2024-07-16

عن بطالة الدكاترة المعطّلين .. المُنتظر للشّغل… كالقابض على الجمر..!

هو ملف من الملفات التي خلفت الغبن والقهر لدى شق موسّع من المعطّلين عن العمل واستنفدوا كل الطرق للمطالبة بالحلول العملية والناجعة لإلحاقهم بسوق الشغل ووضع حد لمعاناتهم ولاشك أن الذاكرة الجماعية القريبة تحتفظ بشتى أنواع التحركات والاحتجاجات والاعتصامات التي نفذها المعطلون عن العمل في مناسبات عدة ولكنها لم تف بالغرض ولم تحقق المنشود ومازالت البطالة جاثمة بكل ثقلها على شق موسّع من المعطلين عن العمل…

لعل النوايا وحدها لا تكفي لإنصاف طالبي الشغل ولا تكفي وحدها لوضع حد لوجع هذه الفئة المهمشة…فحلم الالتحاق بركب الموظفين بات صعب المنال لدى شق ممن أعيتهم البطالة وتجاوزوا السن القانونية…

لم يتركوا بابا إلا وطرقوه ولا مسؤولا إلا وحدّثوه عن قصصهم المؤلمة ومعاناتهم الكبيرة التي تزداد حدتها خاصة في الظرف الاجتماعي والاقتصادي الصعب والمعلوم لدى الجميع ولكن لامفر لهم سوى الانتظار أو ابتكار الحلول للصمود والالتحاق بالأعمال الهشة والتي مازالت متواصلة رغم دعوة رئيس الدولة لوضع حد لها أو الانتصاب للحساب الخاص وذاك موضوع آخر لنا عودة للخوض في تفاصيله.

في حين خيّر البعض الالتحاق بقوارب الموت بحثا عن آفاق أرحب ولاننسى أولئك الذين غادرونا بعد أن غيّبهم الموت حاملين معهم أحلامهم وأولئك الذين كانوا فريسة للأمراض النفسية واخذ منهم الاكتئاب مأخذا عظيما ….فعالم المعطلين عن العمل مثخن بالجراح ومهما فصلنا القول فيها ومهما وصفناها لا يمكن أن نبلغ المراد… البطالة معضلة مزمنة أكلت من العمر الكثير بالنسبة للشباب ومازالت كذلك إن لم تقع معالجة هذا الملف الثقيل بالحلول العملية والناجعة التي تمكّن من استيعاب أكثر عدد ممكن منهم…

وعلى الحكومة العمل على إيجاد الحلول الكفيلة للاستجابة للمطالب المكدّسة للمعطلين عن العمل من مختلف الشرائح الاجتماعية والذين تراكمت مشاكلهم وتشعّبت نتيجة تكدسها  سنة تلو الأخرى   مما جعلها تشتد وتسري سريان النار في الهشيم وتوسع رقعتها لتستوعب أكثر عدد ممكن من المعطلين عن العمل.

  وفي المقابل مثلت الهجرة الشرعية بابا للكفاءات لمغادرة البلاد قسرا ولعل مؤشرات هجرة الأدمغة مثلت لسنوات مؤشرا لدق ناقوس الخطر لوضع حد لنزيف هجرة الكفاءات التي لم تشمل فقط المعطلين عن العمل ولكنها شملت الطبقة الشغيلة فإذا كان شق كبير من العمال والموظفين يهاجرون بحثا عن ظروف عمل أفضل فما بالك بأولئك الذين أكلت البطالة من لحمهم الحي؟!! وانتظارهم للشغل… كالقابض على الجمر…؟ !

حيث تقول في هذا السياق مريم الدزيري  دكتورة باحثة في اللغة والآداب العربية أن بطالة الدكاترة  هي بطالة مفتعلة باعتبار أن الحلول العملية لا تقتصر على التناظر وإنما تكمن في إلحاق الدكاترة المعطلين عن العمل صلب هياكل البحث والتكوين الموجودة بكافة الوزارات  والتي تقدر بـ111 وحدة بحث مشيرة إلى أنه تم سنة 2021 إصدار قرار في 5 مارس 2021 لتشغيل 6000 دكتور صلب هياكل البحث والتكوين ولكن والى حد هذه الساعة ننتظر صدور قانون ينظّر شهادة الدكتوراة في السلم الوظيفي.

