ضحايا النقل الفلاحي الفوضوي: إلى متى يتكرر نفس السيناريو الكارثي ..؟
سبّبت الحوادث الأخيرة لنقل العاملات في القطاع الفلاحي بولاية القيروان صدمة لدى الرأي العام وعرّت زيف القانون المعدّ للغرض أمام تواصل الانتهاكات في حق الأرواح البشرية حيث جدّ صباح الأربعاء 26 جوان حادث لعاملات في القطاع الفلاحي وسجلت فيه ضحايا نتيجة انقلاب شاحنة نقل فلاحي بمنطقة دار الجمعية من عمادة العويثة التابعة لمعتمدية السبيخة وأسفر عن وفاة طفلة في الخامسة عشرة من عمرها وخلف اصابة 14 عاملة بجروح متفاوتة الخطورة احداهن فقدت بصرها على إثر تعرضها لكسور على مستوى الجمجمة.
كما تم تسجيل حادث ثان بين بوحجلة والقيروان الجنوبية يوم 2 جويلية الجاري وخلف إصابات بدنية لعاملات فلاحيات.
في هذا السياق اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن هذه الحوادث كشفت الستار عن جملة من الانتهاكات المسكوت عنها وبيّنت بالكاشف وفق المنتدى، غياب الدولة في ملف العمالة الفلاحية والقضايا المتعلقة بها التي تتقاطع في ما بينها، كما أثبتت تقصير السلطات المعنية في مراقبة وسائل النقل الفلاحي والتصدي لممارسات الوسطاء وفي حماية حقوق العملة والعاملات في القطاع الفلاحي ، كغياب رؤية الإصلاح عند الجهات التي منحها القانون عدد 51 لسنة 2019 المؤرخ في 11 جوان 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل العملة الفلاحيين الصلاحيات التامة وترك لها سلطة القرار والتنفيذ والرقابة والتخطيط .
وعلى ضوء ما سبق ، يواصل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحذيراته من تواصل نزيف الحوادث وطالب في عديد المناسبات بمراجعة المنظومة القانونية الحالية وبإيجاد حل جذري لتمكين العاملات في القطاع الفلاحي من نقل آمن ولائق وفق رؤية تنموية وبمقاربة اجتماعية واقتصادية شاملة وناجعة تضمن لليد العاملة الفلاحية حقوقها وتحفظ كرامتها الانسانية ، كما حذّر من تشغيل القاصرات في العمل الفلاحي ومن تفاقم الظاهرة وسلط الضوء على القضية في عدة مناسبات مستندا في ذلك الى تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات حكومية والى معاينات ميدانية وشهادات حية جمعها في عمله البحثي الميداني .
ونبّه المنتدى ، وزارة الاسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وكل الوزارات المعنية أن الضحية القاصر التي توفيت في فاجعة السبيخة ليست الأولى وليست الأخيرة اذ أصبح المشهد متكررا بشكل مفزع ، فقد جدّ حادث مرور آخر يوم الثلاثاء 2 جويلية تمثّل في انقلاب شاحنة كانت تقلّ عملة وعاملات في الفلاحة على مستوى الطريق الرابطة بين معتمديتي بوحجلة والقيروان الجنوبية خلف 8 جرحى من ضمنهم 4 قاصرات .
وعاد المنتدى للتذكير بأن فاجعة السبالة التي اهتز لها المجتمع التونسي في27 أفريل 2019 كان من بين ضحاياها «منال»، «سمر» و«زمردة» وهنّ قاصرات توفين في الحادث وأعمارهن بين الأربعة عشرة والخمسة عشرة سنة، وان «حورية» التي فقدت يدها في الحادث كانت أيضا قاصرا ، ولم يتوقف النزيف ، فالحادث الذي جد في منطقة مغيلة في 05 فيفري 2024 والذي خلف وفاة امرأتين واصابة أكثر من 30 عاملة كان أيضا من بين الجرحى قاصرات احداهن، «مروى رحالي»، أصيبت بجروح على مستوى الرأس وهي تلميذة في السنة الثامنة أساسي خرجت مع والدتها للعمل مستغلة عطلة نصف الثلاثي الثاني لتأمين حاجياتها المدرسية ككل بنات المنطقة .
