السوق الصيفية للدروس الخصوصية تنتعش: أيّ الفوائد تُرجى منها ..؟
تعرف السوق الصيفية للدروس الخصوصية انتعاشة سنويا بسبب إقبال العديد من العائلات على دروس الدعم والتدارك حتى خلال العطلة الصيفية لعدة أسباب تختلف من عائلة إلى أخرى ولكنها تلتقي في هدف موحّد وهو تكثيف المعارف وتحسين المكتسبات العلمية للمتعلم إما بحثا عن التميز أو تدارك الضعف الذي يعاني منه التلميذ في بعض المواد أو التحضير والاستعداد للسنة الدراسية المقبلة. والسؤال المطروح الآن في هذه الحالة : هل الدروس الخصوصية صيفا نعمة أم نقمة على التلميذ والعائلة ؟ وأي الفوائد تُرجى منها ؟ وهل يمكن أن تؤثر الدروس الخصوصية صيفا على التلميذ …؟ ولعل الملاحظ اليوم أن الفضاء الأزرق يزخر بالعديد من العروض من كل صوب وحدب لمراكز للدعم والتدارك و كثرة العروض تشي مما لاشك فيه بمدى معرفة حاجة التونسي لها وإقباله عليها .
يقول في هذا السياق رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن الدروس الخصوصية صيفا تعرف إقبالا من قبل التونسيين تحضيرا للسنة الدراسية المقبلة خاصة بالنسبة لتلاميذ الباكالوريا رغم الميزانيات المحدودة ويرى ان الإشكال الحقيقي يكمن في شطط الاسعار مما يستدعي بالضرورة تقنينها بكراس شروط وهيكلة هذه الخدمات _ الدروس الخصوصية _ باعتبارها اصبحت واقعا من الضروري التعامل معه وتقنينه حتى لايقع استغلال المواطنين باعتبار حاجتهم الماسّة لمثل هذه الخدمات.
في السياق نفسه أكد رئيس الجمعية التونسية لجودة التّعليم سليم قاسم انه عند الحديث عن حق الطّفل في الرّاحة والتّرفيه، علينا أن نستحضر أمرين متكاملين على غاية من الأهمّيّة، أوّلهما أن التّرفيه ليس غاية في حدّ ذاته، بل هو مرحلة ضروريّة لتجديد الطّاقة والعودة إلى النّشاط بأكثر دافعيّة وقدرة على الفعل والإنجاز، أمّا الأمر الثّاني، فهو أنّ الكائن الإنسانيّ هو كائن متعلّم، وأنّ فعل التّعلّم هو فعل لا حدود له، يبدأ منذ الدّقائق الأولى من حياة الإنسان، ولا يتوقّف لحظة واحدة حتّى نهايتها.
وأفاد أنّه من الغريب أن نجد أنفسنا اليوم، وقد شارف الرّبع الأول من القرن الحادي والعشرين على نهايته، وفي وقت يحتدم فيه صراع الأمم على اكتساب المعارف والأخذ بناصية العلوم، مضطرّين للحديث عن أهمّيّة مواصلة الطّفل تعلّمه خلال العطلة الصّيفيّة، وذلك أمام نزعة حقوقويّة تعمل على تقويض كلّ ما من شأنه أن ينهض بمستقبل أمّتنا، وتروج الى أن تعليم الطّفل خلال العطلة الصّيفيّة يعتبر اعتداء على حقّه في اللّعب، وكأنّه ليس بالإمكان الجمع بين الأمرين، مثلما روّجت قبل أسابيع لفكرة التخلي عن الامتحانات والتّقييم لأنّ فيها إرهاقا للتّلميذ والوليّ، ومثلما روّجت منذ سنوات، وبنجاح كبير للأسف، الى أنّ إكساب الطّفل مهنة أو صناعة أمر محرّم قبل بلوغه الثامنة عشرة من العمر، وهو ما خلق أجيالا كاملة غير متقبّلة لفكرة العمل أو غير قادرة عليه.. وللأسف الشّديد، فإنّ هذه النّوايا اللّئيمة المتستّرة بالشّعارات البرّاقة تجد دوما من ينخدع بها ويتبنّاها غير مدرك لخطورتها ولعواقبها الوخيمة..
