بعدما وضعت هيئة الانتخابات رزنامتها على«طريق 6 أكتوبر» : من أين تستمدّ «الرئاسية» أهميتها القصوى..؟
باصداره أمر دعوة الناخبين التونسيين للتوجه الى صناديق الاقتراع يوم الأحد السادس من أكتوبر 2024 موعد الدور الأول للانتخابات الرئاسية حسم الرئيس قيس سعيد الجدل من حول هذا الموعد التاريخي وبدّد بذلك كل الالتباسات التي حاصرت هذا الموعد وشكّكت في جديته…
الرئيس أكد وعده مستجيبا في ذلك لما ينصّ عليه دستور 2022 ومستجيبا أيضا لقوانين اللعبة الديمقراطية وشروطها خاصة في مثل هذه الانتخابات التي تتعلق بـ«المهام العليا» في الدولة ويلزمها ـ في الواقع ـ شرعيتان… شرعية دستورية وشرعية شعبية وهي شرعيات لا يمكن افتكاكها أو انتزاعها وإنما هي تكسب بانتخابات حرة ومستقلة وشفافة تتساوى فيها الفرص أمام جميع المترشحين…
أصبحت بوصلة المسار اليوم أكثر وضوحا وأصبح التونسيون ـ أيضا ـ على وعي تام بما هم مقدمون عليه وبمدى أهمية هذا الموعد الانتخابي الذي سيحدّد مصير البلد ومستقبل أبنائه في المرحلة القادمة…
«فالرئيس» ـ بحسب دستور 2022 ـ بيديه كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أيضا وهي ـ دستوريا دائما ـ وظائف عليا بين يديه وهو الوحيد المؤهل ـ دستوريا ـ لتقرير مصير هذا البلد الذي نسمّيه وطنا من باب الايمان بأننا ـ كلّنا ـ دون استثناء مسؤولون على تحديد مصيره ومن هنا تستمد الانتخابات الرئاسية أهميتها القصوى…
وللتاريخ فإن تونس قد تدربّت على مثل هذه المواعيد وشارك مواطنوها في مثل هذه المواعيد الكبرى وبشروط الديمقراطية ولا أحد ينكر اليوم ان انتخابات 2014 والتي فاز فيها المرحوم الباجي قائد السبسي بكرسي الرئاسة كانت انتخابات ديمقراطية ونفس الشيء بالنسبة للانتخابات المبكرة التي أجريت بعد وفاته قبل ان ينهي عهدته وجرى دورها الأول يوم 15 أكتوبر وفاز بها كما لم يتوقع المتابعون الرئيس قيس سعيد الذي وصل الى قصر قرطاج بالشرعيتين الدستورية والشعبية… مع العلم ان تونس قد عرفت منذ دولة الاستقلال أي منذ سنة 1956 الى الآن اثني عشر موعدا انتخابيا من بينها ثلاث انتخابات رئاسية ما بعد الثورة…
وهذا «التاريخ الانتخابي» ـ رغم تواضعه في مستوى الأرقام ـ يجعل من تونس بلدا متفردا مقارنة بعدد من الدول العربية والافريقية التي يجثم عليها «السلاطين والملوك» ولم تعرف عبر تاريخها أي شكل من أشكال الانتخاب وتجهل ـ أصلا ـ معنى التداول على السلطة وهي «اللعبة الديمقراطية» التي ترسّخت ما بعد الثورة ـ وعلّها المكسب الوحيد ـ ولم يعد ممكنا التراجع عنها مهما كانت السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية المنتخب…
وباعلانه عن موعد «6 أكتوبر» فإن الرئيس قيس سعيد يؤكد أو هو يُعلي من شأن هذا التفرّد الذي حقّقه التونسيون بدمائهم ويؤكد أنه من غير الممكن التراجع عن هذا المكسب الديمقراطي وبأن التداول على السلطة قد أصبح أمرا واقعا محسوما دستوريا وشعبيا… وعليه فقد وجب الانتباه والحذر من كل تفكير ارتدادي يستهدف ما حقّقته تونس في هذا المستوى ـ على الأقل ـ في علاقة «برأس الحكم»… لذلك أكدنا على أن «قرطاج» لن تفتح أبوابها لغير الممسك بشرعيتين… الأولى دستورية والثانية شعبية وهذا لن يحدث بغير آليات الديمقراطية الحقّة وبشروطها… والانتخابات واحدة من بين هذه الآليات الأساسية…
بعد صدور الامر الرئاسي لدعوة الناخبين الى انتخابات 6 أكتوبر فإن تونس تدخل موضوعيا الزمن الانتخابي وينطلق فعليا يوم 14 جويلية ويستمر الى غاية 9 نوفمبر 2024 تاريخ الاعلان عن النتائج النهائية اثر انقضاء آجال الطعون وبين 14 جويلية و9 نوفمبر مواعيد وعناوين مختلفة وتراتيب أعلنت عنها هيئة الانتخابات أول أمس اضافة الى ما ستشهده البلاد من حراك مجتمعي وسياسي انتخابي ومن حملات دعائية واعلانات ووعود وهو حراك يسم مثل هذه المواعيد الكبرى وسيكون في الأخير المحدّد للبوصلة والتي تبدو اتجاهاتها واضحة بالنسبة إلى عدد كبير من التونسيين وهو ما سندركه أو نتوقف عنده بعد التعرف على الشخصيات التي تعتزم الترشح لهذه الانتخابات الرئاسية والتي تجري في سياقات وطنية وإقليمية ودولية متحركة ومأزومة وخاصة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية غير المعزولة عن أزمات النظام العالمي والذي يشهد في هذه المرحلة تبدّلات جيوسياسية سريعة ومفاجئة مع العلم أن سنة 2024 هي سنة «التبدلات الكبرى» في العالم الذي يشهد في نفس التوقيت ـ تقريبا ـ «انتخابات رئاسية» وسط مناخات متحركة سياسيا يسترجع فيها اليمين ـ كما هو الحال في فرنسا ـ مواقعه بحيث يتقدم بسرعة نحو الحكم ونفس الشيء في الانتخابات الامريكية التي تربكها العودة القوية للشخصيات الأكثر تطرفا وشعبوية «دونالد ترامب» الذي يسعى ـ بقوة ـ للعودة الى البيت الابيض كما تشهد بعض الدول العربية انتخابات رئاسية أيضا وسط جدل لا يختلف عن الجدل في تونس مع تفاوت غير خافٍ في مستوى الترتيبات ومنصوصات القوانين والدساتير (الجزائر ـ مصر) اضافة الى «رئاسيات» افريقيا وتُجرى في نفس التوقيت ـ تقريبا ـ وتمتد على جغرافيا أكثر من بلد افريقي… وهذا كلّه يعني أن «زعامات» عديدة ستتبدل وان سياسات جديدة ستنشأ في المنطقة الافريقية والعربية وهي غير معزولة عمّا يحدث في فرنسا وأمريكا…
وتونس غير معزولة بدورها عن هذا الحراك وكل ارتباكاته وأزماته الاقتصادية كما السياسية وهي تدير شؤونها تحت ضغط هذه «الازمات الاقتصادية الاقليمية والدولية» التي أثرت بشكل ضمني مباشر ـ أحيانا ـ على الاقتصاد الوطني ومن ثمّة المناخ العام الاجتماعي والسياسي وهي ذات المناخات التي ستجرى فيها الانتخابات الرئاسية يوم 6 أكتوبر المشهود…
وما يزال التوقيت مناسبا حتى يرى التونسيون بدقة وبوضوح «بوصلة المرحلة»…!
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…