هنيئا لتونس بـ«لينا حقي» المتفوقة في مناظرة « السيزيام» التي تصدرت قوائم الناجحين وطنيا للدخول الى الاعداديات النموذجية .
«لينا» ابنة الربوع التي سقطت سهوا من حسابات الدولة الوطنية لكنها رغم كل شيء تستعيد بريقها بفضل تميّز واشعاع بناتها وأبنائها في أكثر من مجال وآخرهم هذه التلميذة الذكية المتفوقة التي أهدت تونس تميزها وأهدتنا جميعا فرحة لا تضاهي. وذلك بحصولها على معدل 19,65 في مناظرة الدخول الى المدارس النموذجية.
لينا التي تحمل من اسمها ومن لقبها الشيء الكثير فهي كالرطب او التمر الذي يولد من رحم صحراء قاحلة ومناخ قاس لكنه يمنح أشهى مذاق هي التي اقتلعت حقها في العلم والنور والحياة بفضل جهدها وذكائها متماهية مع الكنية التي وهبتها لها عائلتها.
وهي بذلك تقدم درسا للتونسيين وتقلب كل المعادلات التي كنا نسلّم بها عندما نقارب قضايا التربية والتعليم.
ومع تهنئة هذه التلميذة المتفوقة وطنيا يحق لنا ان نقف متأملين هذا القطاع الدقيق ونعني التعليم. ولا ضير ان نجعل من نتائج مناظرة « السيزيام» منطلقا لنقاش عام حول القضايا الشائكة التي تتخبط فيها المنظومة التربوية.
والأكيد ان سعادتنا بهذا التفوق المستحق الذي نالته لينا حقي عن جدارة لن يحجب عنا الضعف العام في مستويات اغلب تلاميذنا في المرحلة الابتدائية والذين لا يتملك اغلبهم ناصية القراءة والكتابة والحساب عندما يصلون الى السنة السادسة وهذه من المعضلات التي ينبغي ان يتم التباحث بشأنها في رحاب وزارة الاشراف ومع الخبراء والمربين والمختصين في الشأن التربوي.
وبالعودة الى تفاصيل النتائج المسجلة في هذه المناظرة فإن نسبة النجاح قد بلغت 39.67 بالمائة مقارنة بنسبة 36,15 بالمائة تم تسجيلها في السنة الماضية.
ويذكر أيضا ان هناك 4339 تلميذ تحصلوا على معدلات تفوق 15 من عشرين وتم توجيه 3680 تلميذ الى الاعداديات النموذجية.
والأكيد ان استقراء هذه الأعداد يضعنا أمام حقيقة لا غبار عليها وهي تراجع المستوى العام للتلاميذ التونسيين وان هناك إشكاليات كبرى ترافق عملية التعلم ومسألة التقييم. ويبدو اننا نحتاج الى مراجعات عميقة بهذا الخصوص.
ومما لاشك فيه ان ملف الإصلاح التربوي هو اليوم من اوكد الملفات المطروحة على طاولة وزيرة التربية السيدة سلوى العباسي ولكنه ليس شأنها بمفردها فينبغي أن يكون شأنا وطنيا تتجند له كل القوى الحية والكفاءات النوعية من اجل إيجاد الحلول الكفيلة بتطوير منظومتنا التربوية.
فالوضعية الحالية للمؤسسة التربوية التونسية صعبة ولا مجال لإنكار هذا او التهرب منه لكن الخروج منها ليس مستحيلا خاصة إذا ما توفرت العزيمة والإرادة والجدية في مجابهة كل الملفات الشائكة المتصلة بالشأن التربوي.
والحقيقة ان كل ما يتصل بهذا القطاع يحتاج الى مراجعات جذرية بدءا بالبرامج التي لا تتسق في اغلبها مع التحولات التي جدت في مجتمعنا ومحيطنا وبالتالي يجد التلميذ نفسه منفصلا عن واقعه تربويا فالبرامج تحتاج الى تجديد وتطوير. وكذلك المناهج فعلينا الإقرار بأن أغلبها يقوم على «النقل» أي على ملكة الحفظ عملا بمقولة بضاعتكم ردت اليكم فاجتهاد التلميذ يقتصر على إعادة ما قدمه المربي وهذا ما يفسر انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي تتغذى من الرغبة في الحصول على اعداد «متورمة» من جراء تكديس المعلومات دون تفكير او حث على الابداع او الابتكار. بالإضافة الى المراهنة على المواد العلمية وبعض اللغات واهمال الانسانيات والفنون والمهارات اليدوية وغيرها من المواد التي تساهم في صقل شخصية التلميذ وبناء كيانه نفسيا وفكريا وحتى اجتماعيا.
هذا دون ان ننسى «ثقل» المقرر المدرسي فأغلب البرامج يتم استكمالها على امتداد السنة نظرا لطولها وهو ما يخلق مللا لدى التلميذ وهو ما يفسر أيضا غياب «الشغف» لدى عدد كبير من التلاميذ بالتعليم وبالمدرسة عموما.
وبالتأكيد فإن البنية التحتية لجل المؤسسات التربوية العمومية تحتاج الى الصيانة والتعهد لأنها لا تتوفر على مقومات فضاء تربوي مريح يطيب فيه تلقي العلم والمعرفة ويخلق ضغطا وتوترا لدى الاطار التربوي ويجعل المدرسة طاردة لأبنائها.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…