وبحسب الأرقام فإن حوالي 215 ألف طفل في تونس يعملون في قطاعات مختلفة وذلك حسب آخر دراسة انجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والمعهد الوطني للإحصاء ، ويشتغل 50 % منهم في القطاع الفلاحي وتتفاقم النسبة في أيام العطل المدرسية . كما يتعرض 3 % من الاطفال البالغة اعمارهم بين 14 و15 سنة لكل اشكال الاستغلال الاقتصادي وذلك حسب ارقام المعهد الوطني للإحصاء ومنظمة اليونيسيف.
مراجعة التشريعات والأطر القانونية
وشدّد المنتدى على ضرورة مراجعة التشريعات الجاري بها العمل على غرار قانون النقل الذي ثبت عمليّا عدم قابليته للتطبيق ، في مقابل تضاعف عدد الحوادث وتصاعد أعداد الوفيات والجرحى اذ منذ سنة 2015 ووفقا للمعطيات المتاحة للرصد في المنتدى تم تسجيل 79 حادث مرور متعلقة بشاحنات النقل الفلاحي أسفرت عن وفاة 62 ضحية وخلّفت 915 جريحة ، نسبة 54.4 % من مجموع الحوادث جدّت منذ بداية سنة 2020 أي بعد صدور القانون عدد 51 لسنة 2019 وتوفيت اثرها 22 عاملة الامر الذي يعزز موقف المنتدى من القانون ويؤكد عدم نجاعته وعدم ملاءمته لخصوصية الفئة ولخصوصية القطاع .
كما يطالب المنتدى بالتكفل بوضعيات العاملات اللاتي أصبن في الحادث وتأمين العلاج الكامل والمجاني لهن ومتابعة حالاتهن الصحية والاجتماعية والاقتصادية وادماجهن في احدى اليات الحماية الاجتماعية والصحية وفي برامج الدولة الموجهة للنساء وللعائلات محدودة الدخل ، علاوة على محاسبة كل من ثبت تورطه في الجريمة وتسليط عقاب رادع عليه وتنقيح القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل العملة الفلاحيين بما يتلاءم مع خصوصية القطاع الفلاحي والفئات العاملة فيه ووضع خطة وطنية عاجلة تتلاءم مع خصوصيات كل جهة لتحسين البنية التحتية للطرقات وللمسالك الفلاحية في الجهات الداخلية خاصة المثلث الغربي للبلاد (القيروان، سيدي بوزيد والقصرين) الذي يشهد أكبر نسبة من حوادث الشاحنات المقلة للعاملات في القطاع الفلاحي وحركية كبرى بين ولاياته باعتبار الطابع الفلاحي الغالب عليه والكثافة العددية لليد العاملة فيه .
ومن بين المطالب الأخرى ، تفعيل اليات الرقابة والتفقد في الاراضي الفلاحية لرصد ورفع المخالفات المتعلقة بظاهرة تشغيل الاطفال وكذلك تشديد الرقابة على الطرقات والمسالك الفلاحية للحد من ظاهرة النقل العشوائي وغير اللائق ومحاسبة الناقلين والوسطاء والتفكير في بعث شركات خاصة بنقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي تكون تحت اشراف وتسيير الدولة توفر وسائل نقل مؤهلة وقادرة على الولوج الى المستغلات الفلاحية بسهولة.
تزامنا مع انتهاء عطلتي رأس السنة الإدارية والشتاء : النقل بين المدن في تونس تحت الضغط
مع انتهاء عطلة الشتاء واحتفالات رأس السنة الإدارية، تشهد تونس حركة كثيفة للنقل بين المدن…