وتشير محدثتنا إلى الظروف الصعبة التي يمر بها الدكاترة المعطلون عن العمل فمنهم من غيّبه الموت بسبب المرض الخبيث واحد الدكاترة أقدم على إحراق نفسه ليضع بذلك حدا لمعاناته  وغيرها من المآسي  الأخرى التي لا تحصى ولا تعد ناهيك أن حالة الضغط النفسي اليومي خلفت العديد من الأمراض في صفوف بعض الدكاترة  خاصة منها الاكتئاب الذي افقد شقا كبيرا منهم طعم السعادة والفرح لتستوي بذلك كل المتضادات إلى حين انفراج أزمتهم….

في السياق نفسه يقول محمد علي ثامري  دكتوراه في الفيزياء أن وضع الدكاترة صعب ومعاناتهم بلغت مبلغا عظيما والإحساس بالغبن والقهر يرافقهم يوميا خاصة أمام تواصل سياسة التشغيل بالمحاباة والمحسوبية  مشيرا الى ان بعض المناظرات تكون على المقاس موجهة لأفراد دون غيرهم… ناهيك عن الحكم على الأفراد عبر الهندام لا عبر الزاد المعرفي والعلمي الكبير إضافة إلى  العديد من الممارسات التعجيزية  التي تعترضهم في رحلة البحث عن عمل…

يضيف محدثنا أن بطالة الأدمغة موجعة إلى حد بلغ أقصاه وأقساه  مبرزا أن شقا كبيرا منهم قدم التضحيات بالجملة والتفصيل أثناء رحلة الدراسة ليصدم بواقع بلغت فيه القسوة مداها والقاصي والداني يعلم علم اليقين مرارة الواقع.

  في السياق ذاته يقول أنيس الصخراوي دكتوراه في علوم الفلاحة الحافظة والمستدامة   ودكتوراه في البيولوجيا المندمجة  انه في ظل تعمّق أزمة بطالة الدكاترة الباحثين وتدهور وضعيتهم  سيواصلون التحرك إلى حين إيجاد حلول لبطالتهم.

إنّ الدكاترة الباحثين المعطّلين عن العمل كانوا على امتداد العشرية الماضية  ضحايا سياسات فاشلة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، تمثّلت أساسا في غلق أبواب الانتداب في الجامعات العمومية، وإلغاء مناظرة انتداب المساعدين وتحويل مناظرة الأساتذة المساعدين إلى مناظرة انتداب بعد أن كانت مناظرة ترقية، في المقابل تمّ إغراق هذه الجامعات بآليات تدريس موازية انتفعت بها ـ على حساب الدكاترة الباحثين المعطلين ـ فئات مهنيّة لا علاقة لها بالتعليم العالي والبحث العلمي.

مضيفا أن الدكاترة الباحثين المعطلّين قسرا عن العمل ضحايا آليات تشغيل هشّة، من عقود قصيرة المدى مسقّفة زمنّيا لا تفضي إلى الإدماج، وتدريس عرضي بلا تغطية صحّية واجتماعية ولا أجر شهري منتظم ولا حتّى صفة مهنية، في إطار لا يضمن الحدّ الأدنى لحقوق العامل في أجر عادل وفي العمل في ظروف لائقة .

لاشك أن معضلة البطالة تزايدت في صفوف خريجي الجامعات  وازداد الوضع تعقيدا نظرا لعوامل موضوعية حينا وأخرى ناتجة عن غياب الإرادة الحقيقية ـ طيلة سنوات خلت ـ لمعالجة العديد من الملفات العالقة التي يتم ترحيلها من سنة إلى أخرى لتكون النتيجة جحافل من المعطلين عن العمل تبحث لها عن منافذ لدخول سوق الشغل والتي باتت صعبة المنال.

جدير بالذكر أن نسبة البطالة من بين حاملي الشهائد العليا ارتفعت لتصل إلى 23,4 % خلال الثلاثي الأول من سنة 2024 (مقابل 23,2 % خلال الثلاثي الرابع من سنة 2023 و23,1 % خلال الثلاثي الأول من سنة 2023). وتقدر هذه النسبة لدى الذكور خــلال الثلاثي الأول من سنة 2024 بـ 13,8 % بينما بلغت 31,2 % لدى الإناث وفق إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التعامل مع الإدارة : الرقمنة هي الأساس والوثائق استثناء..!

النوايا وحدها لاتكفي لمواكبة التطورات التكنولوجية وتملكها خاصة وان واقع تعصير الإدارة ورقم…