2024-07-18

فوق الأرض و تحت السماء : درجات حرارة قياسية وخدمات وسائل النقل كارثية..!

مع ارتفاع درجة الحرارة تتضاعف معاناة المواطنين في  علاقة  بوسائل النقل العمومي لتتحول الى  كابوس  يومي، يُحسب له الف حساب ،خاصة وقد  أنهك القوى ،مواطنون يتخبطون في معاناة يومية بالتّكدس في عربة مترو تحمل ما  يفوق طاقة استيعابها زائد النقص الفادح في الأسطول والتأخر في السفرات والاكتظاظ  زائد مشاهد الركض المخجلة وراء وسائل النقل ….والحال ان درجات الحرارة على أشدها فان الخدمات الكارثية للنقل العمومي  تدفع إلى الانهيار العصبي …ولكن وفي كل الحالات فان المواطن لا حول ولا قوة له…يدفع الضريبة باهظة وتلك حتمية مسلّمة لا نقاش فيها…

في مواكبة لسفرة صباحية في مترو 4 خط منوبة – تونس لا تسمع سوى هذه العبارات «خدّموا المكيف النفس تقطع علينا»،«حرام عليكم رانا بشر»،«علاش هكة».. هي عبارات غاضبة للركاب  وقد أعيتهم المعاناة في درجات حرارة قياسية لا يعرف معنى جحيمها  إلا من خبر رحلة واحدة في هذا المترو المذكور أو ما يسمى «المترو المسكّر»   لمن لا يعرف مواصفاته فهو مترو مجهز بمكيف لا يعمل والشبابيك صغيرة لدرجة يمكن القول فيها أن وجودها كعدمه والسفرة فيه لها توصيف واحد لا غير ولا يستقيم معه أي تشبيه آخر «سفرة في البيت السخونة بالحمام» كان العرق يتصبب من الركاب  ومن حالفه الحظ يتجهز للسفرة بمناديل ورقية وبعض الأوراق لتحريكها في يده بحثا عن بعض الهواء ….ولعل محور الحديث خلال السفرة المضنية للركاب يكون حول أسباب عدم تشغيل المكيف وكل يدلي بدلوه وتطرح التساؤلات وتتوالد باعتبار غياب الاجابة المقنعة ولعل حرارة العربات تكون سببا في تسجيل حالات إغماء يومي وطاردة لبعض الركاب حيث يضطر بعضهم إلى المغادرة في أول محطة تعترضه بحثا عن تاكسي رغما عن أنف ظروفه المادية مقدما التضحيات في سبيل استكمال رحلته وبلوغ مقصده بعيدا عن التشنج وعن التشبع بما يعرف بـ«الموجات السلبية» ومازال يومه في بداياته.

لعل اشتداد حرارة عربات المترو تدفع بالركاب إلى المطالبة بالسير بالمترو بأبواب مفتوحة ويعمد البعض إلى التشبث في الأبواب وتعطيل غلقها وتلك قصة أخرى للمعاناة إذ ينجر عن هذه السلوكيات تعطيل لحركة سير المترو في المحطات والزيادة من حالة الاحتقان…لنعد إلى الداخل لتلك المشاهد المزرية للكراسي فقد اكتسبت حلة غير حلتها من كثرة الأوساخ وراحت منها الروائح لتمتزج بروائح أخرى منبعثة من هنا وهناك ويكون المكان متنفسا لروائح كريهة لا تحتمل هذا دون أن ننسى بعض الكراسي وقد عبثت بها أيادي العابثين من الشباب ولا يمكن بأي حال الجلوس عليها فقد باتت مجرد كومة من الحديد…

وطبعا وفي رحلة السير وفي كل محطة تكون الجملة المميزة لمن انتهت رحلته «الحمد لله وصلنا لاباس » وأما الوافدون ممن ستنطلق رحلتهم فجملتهم تكون «شنوة هذا يا لطيف» في إحالة إلى شدة الحرارة في العربات ….لا أحد يمكنه تخيل حجم المعاناة إلا من خبرها …هي عينة لرحلة صباحية فماذا عن بقية الرحلات مع تقدم ساعات النهار وفي رحلة العودة أثناء الذروة خاصة وأننا نتحدث عن الصيف ونظام العمل بالحصة الواحدة وما يعنيه ذلك من تجمع الناس في المحطات خاصة اولئك الذين لا خيار لهم ولا بديل سوى الصعود في المترو «الجديد» كما اصطلح على تسميته لدى عامة الناس.

