2024-07-12

الولايات الداخلية  تتذيّل قائمة  نسب النجاح في الباكالوريا منذ عقود : ‎أين الخلل؟ وما هي الأسباب؟

‎ حافظت منذ سنوات ولاية صفاقس على المرتبة الأولى في نسب النجاح في امتحان الباكالوريا. وفي المقابل حافظت ولايات قفصة والقصرين وجندوبة وولاية سيدي بوزيد على تذيل الترتيب. ولهذه النتائج اكثر من دلالة وأكثر من قراءة سنحاول الاتيان على بعضها في هذا المقال, بالتساؤل عن مكمن الخلل والأسباب التي أدت إلى تكرار النتائج بالطريقة نفسها منذ سنوات.

كانت نسب النجاح في الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا 2024 حسب الجهات وفي مختلف المندوبيات، وعددها 26 مندوبية في تونس على النحو التالي تصدّر ولاية صفاقس، ترتيب الولايات التونسية. وجاءت المندوبية الجهوية للتربية صفاقس 2 في أعلى الترتيب بنسبة نجاح بلغت 63.39 بالمائة، تليها المندوبية الجهوية للتربية صفاقس 1 بفارق نقطة مائوية تقريبًا، حيث بلغت نسبة النجاح فيها 62.63 بالمائة. وجاءت المندوبية الجهوية للتربية بالمهدية في المرتبة الثالثة بنسبة نجاح تعادل 58.16 بالمائة، تلتها المندوبية الجهوية للتربية بالمنستير في المرتبة الرابعة بـ55.75 بالمائة كنسبة نجاح في الدورة الرئيسية ثم المندوبية الجهوية للتربية بسوسة بفارق طفيف، إذ جاءت في المرتبة الخامسة بـ55.73 بالمائة من الناجحين.

وحلت في المرتبة السادسة ولاية أريانة بنسبة نجاح تناهز  53.73 بالمائة، تليها ولاية بن عروس بنسبة 53.42 بالمائة، وجاءت المندوبية الجهوية للتربية تونس 1 في المرتبة الثامنة بـ52.63 بالمائة ثم مدنين بـ52.58 بالمائة، فولاية نابل في المرتبة 10 وطنيًا بنسبة نجاح بلغت 50.26 بالمائة، تليها المندوبية الجهوية تونس 2 بنسبة 50.10 بالمائة.

أما ولاية قابس فقد حلت في المرتبة 12 وطنيًا بنسبة نجاح بلغت 49.59 بالمائة في المعاهد العمومية، تليها ولاية بنزرت بنسبة 47.03، ثم ولاية تطاوين بنسبة 46.23 بالمائة، فمنوبة بنسبة 44.57 بالمائة. وجاءت في المرتبة 16 ولاية باجة بنسبة  41.25 بالمائة، ثم ولاية زغوان بنسبة 40.44 بالمائة، تليها في المرتبة 18 ولاية سليانة بنسبة نجاح لم تتجاوز 37.77 بالمائة، ثم ولاية الكاف بنسبة 37.67 بالمائة. أما ولاية توزر فقد اكتفت بالمرتبة 20 وطنيًا بنسبة نجاح لم تتجاوز 37.65 بالمائة، تليها ولاية قبلي بنسبة نجاح تقدر بـ 36.81 بالمائة، ثم ولاية القيروان بنسبة 36.43 بالمائة، وجاءت ولاية سيدي بوزيد في المرتبة 23 على المستوى الوطني بنسبة نجاح لم تتعد 35.97 بالمائة.

وتذيلت ولاية قفصة الترتيب بنسبة 28.82 بالمائة فقط من الناجحين، وجاءت ولاية القصرين في المرتبة قبل الأخيرة بـ29.87 بالمائة من الناجحين، وسبقتها ولاية جندوبة بـ32.41 بالمائة كنسبة نجاح في الدورة الرئيسية لباكالوريا 2024، في تونس في القطاع العمومي.

أسباب متعددة وراسخة

يبدو أن الأسباب التي تقف وراء ضعف نتائج الولايات الداخلية في الامتحانات الوطنية وخاصة في امتحان الباكالوريا هي ذاتها لم تتغير منذ عقود. فهي أسباب راسخة ومؤبدة ان صح التعبير ولا تتغير. فهي حسب خبراء علوم التربية تكمن في النقاط التالية: نجد أن تدني النتائج بالمندوبيات الجهوية للتربية بالقصرين وقفصة وجندوبة وسيدي بوزيد هو نتيجة طبيعية  لعدم استقرار الاطار التربوي. فعدد من الأساتذة لا يستطيعون مواصلة التدريس بهذه المناطق ربما لظروف الاقامة التي عادة ما تكون قاسية خاصة على بعض الاساتذة الاناث وحتى الذكور منهم فيضطرون للمغادرة دون رجعة فيبقى التلاميذ دون مدرسين ويمر الوقت ليجد التلميذ نفسه يخوض غمار الامتحان دون ان يكون قد اتم البرنامج.

ومن  المعطيات المتوفرة فإن الجهات المذكورة التي تشهد أدنى نسب نجاح في هذه الامتحانات تسجّل أعلى نسبة اعتماد على الأساتذة النواب في عملية التدريس وكذلك كثرة النقل حيث أن نسبة هامة من المدرسين لا يستقرون بالمؤسسات التربوية بهذه الجهات لأكثر من عامين.

