بقرار استشاري غير مسبوق حول الإحتلال: «العدل الدولية» تنسف وجود الكيان الصهيوني..!
لا يختلف اثنان في أن القانون الدولي انعكاس لموازين القوى الدولية، وبالتالي فإن كل ما يصدر من نصوص تشريعية وما يتأسس من هيئات وآليات لا يخرج عن هذه القاعدة لذلك كان الكيل بمكيالين وكان الانحياز دائما للأقوى في ما مضى، ويبدو ان هذه المعادلة قد تغيّرت أو هي بصدد التغيير بفضل صمود وانجازات المقاومة الفلسطينية وحلفائها وأنصارها في المنطقة والعالم وخصوصا بفضل ملحمة طوفان الاقصى التي استغرق إعدادها وقتا طويلا وانطلق فعلها فجر السابع من أكتوبر 2023 لتستمر التداعيات والانتصارات والمراجعات التي ستعيد الأمور الى نصابها والحق لأصحابه.
هذه الأيام، وبعد أسابيع فقط من صدور قرار تاريخي عن محكمة العدل الدولية في 24 ماي 2024 يطالب الكيان الصهيوني بالوقف الفوري لهجومه العسكري على رفح وأي عمل آخر في المحافظة الواقعة جنوب غزة في فلسطين المحتلة بناء على دعوى قضائية رفعتها دولة جنوب افريقيا ضد الكيان مطلع العام الجاري، ها هي محكمة العدل الدولية تنحاز مجدّدا للحق وتصدر أول أمس الجمعة 19 جويلية 2024 رأيا استشاريا بشأن التبعات القانونية للاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ العام 1967 وتعترف بعدم شرعيته وتقر بضرورة زواله.
ومثلما اعتبرنا القرار الأول منقوصا ورمزيا وانتصارا معنويا وأخلاقيا فقط، والدليل على ذلك استمرار العدوان الصهيوني واستمرار جريمة الإبادة الجماعية في حق شعبنا الفلسطيني، فإن الرأي الاستشاري الجديد، رغم كونه غير مسبوق وحظي بترحيب فلسطيني وعربي ودولي، يظل منقوصا بدوره في تقديرنا ولا يمكن تفعيله والبناء عليه إلا في ظل استمرار شروط صدوره وهي دون أدنى شك المقاومة ولا شيء غير المقاومة بكل أشكالها العسكرية والسياسية والقانونية والثقافية والإعلامية والأخلاقية في ظل موازين القوى الجديدة ومعادلات التوازن الاستراتيجي الجديد.
إن اعتراف محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الاحتلال ـ على الأقل الاحتلال الحاصل بعد العام 1967 ـ حدث غير مسبوق ينسف رغم طابعه الاستشاري شرعية ومشروعية وجود الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ونقاط متناثرة من أرض فلسطين التاريخية دون وجود سبل عملية لتحويل هذا الرأي الى حقيقة واقعية وإرغام قوات الاحتلال على التراجع ومنح السكان الأصليين حقهم في الأرض والعرض، ويمكن بناء عليه الحديث عن الجولان المحتل ومزارع شبعا وغيرها من الأراضي العربية المحتلة على قاعدة أن ما بني على باطل يظل باطلا.
وفي غضون ذلك أصبح وفق رأي المحكمة الدولية من الضروري انهاء الاحتلال في أسرع وقت ممكن والتوقف عن مصادرة الأرض وممتلكات الفلسطينيين وثرواتهم الطبيعية مع دفع تعويضات لضحايا هذا الاحتلال الغاشم.
ولعل الأهم في هذا الرأي الاستشاري الذي يعيدنا الى العام 1967 أنه يبطل منطقيا كل ما اقترفه الكيان الصهيوني وفرضه كأمر واقع على الفلسطينيين وجيرانهم العرب من احتلال وإذلال ومعاهدات صلح غير متكافئة ويبقى المستفيد الأكبر سياسيا السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي أصبح من حقها اعتبار نفسها في حلّ من اتفاقيات أوسلو وما تلاها من ترتيبات مذلّة مع الصهاينة.
بل أكثر من ذلك أصبح من واجب السلطة الفلسطينية، أخلاقيا على الأقل وتكتيكيا واستراتيجيا إن لزم الأمر، أن تفك الارتباط مع اتفاقيات أوسلو التي فتحت الباب للتفريط في الأرض لصالح الصهاينة، واتفاقيات باريس أيضا التي منحتهم «الحق» في سرقة المياه والثروات الطبيعية في الضفة الغربية والقدس وغزة والاستحواذ على النفط والغاز الموجود في أرض الضفة ومياه غزة أيضا.
إن هذا الانتصار القيمي والسياسي للفلسطينيين ولأحرار العالم يجب أن لا يقع اهداره وان يقع الاستثمار فيه والبناء عليه في اتجاهين وبناء على جملة من الاعتبارات.
إن الاستثمار يجب ان يصوّب أولا نحو دعم المقاومة الفلسطينية في غزة وعموم الأرض المحتلة والمقاومة اللبنانية ومحور المقاومة بشكل عام وتثمين تضحيات عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى والمشرّدين والمعرّضين للقتل في كل لحظة في كل مكان تحت سماء مكشوفة لأكبر قوة عسكرية في العالم ومع ذلك فهي تقف عاجزة عن تحقيق نصرها على المقاومة التي كسرت شوكتها ومرّغت أنوف الإدارتين الامريكية والاسرائيلية في الوحل.
ثانيا، تحويل هذا الانتصار إلى جرعة أوكسجين للجسم الفلسطيني وتوحيد قواه الوطنية على قاعدة البرنامج الوطني وثوابت الثورة الفلسطينية ووصايا رموزها الشهداء ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو اياد وجورج حبش وأبو علي مصطفى وأحمد ياسين وغيرهم.
وبهذين الشرطين يمكن التفاؤل بتغيير موازين القوى في العالم بأكثر سرعة وتحقيق مكاسب كبرى قد يكون أولها ضمان الاعتراف بدولة فلسطينية وفق ما يعرف بالشرعية الدولية على علاّتها، أي دولة وفق حدود العام 1967، فليكن ذلك خطوة في برنامج مرحلي يثبّت الوجود الفلسطيني القوي على أرض فلسطين التاريخية ويفتح باب التحرير الكامل في بيئة اقليمية يسودها حسن الجوار والانفتاح والتسامح بين شعوب المنطقة التواقة للسلام بعد دحر آخر الكيانات العنصرية والنازية في العصر الحديث.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…