نعود الآن لنطرح تلك الاسئلة الحارقة:لماذا لا يقع تشغيل المكيف و المترو مجهز به؟ هل تعلم سلطة الإشراف بحال الناس في عربات مترو كالذي ذكرناه؟

أي جهد وأي مردودية يمكن أن يقدمها ركاب المترو ممن يقصدون مقرات عملهم وقد ذاقوا كل أنواع المعاناة على جميع الأصعدة والأوجه؟ إلى متى يمكن إذلال الناس بسفرات مهينة لا تحتمل تحت أي مسمى ؟

معلوم أن أسطول النقل يعرف نقصا فادحا ومعلوم أن العديد من الإشكاليات مطروحة في قطاع النقل العمومي ومعلوم أنها إشكاليات تناولناها بالدرس مرارا وتكرارا وأسالت أنهارا من الحبر ومعلوم أن كل الأطراف المتدخلة في القطاع تعمل على تقديم الحلول….ولكن في المقابل هناك معاناة يومية لا تحتمل للمواطنين فقد بات النقل بمثابة الكابوس الذي يؤرق شقا موسعا من المواطنين حيث عبر بعض المواطنين ممن كان لنا لقاء بهم أن الوضع المزري للنقل يفسد مزاجهم ويربك يومياتهم ويجعلها صعبة. تقول إحداهن فكرت كثيرا في الانقطاع عن العمل بسبب النقل إذ تعود إلى المنزل منهكة لتعاود السيناريو نفسه يوميا بأكثر حدة أو بأقلها ولكن في كل الحالات لم يعد لها من القوة مايمكّنها من تحمّل معاناة الركض وراء وسائل النقل صباحا مساء ولم يعد لها من الزاد مايمكّنها من  تحمل الاكتظاظ بعربات المترو والإحساس بالإهانة والإذلال الذي اعتبرته من أصعب الأمور لديها لما يعنيه من تحرش وسرقة وغيرها من السلوكيات الأخرى المعلومة لدى الجميع ….في السياق نفسه تقول إحداهن باعتبار الوضع الكارثي للنقل وخاصة عدم القدرة على تحمل السفر في مترو 4 المذكور فانها تضطر في فصل الصيف إلى تخصيص مبلغ لتتمكن من سفرة في سيارة أجرة (تاكسي) صباحا  للذهاب للعمل اما في طريق العودة فانها تضطر لاقتناء المترو وتحمل جحيمه.

وعبر شق آخر من المواطنين عن غضبهم الشديد من حالة اللامبالاة وترك المواطن يتخبط لوحده ويتحمل أكثر من طاقته في ظل حرارة قياسية ويشير احد الركاب في هذه الحالة إلى ملابسه وقد ابتلت لدرجة يصعب فيها الذهاب للعمل على حد قوله مشيرا أنها حالة متكررة يوميا وأصبحت تحرجه لدرجة قصوى ولكن لا خيار لديه سوى تكرار السيناريو نفسه فوضعه المادي صعب جدا ولا يسمح له بالبحث عن حلول أخرى ….حال الناس مع النقل في فصل الصيف صعبة و مهينة ولكن لاحول ولا قوة لهم سوى الإقبال عليها فلا خيار آخر يطرح في ظل ظرف اجتماعي واقتصادي صعب ….بعض المواطنين وجهوا نداءات متتالية للمسؤولين على اختلاف تموقعاتهم لتجربة سفرة واحدة في وسائل النقل العمومي وقت الذروة لا أكثر ولا أقل لاختبار مدى قدرتهم على الصمود والحال أن درجات الحرارة قياسية ووسائل النقل تعد على أصابع اليد الواحدة…! ثم بعد ذلك لهم تقييم الحال والبناء عليه لإصلاح حال العديد من القطاعات من رحم التجربة ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التعامل مع الإدارة : الرقمنة هي الأساس والوثائق استثناء..!

النوايا وحدها لاتكفي لمواكبة التطورات التكنولوجية وتملكها خاصة وان واقع تعصير الإدارة ورقم…