وبين رئيس الجّمعية التونسية لجودة التّعليم أن العلوم العصبية العرفانيّة التي تدرس ميكانيزمات نشاط الدّماغ البشريّ، وخاصّة منها ميكانيزمات التّعلّم واكتساب المعارف والخبرات والاستفادة منها، قد حسمت المسألة نهائيّا وجعلت مجرّد الحديث أمرا لا طائل منه: فالدّماغ البشريّ، وخاصّة دماغ الطّفل، في حاجة إلى التّعلّم الدّائم، وكل قطع لعمليّة التّعلّم ينتج عنه اضطراب في نسق هذا التّعلّم وفقدان لجزء ممّا تمّ تعلّمه وحاجة إلى وقت إضافيّ لاسترجاع هذا الجزء المفقود عند استئناف التّعلّم.. فما هو يا ترى حال التّلميذ التّونسيّ؟ إنّ دروسه تتوقّف فعليّا طيلة أربعة أشهر على الأقل سنويّا (من أواسط شهر ماي إلى أواسط شهر سبتمبر)، دون أن ننسى عطل الثّلاثيّات التي أضفنا إليها بدعة عطل أنصاف الثّلاثيّات، والعطل الدّينيّة والعطل الرّسميّة وعطل نهاية الأسبوع وعطل المرض والعطل الاستثنائيّة وكلّ ما تنجح عبقريّتنا الفذّة في اختراعه من أصناف العطل؟ لقد صار التّعلّم في بلادنا أشبه ما يكون بسباق الموانع، وأوشك الحديث عنه أن يتحوّل إلى نوع من التعبير المجازي لفرط ما لحق به من ضروب التّعطيل وأصناف العبث.
لذلك،وفق سليم قاسم حين يتولّى الوليّ التّونسيّ كعادته، المبادرة بالعمل على تدارك الثّغرات التي تخلّفها منظومتنا التّربويّة، وذلك بتوفير دروس تدارك ودعم أو دروس خصوصيّة لابنه أو لابنته، فالأولى أن نقوم بشكره لا بلومه، والأولى كذلك هو أن تكثّف مؤسّسات الدّولة التّربويّة والشّبابيّة والرّياضيّة أنشطتها التّعليميّة والثّقافيّة الهادفة، وأن تركّز هذه الأنشطة خاصّة على تعليم مهارات الحياة، فضلا عن تحسين مكتسبات المتعلّمين في مختلف المواد. وعلى صعيد آخر، فإنّه من الضّروريّ أن يتمّ تقييم دقيق وصارم للمشاريع المتعدّدة التي أنفقت عليها الدّولة ملايين الدّينارات بعنوان توفير محتويات تعليميّة رقميّة ذات جودة عالية لكافة بنات تونس وأبنائها في جميع المستويات والأماكن والأوقات، ومحاسبة كلّ من ثبت فشله أو تسبّبه في إفشال هذا المشروع الرّائد الذي كان سيقدّم خدمات جليلة للتّلميذ التّونسيّ خلال العطلة الصّيفيّة.
ويعتبر قاسم سليم أن إنفاق التّلميذ لساعتين من يوم عطلته لترسيخ معارف ومهارات اكتسبها أو لاستكشاف معارف ومهارات جديدة لن يفسد عليه عطلته بل سيعلّمه معاني الانضباط والدّقّة والتّعويل على الذّات وتحمّل المسؤوليّة، ولا بد هنا من دعم مجهودات الأولياء الحريصين على تعليم أبنائهم ورفدهم بخطّة وطنيّة متكاملة تصالح الطّفل التونسيّ مع التّعلّم ليصير هذا التّعلّم القاعدة لا الاستثناء، والأداة الرّئيسيّة لبناء مستقبل الفرد والأمّة مثلما كان.
من جهته اكد رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني ان دراسة ظاهرة الدروس الخصوصية تحملنا إلى التعامل مع الموضوع بمواقف متناقضة تماما نلعنهُا لأضرارها المادية والمعنوية لما تمثله من إقصاء وما تتسبب فيه من تعميق الفوارق بين مختلف فئات المجتمع وما تحمله من ضرب صارخ في القدرة الشرائية للمواطن. فمن المفروض أن تكون المدرسة العمومية في عمقها الكوني والإنساني والدستوري مجانية والمؤسسة الضامنة للعدالة الاجتماعية ولتكافؤ الفرص لكل بنات تونس وأبنائها. ونجد اليوم أنفسنا في واقع مغاير كي لا أقول معاكس تماما لان النجاح يتفاعل بدرجات كبيرة مع الموارد المالية ثمّ مع المستويات الثقافية للعائلات والجهات. مشيرا الى أن رئيس الجمهورية أكد هذا الاستنتاج عند إشرافه على الاحتفال بيوم العلم السنة الفارطة حيث قال انه ليس هناك موجب لمؤسسة إحصاء ويكفي النظر في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية لمعرفة خريطة الفقر بتونس.
