2024-07-12

أنور براهم في  مهرجان دقّة الدولي : نـقـْرٌ لـطـيـفٌ عــلـى بــاب الأزلـيـــّة

في سهرة السبت 6 جويلية 2024  بمسرح دقة الأثري، تابع جمهور غفير محبّ وشغوف بموسيقى أنور براهم، بصمت وخشوع على مدى ما يقرب من الساعة والعشرين دقيقة، ما اقترحه الموسيقي التونسي من قطع منتقاة من ألبوماته المعروفة.

وبالنسبة لأنور براهم وعقب العرض وفي لقاء قصير مع الصحفيين ذكر أنّه لا توجد موسيقى قديمة أو جديدة، وأنّه في كلّ مرّة تُعزف الموسيقى فهي جديدة خصوصا ضمن إطار مهرجان دقة.

اختار أنور براهم  أن يكون بعد غيبة طويلة نسبيا عن تونس ، رفقة  عازفين  شاركوه مشواره على امتداد أكثر من ستة عشر عاما ، وهم : كلاوس غيزينغ ( كلارينيت باس، ساكسفون سوبرانو) وبيورن ماير( باس) وخالد ياسين ( دربوكة، بندير). وقد بدا أنور براهم والعازفين الذين معهم، سعداء بالعزف وسعداء بوجودهم في فضاء لعلّ روحه الخفيّة  تتواءم مع  موسيقى أنور براهم  التي تبتغي “ الأنس” بروحانيتها المتخفيّة دون صخب أو إثارة حواس.

موسيقى قادمة من بعيد( بدأ العرض بعزف منفرد من على آلة الساكسفون كمثل عتبة أو نداء) ومن زمننا هذا ( حيث يحدث ما يحدث في غزّة التي قال عنها أنور براهم أنّه من الطبيعي أن تكون قلوبنا معها) .  موسيقى مفتوحة على العالم، وفي نفس الوقت ثمة شيء ما فيها تونسي أو شرقي لا تخطئه الأذن. موسيقى أشبه   بمزيج، تركيب، خلاصة،  مداره آلة العود التي خرج بها أنورابراهم إلى آفاق أخرى دون أن يُضحّي بخصوصيتها وميسمها.  اقترح أنور براهم على جمهوره التونسي في دقّة قرابة الإثنتي عشرة قطعة موسيقية: “ قرب”، “ “أنس”، “ الحزام الذهبي”، “ مقهى أستركان”، “ حكاية حب خارق”، “ باهيا”، “ تلوين” ، “ وقفة في جيبوتي”، “ تلوين”، “ عيون ريتا المذهلة”، “ عطر الغجر”..  كما  قدّم مع عازفيه مقطوعة “ الحلفاوين”  بطلب من عشّاق فنّه.

“ المكان ملهم”، قال أنور براهم في لقائه المقتضب مع الصحفيين، وهو يتحّدث عن مسرح دقّة  أن سرّ الموسيقى يكمن في البحث عن نفس جديد.  لذلك ، ورغم أن المعزوفات الموسيقية قد وقع انتقائها من ألبوماته ، فقد كان لديه مع رفاقه من الموسيقيين، شعور بأنّهم يعزفونها لأوّل مرّة.

ثمّة شيء من اللطف ومن الأنس ومن العذوبة والرهافة في موسيقى أنور براهم التي لعلّها قادمة من مكان أليف من أنفاس الكون. موسيقى بلا عنف لا تدفع إلى  هيجان الحواس، تحرّض على التأمل الداخلي واستعذاب اللحظة التي تتكثّف فيها المعاني والأزمنة والمهج، كما تحرّض على الانصات إلى نغمات وإلى أصوات هي أشبه بأنفاس الخلْق الأوّل المُعْجز.

موسيقى مثل عطر الروح، تمتلئ بالأسرار وبالجلال، تشعر أنّها أليفة ولكنّك لا تقدر على تسميتها وعلى وصفها، فتكتفي بالإنصات لها و استعذابها كما لو أنّك ترغب أن تحملك بعيدا في “ أنفسكم وفي الآفاق”.

ولأنّه يقدر برهافته وأناقة  روحه على ملامسة “ هذا الشيء الجليل”، بهدوء ولطف، فقد تابع الجمهور العرض بخشوع وبصمت من يعرف أنّه في حضرة عليّة، وأنّه في رحاب شيء مختلف يتجاوزه ويرتقي به من ابتذال لحظته ومن عرضيتها إلى “ محلّ أرفع”، لعلّه الأزليّة، في حيويتها لا تجريدها، وقد انفتحت أمام مريدين وعشاق يشتاقون ويتشوفون إلى ما ليس يُدرك.. إلا بموسيقى كهذه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الدورة السابعة من تظاهرة “جو تونس” : تلتئم من 9 أكتوبر الى 9 نوفمبر

عقدت مؤسسة كمال الأزعر مؤخرا  ندوة صحفية بأحد نزل المدينة العتيقة  للإعلان عن فعاليات الدو…