مسبقة ما دام التلميذ لم يتجاوز عمره 16 سنة.

ومن خلال التمعّن في ما هو متوفر من هذه العروض التربوية، يمكن الاستنتاج وفق الزهروني  أن المواطن التونسي يمكنه اختيار أي من هذه الأنظمة حسب إمكانياته المالية عند استجابة ابنه أو ابنته لشروط معينة وان توفرت له الوساطات الفاعلة ليتسنى له تجاوز بعض العراقيل والحواجز الإجرائية أو التنظيمية إن وجدت في بعض الحالات.

في حين تبقى المدرسة العمومية الوحيدة المهيأة لاستقبال كل الفئات من اطفالنا وذلك بصفة مجانية. مدرسة اتفق الجميع على أنّ أداءها كارثي بما تحمله الكلمة من معان ويبقى النجاح فيها نسبيا لمن لهم إمكانيات للاستثمار في الدروس الخصوصية ومستحيلا لمن تعوزه هذه الإمكانيات والاستثناءات تبقى لتأكيد القاعدة لا لنفيها. مدرسة عمومية لا تتجاوز نسب النجاح بها في امتحان الباكالوريا معدل 20 بالمائة هذا حتى عندما نأخذ بعين الاعتبار المعاهد الثانوية النموذجية كمؤسسات عمومية وهي التي تصل نسبة النجاح بها 100 بالمائة.

و يرى الزهروني انه ان اعتبرنا أنّ كل مواطن تونسي له الحق في اختيار المسار الدّراسي الذي يرتئيه الأفضل لابنه أو ابنته حسب إمكانياته وحسب ما تسمح به الشروط المعتمدة ونحيي الولي الذي يعتبر النجاح في التربية أهم من المال، وإن اعتبرنا أيضا أنّ تطور المسارات الخاصة والتي تستقطب اليوم حوالي من 10 إلى 12 بالمائة من تلاميذنا هي نتيجة لما وصلت إليه المنظومة التربوية الوطنية من مستويات متدنية ولا سبب لها، فمن الضروري الإقرار بأن هذا الواقع التربوي إقصائي بامتياز وغير مقبول تماما من النواحي الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية وذلك لسببين أساسيين على الأقل.

يتمثّل السبب الأول في اعتماد كل واحدة من هذه المؤسسات نظام تدريس خاص بها ينعدم من خلاله شرط مساواة حظوظ المتعلم للنجاح في نهاية مساره الدراسي أو خلاله خاصة عند اجتيازه الامتحانات الوطنية. ويتمثل السبب الثاني في عدم تحمل الدّولة التونسية لمسؤولياتها لمعالجة الأمر من خلال وضع كل الامكانيات لإصلاح المنظومة التربوية وخاصة المدرسة العمومية والتي تلتجئ اليها النسبة الكبرى من المتعلمين حوالي 90 بالمائة من أبنائنا وبناتنا. وبالتالي فعلى دولتنا أن تعي بان هذا الواقع الخطير يضرب عرض الحائط بمبادئ المجانية والعدالة الاجتماعية والمصعد الاجتماعي والذي دائما ما كنّا نفتخر به عندما نتحدث عن المدرسة العمومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل : المراهنة على البحث العلمي آلية للبناء على أسس صلبة

نظم  أمس الأربعاء الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل مسيرة انطلقت من وزارة التعليم العالي…