ويبارك محدثنا في المقابل ظاهرة الدروس الخصوصية ويحيي كل الأولياء الذين اختاروا الاستثمار في تربية أبنائهم وتعليمهم مع رفض كل السلوكيات غير الأخلاقية المتصلة بها. في قراءة مسؤولة للمعطيات والمؤشرات والإحصائيات وكل الدراسات والتقارير ذات الصلة تقر بالواقع الكارثي لأداء المنظومة التربوية التونسية في مرجعياتها المحورية خاصة في ما يتعلق بالانقطاع المبكر على الدراسة ونتائج الامتحانات الوطنية وتدني المستوى العام للمدرسة التونسية وتراجع نسبة التمدرس. والسؤال الواجب طرحه عندما ندرك خطورة هذه المؤشرات وفق محدثنا هو كيف يكون الوضع لو لم تستثمر العائلات الميسورة في الدروس الخصوصية؟ ويشدّد على ضرورة التوقف عن تبرير أسباب هذه الظاهرة ببحث الأولياء على ضمان ارفع المعدلات لأبنائهم وبناتهم. وبغض النظر على لعنة هذه الظاهرة او مباركتها فان الأطفال ضحاياها سواء منهم من ينتمي إلى عائلة ميسورة أو من ينتمي إلى عائلة معوزة بالإضافة إلى انعكاساتها السلبية على المجتمع والمصلحة الوطنية.
وفي السياق نفسه يؤكد الزهروني على ضرورة التوقف عند ظاهرة تنامي هذه الظاهرة خلال العطلة الصيفية وتناولها بالدرس تفكيكا وتحليلا للوقوف على اسبابها الحقيقية ومعالجتها . مستحضرا مثالا لصديقه حيث أتذكر انه في يوم من أيام شهر جويلية منذ حوالي سنتين تقريبا كان له موعد في بيته مع صديق.واثناء حديثهم نظر الى ساعته قبل ان يستأذن منه بالمغادرة لأنه مجبر لمرافقة حفيدته لمتابعة درس خصوصي في مكان يبعد حوالي 20 كم من مكان اقامته. وفور مغادرة بيته حمله تفكيره إلى التعمق في الموضوع من ثلاثة زوايا مختلفة.
الأولى تتعلق بالحفيدة وامثالها ومثيلاتها عديدون. فعوض ان يستغلّوا العطلة الصيفية للراحة والاستراحة وللترفيه لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية نراهم ينطلقون في ماراطون دراسي مواز قبل انطلاق السنة الدراسية الرسمية وما سيمثله هذا الواقع من انعكاسات على بناء شخصياتهم ونحن نعلم جيدا قيمة الزمن الاجتماعي -والعطل المدرسية هي جزء منه- في هيكلة مراحل النمو لأبنائنا وبناتنا. ولا نجد أي غرابة في ما نلاحظه اليوم من انزلاق البعض -والبعض يبقى كثير- من شبابنا بمفاهيم الحقوق والواجبات وبمعاني الحياة وبأبعادها.
والضحية الثانية هم أبناؤنا وبناتنا ممن ينتمون إلى العائلات المعوزة والجهات المحرومة وهم من ضمن الأغلبية التي ستجد نفسها أمام واقع أكثر إقصاء وتهميشا وفشلا وإحباطا.مشيرا إلى أن الحالة المتدنية للمنظومة التربوية جعلت العناصر الاجتماعية والمادية والاقتصادية والثقافية للعائلات والجهات تزيد في تعميق الفوارق وفي تقليص الحظوظ في النجاح والتفوق.وبالتالي فإن كيفية استغلال العطلة الصيفية أصبحت اليوم سبب اقصاء إضافي وكان من المفروض ان تمثل العطلة هدنة لشحن طاقات كل أبنائنا وبناتنا ولتهيئتهم لمجابهة السنة الدراسية الجديدة عوضا عن استغلالها لبرمجة دروس خصوصية صيفية.
ويضيف الزهروني الأولياء هم بدورهم ضحايا هذه الظاهرة. فبعضهم يجد نفسه أمام عروض تدريس مختلفة بأسعار مختلفة وفي كل المواد تقريبا ليختار أو يوافق على ما تراه العائلة مفيدا بالنسبة لابنهم أو ابنتهم وفي عديد الحالات أكثر من ابن واحد أو بنت واحدة. ويتحول هذا الولي بالتالي إلى مدرس متعدد الاختصاصات ومستثمر في الدروس الخصوصية الصيفية وهو مطالب على هذا الاساس بالقيام بكل ما يراه ممكنا من تضحيات -ويتحدث هنا على العائلات التي يكون دخلها فوق المتوسط بقليل- لتوفير ما يمكن توفيره لتمويل هذه الدروس وذلك على حساب مقدرته الشرائية وحاجياته الأساسية وعيناه تنظر إلى كلّ ما ينتظره من مصاريف لمجابهة متطلبات الحياة بصفة عامة والسنة الدراسية المقبلة بصفة خاصة. أما الولي المعوز وهي الفئة المهيمنة بمجتمعنا فينطبق عليه المثل الذي يقول «العين بصيرة واليد قصيرة»،ولي لا يجد حيلة للتعامل مع الوضع غير رفع عينيه إلى السماء ليدعو ربه بتيسير حاله وتسهيل أموره.
الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل : المراهنة على البحث العلمي آلية للبناء على أسس صلبة
نظم أمس الأربعاء الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل مسيرة انطلقت من وزارة التعليم العالي…