بعد ترميم مسجد القصبة : معالمنا الأثرية والتاريخية.. مسؤولية الدولة والمجتمع..!
لماذا أهملنا معالمنا الأثرية والتراثية منذ ما يزيد عن عقد من الزمن؟
ولماذا وضعنا نقطة النهاية لصيانة مدننا العتيقة التي كانت تعنى بها جمعيات مخصوصة وتتابعها الدولة عن كثب؟
ولماذا تركنا البعض يسطو في وضح النهار على تراثنا وإرثنا الحضاري غير عابئين بتداعيات هذا الفعل ومخاطره؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير يطرحها كل ذي عقل وهو يرى الوضعية التي باتت عليها معالمنا الاثرية ومتاحفنا مع استثناءات قليلة جدا تؤكد القاعدة ولا تفنّدها.
ولتفصيل القول في هذا الشأن يقتضي الامر الانطلاق مع معطى في غاية البداهة .
فمما لاشك فيه أن التراث المادي واللامادي مقوم أساسي من مقومات حضارة أي بلد. ففي كل الدول تعد زيارة المعالم الأثرية والمتاحف من اهم ما يقوم به السائح عند السفر اليها. وفيها أيضا يتم الاحتفاء بشكل لافت بكل الملامح المميزة للمدن والترويج لها واعتبارها «ملمحا أساسيا» من ملامح هذه المدينة أو تلك.
حتى ان بعض البلدان التي تعوزها المعالم التاريخية صنعت لنفسها معالم معاصرة حتى تصبح مزارا يتوافد عليه الضيوف من كل صوب وحدب.
أما في بلادنا فالعكس هو الصحيح فالإهمال واضح من قبل وزارة الثقافة رغم أنه تداول عليها عدد لا يستهان به من الوزراء المحسوبين على النخبة التونسية.
ولاشك ان الزائر لبعض مدننا العريقة يشعر بالأسى جراء الحالة التي تردت فيها بعض المعالم الاثرية في ظل غياب الصيانة المستمرة وحالة بعض المتاحف كذلك.
نقول هذا ونحن نتابع إعادة فتح مسجد القصبة الذي تم ترميمه وإصلاحه بأمر من رئيس الجمهورية منذ أشهر.
وتولت المؤسسة العسكرية الاشراف على كل تفاصيل عملية الإصلاح والترميم بسرعة ونجاعة.
وقد بدا في أجمل حلّة عند افتتاحه من جديد لدى زيارة الرئيس له والاطلاع على أجنحته المختلفة وتأدية صلاتي الفجر والصبح في رحابه وكان ذلك إيذانا بعودة الحياة إلى هذا المعلم الديني والروحي والتاريخي أيضا في قلب العاصمة التونسية. والذي تم اغلاقه منذ حوالي 13 سنة لأسباب كثيرة ومتشابكة في خضم المد الثوري الذي أتى الكثير من الأشياء الجميلة في هذا البلد وغيّر بعض ملامحه.
وكانت هذه فرصة سانحة ليستعرض رئيس الجمهورية في حديثه مع سماحة مفتي الجمهورية هشام بن محمود حول تاريخ هذا الجامع المهم وما حفّ بتأسيسه وأهم الأحداث المتصلة به.
ولعل فتح جامع القصبة من جديد يكون مناسبة للنظر في وضعية كل معالمنا الأثرية ومتاحفنا التي تم إهمالها على امتداد ما يزيد عن عقد من الزمن بعد ان تخلت وزارة الثقافة عن أحد أهم أدوارها وهو تعهد هذه المعالم والاهتمام بها. ولعل سقوط جانب من سور عاصمة الأغالبة مدينة القيروان منذ فترة خير مثال وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من المواطنين ومن المبدعين والأكاديميين الذين أطلقوا حملات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الالتفات الى هذه المدينة العريقة وصون معالمها وتراثها وهي أقدم الحواضر في أفريقية كما هو معلوم. تماما كما تم تداول صور للمتحف الوطني للفنون الإسلامية برقادة وهو في حالة يرثى لها وهو الذي يضم مجموعة من التحف من الخزف والعملات النادرة تجسد التاريخ الاقتصادي لأفريقية على امتداد ستة قرون تقريبا.
هذا بالإضافة الى مكتبة تضم كنوزا من المخطوطات والوثائق النادرة ومن بينها صفحات «المصحف الأزرق» التي تعود الى القرن التاسع عشر وهي نسخة فريدة من القرآن الكريم .
وما قلناه عن متحف رقادة ينسحب على الكثير من متاحفنا التي تضم «جواهر» تستحق المحافظة عليها وصونها. وكذلك الشأن بالنسبة للمعالم الأثرية التي سقط بعضها بفعل الزمن كما تعرض البعض الآخر الى «هجمة» شرسة من قبل بعض المواطنين الذين بنوا بيوتا في نسيج هذه الآثار ولعل الصور التي تم تداولها لبناية حديثة تم انشاؤها في مدينة الكاف فوق آثار رومانية خير تجسيد للعبث الحاصل بتراثنا وارثنا التاريخي والذي يحتاج الى اهتمام خاص.
وتونس تخوض غمار مشروعها الجديد مقتضيات السياق الحالي أو لزوم ما يلزم
هل نجانب الصواب اذا قلنا ان تونس تخوض مشروعها الجديد بمنتهى الثبات والجدية ؟ وهل نختلف حول…