2024-07-21

بعد التنسيق الأمني الذي أفضى إلى إعادة فتح معبر راس جدير: لا بد من تنسيق سياسي رفيع المستوى حتى يُستأنف النشاط التجاري

بقدر ما كانت عودة معبر راس جدير للعمل، مفرحة ومبشرة لالاف التونسيين والليبيين، بقدر ما كانت الاحداث والقرارات التي تلتها، مخيبة لامال الكثير منهم، خاصة متساكني المدن الحدودية من الجانبين.

فقد اسفرت ثلاث جولات من التفاوض، ولقاءات على أعلى مستوى بين وزيري الداخلية في البلدين، وتنازلات من الطرفين فيما يتعلق بالرسوم المستوجبة أو قائمات الاسماء المتشابهة او غيرها، على عودة البوابة الى الاشتغال بين البلدين، بعد أن حسمت الشرطة الليبية من جانبها مسالة السيطرة والمراقبة على المعبر، واسترجعتها من بعض الميليشيات التي كانت تسيطر عليها منذ 2011، والتي اعتبرتها حقا أبديا، وبنت على اساسها شبكات من المصالح والنفوذ. لكن ذلك وحده لم يكن كافيا على ما يبدو للتجار من الجانبين، خاصة المنطقة البينية التي تُعتبر السوق الحقيقي لكامل الجنوب الشرقي ولغرب ليبيا، وتمتد من مدنين وجرجيس وبنقردان في تونس الى بوكماش والرقدالين وزلطن وزوارة والزاوية في ليبيا وصولا الى تخوم العاصمة طرابلس وحتى ما حولها.

هذه المنطقة مترامية الاطراف كانت، ولازالت على ما يبدو، تعيش فقط على التجارة البينية، وعلى تبادل السلع، والتنقل بين البلدين للكسب والبيع والشراء، لكن سكانها اليوم يتذمرون كثيرا من التغيرات التي طرأت على التعاطي الامني والديواني مع المسافرين والمتنقلين، خاصة في الجانب الليبي من البوابة.

فمنذ الفاتح من جويلية الحالي، تاريخ فتح البوابة، اصدرت وزارة الداخلية الليبية  في شخص وزيرها عماد الطرابلسي أمرا مشددا بعدم التسامح في تعبئة الوقود حتى داخل خزان السيارة نفسه، دون الحديث عن بضعة غالونات التي كان المسافر الليبي يحملها معه احتياطا باعتبار غلاء الوقود في تونس مقارنة بليبيا، أو يعبّئها التجار التونسيون للاستفادة من فارق السعر ببيعها على الجانب التونسي من الحدود، والتي كانت علامة فارقة في طرقات الجنوب الشرقي وصولا الى الصخيرة تقريبا، والتي ضُربت في مقتل بهذا القرار، وحُرمت آلاف العائلات من مورد الرزق الذي كانت تعتاش عليه لعشرات السنين.

صحيح ان من حق ليبيا ان تتخذ أي قرار يتعلق بسيادتها أو يحمي ثرواتها، لكن الاصح أيضا ان هناك ملايين من الجانبين في المنطقة يعتاشون على التجارة البينية، وهذا ما يؤكد ضرورة أن تتدخل السلطات العليا في تونس وتفتح حوارا وتفاهمات جديدة مع الجانب الليبي في مستواه السياسي، أي حكومة طرابلس، تضمن بموجبه مزيدا من الانسيابية في المعبر، ومزيدا من الانفتاح في الجانب الليبي فيما يتعلق بالبضائع التي أقرّ وزير الداخلية عماد الطرابلسي بعدم التسامح في اخراجها من التراب الليبي. أطراف على المستوى المحلي والجهوي باشرت تحركات مكثفة لاعادة التبادل التجاري الى مستواه ونسقه المعتاد قبل الغلق، لكن وحدها لا تكفي، وتحتاج المسألة الى دفع من الحكومة التونسية في علاقة بشقيقتها في طرابلس. حتى السيد والي مدنين، سعيد بن زايد، قال في تصريح اعلامي إنّه “رغم عودة الحركة بمعبر رأس جدير الحدودي ببنقردان إلّا انها لم تصل بعد الى مستواها المعتاد”. فتأمين حركة المسافرين وتسهيل التنقل للافراد بين البلدين، مكسب جيد، لكن وحده لا يكفي. فقد بقيت “حركة التبادل التجاري متوقّفة رغم إعلان وزير الداخلية الليبي لدى إشرافه رفقة نظيره التونسي رسميا على استئناف الحركة بالمعبر، عن إعادة فتحه في الاتجاهين أمام المسافرين والبضائع وفق ما يقتضيه القانون ووفق الشروط والضوابط المعمول بها، وعن تواصل التجارة البينية بالمناطق الحدودية بما يخدم المواطن التونسي والليبي الذي يستحق هذه التجارة ودون المس من مدخرات ومقدرات كلا البلدين”. كما جاء في تقارير اعلامية من المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

فرصة لإكثار البذور والعودة إلى الأصول : الحبوب أهم مقومات الأمن الغذائي

تنكب اطارات وهياكل وزارة الفلاحة هذه الأيام، وبمناسبة انتهاء موسم الحصاد، وبداية أمطار الخ…