ورغم الاعلان منذ سنتين عن بعث برنامج خصوصي لتحسين النتائج بالجهات الداخلية التي تسجّل أضعف النسب في الباكالوريا. والذي اعلن عنه حينها وزير التربية السابق وقال انه سيتضمن عقد لقاءات مع المندوبيات الجهوية والاطار التربوي من أجل التحفيز على تحسين النتائج إلا أن هذه الأخيرة لم تتحسن وظلت على حالها.

الفقر من أهم الأسباب

ربط عدد من الباحثين في علم الاجتماع بين تفشي الفقر والتهميش وتراجع نسب النجاح  مشيرين إلى أن هذه النتائج هي انعكاس لواقع الجهات من حيث نسب الفقر. ولذلك  فإن الجهات التي تحظى بفرص تنمية أكثر تفوقت على الأخرى التي ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة، وكذلك نسب الجريمة والانتحار.

كما  أن هذا التباين على مستوى نتائج الباكالوريا له أسباب ذاتية واجتماعية، فالمناطق الداخلية وخاصة الحدودية منها يرى شبابها أن الآفاق موجودة فقط في التجارة الموازية بسبب انعدام التنمية ومواطن الشغل. وربما يكون التلميذ الذي لم ينقطع عن الدراسة منذ المرحلة الابتدائية أو الإعدادية وواصل دراسته حتى وصل الباكالوريا يكون في العادة غير جدي في التعلم والرغبة في النجاح فتكون النتيجة المتوقعة هي الرسوب.

ويلعب الاختلاف في العقليات بين الجهات دورا كبيرا إذ نجد عائلات تهتم بالتحصيل العلمي وتنفق كثيراً من أجل أبنائها، في مقابل عائلات أخرى خصوصاً الفقيرة أو غير المتعلمة لا تهتم بالتحصيل العلمي ولا تنفق المال من اجل دراسة أبنائها..

تراجع نتائج الباكالوريا انعكاس لتراجع جودة التعليم

وحسب رأي علماء الاجتماع  فإن تراجع نسب النجاح في الباكالوريا يعود لعدة أسباب مختلفة منها اعتماد التقييم الحقيقي والموضوعي والتخلي عن نسبة 25 بالمائة التي كانت تعطي انطباعا زائفا بتفوق تلاميذنا. وتراجع أداء المنظومة التربوية وخاصة في مستوى المواد الأساسية واللغات والتي تعتبر عماد التكوين الأساسي الجيد.ومحاصرة ظاهرة الغش التي كانت مستشرية والتعامل معها بحزم وجدية. والمشاكل التي شهدتها السنة الدراسية وخاصة الخلاف بين نقابة التعليم الثانوي والوزارة والتي اثرت على اتمام البرنامج الدراسي وعلى تركيز التلاميذ.

ان الامتحانات الوطنية وخاصة امتحان الباكالوريا تمثل الفرصة والمحرار الذي يمكننا من معرفة المستوى الحقيقي لتلاميذنا بعيدا عن تلك المعدلات المبالغ فيها التي يتحصل عليها التلاميذ في مسيرتهم الدراسية أو أثناء السنة الدراسية فالامتحانات الوطنية عبارة عن تقييم موضوعي لمستوى التلاميذ بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والمحاباة والعلاقات الزبونية بين المدرس والتلميذ.

تغير طبيعة التلميذ التونسي وتغير النظرة للدراسة

إن تلميذ اليوم ليس هو نفسه تلميذ السبعينات والثمانينات فتراجع مستوى المعدلات يعكس تراجعا أكبر في الاهتمام بالدراسة من طرف هذا الجيل الذي يذهب إلى المدرسة «مرغما». فقد تعددت اهتمامات التلاميذ إلى جانب اهتمامهم بالدراسة، كالاهتمام بوسائل الاتصال الحديثة والأحداث الرياضية والأحداث الفنية وإهمال التلاميذ للمطالعة العلمية والأدبية فقد انتهى ذلك الزمن الذي كانت فيه المكتبات الفضاء المميز للمطالعة والترفيه وكان فيه الكتاب أحسن جليس كما هو الحال في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي. كما تغيرت القيم التربوية في زمننا ويظهر ذلك من خلال عزوف الشباب عن الدراسة وقلة انضباطهم للتشريعات وتقاليد المؤسسات التربوية وربما يعود ذلك إلى أن الدراسة لديهم لم تعد مسألة مغرية ربما لأنها لا تستجيب لطموحاتهم وتطلعاتهم ذات السقف المرتفع. وفي أحسن الحالات أصبحت علاقتهم بالمعرفة وبالمواد الدراسية علاقة منفعية تقتصر على اعتماد المعلومات المقدمة للنجاح في الامتحان فقط دون استغلالها في الجانب التثقيفي وتكوين الشخصية.

وفي النهاية يمكننا القول أنه لا يمكن النهوض بنتائج التلاميذ اليوم وبمردود المدرسة التونسية عموما إلا بإعادة الاعتبار إلى الأستاذ كركن أساسي في المنظومة التربوية وذلك باستشارته في كل ما يمكن أن يهم المنظومة وأيضا في تنويع منظومات التكوين وجعلها تنبع من واقعنا. وكذلك بتنويع أدوات ومحامل التعليم بحيث تصبح أكثر جذبا وإغراء للمتعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الأسبوع العالمي للتغيرات المناخية والمناطق الرطبة : كيف نحمي تونس من الجفاف والتغيرات المناخية؟

التأم بالعاصمة تونس أواخر الأسبوع الفارط  المنتدى الدولي الأول لمشاريع المناطق الرطبة والأ…