2024-07-03

يمكنها الترويج لصورة تونس الحضارية المشرقة : الثقافة ملف سيادي… أيضا

هل نجانب الصواب إذا قلنا إن أخطر أنواع التآمر تلك التي تكون الثقافة مدارها ؟ وهل ننسى ان اغلب الامبراطوريات الاستعمارية راهنت على الاستعمار الثقافي وعلى سلب الخصوصيات الحضارية للشعوب؟ وهل غابت عن اذهاننا تلك الصرخات التي أطلقتها نخب وأمم كثيرة مع بدايات انطلاق العولمة كفكرة وكمسار كوني مطالبة بالحفاظ على الثقافة المحلية ؟ هل نستهين بالتفاهة الممنهجة التي أصبحت سمة بارزة لبعض المنابر الاعلامية؟ وماذا عن فعالياتنا الثقافية المرجعية من مهرجانات كبرى للمسرح والسينما والموسيقى ومعرض الكتاب التي تدهورت بشكل يثير الرثاء؟

هنا اجدني مضطرة لاستعادة مقولة آلان دينو في كتابه نظام التفاهة للتعبير ربما عن واقع الحال وللإجابة الحاسمة عن بعض الأسئلة المطروحة أعلاه.  فهو يقول «إذا لم نواجه هجوم التفاهة الخبيثة على بيئتنا اليومية  وإذا فقدنا  السيطرة تدريجيا على التلوث السائد من اللامبالاة وعدم الاحترام فنحن في حاجة الى إعادة هيكلة تفكيرنا بشكل لا رجعة فيه …».

إذن كانت هذه المقولة ضرورة لاستهلال الموضوع المهم الذي نحن بصدده ونعني وضع الثقافة في تونس اليوم مع ارتفاع منسوب التفاهة في المشهد الثقافي التونسي وسيطرة التافهين عليه بشكل غير مسبوق في تاريخنا المعاصر. ومع التدهور الحاد لما يمكن ان نسميه «القوة الناعمة» التونسية والرموز الثقافية لبلادنا مقابل بروز حالة من الصخب والجلبة الجوفاء التي هي نتاج تعفن كبير في هذا القطاع وآن أوان فتح كل الملفات التي أحكم إغلاقها في الميدان الثقافي.

والحقيقة ان أهمية طرح هذه القضية الآن لها أكثر من مبرر أولها اننا في خضم المهرجانات الصيفية وما تمثله من ملمح مركزي من ملامح المشهد الثقافي التونسي منذ عقود وما حف بها هذه السنة والسنوات الماضية من سجالات وجدل حول المضامين والعروض المبرمجة فيها ومدى وجاهة اختيار الضيوف والاعتمادات المرصودة لها لهذه البرامج.

ثانيها حالة الفراغ العام التي تبرز في المشهد الثقافي التونسي مع انحسار دور المثقف الفاعل أو العضوي وظهور أنماط جديدة يمكن وصفها بشخصية «المقاول» بعد ان نجح «رهط من المؤثرين» في السيطرة على كل مفاصل الحياة الثقافية. فتراجع دور الفيلسوف والأديب والشاعر والسينمائي والمسرحي الملتزم لصالح خبراء فضائيين يقدمون «فتاوى» ثقافية لمن يدفع أكثر.

كما أفل دور الإعلام الثقافي لصالح منوعات يؤثثها جماعة «الأنستغرام» بمضامين  سطحية وغابت الدراما القوية المؤثرة لصالح «سيتكومات» هزلية وهزيلة تخدم فن «الشلة» والزبونية التي هي ملمح آخر من ملامح الثقافة التونسية اليوم وعنوان دال على فساد هذا القطاع.

ولهذا يمكن ان نقول إن هناك حالة من «التآمر» إن جازت العبارة على الثقافة بكل روافدها كمحمل معبّر عن آمال التونسيين وآلامهم.

وفي هذا الإطار يمكن تنزيل لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد بالسيد منصف بوكثير  وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمكلف بتسيير وزارة الشؤون الثقافية والذي تم التطرق خلاله إلى المسألة الثقافية في أبعادها المتعددة . وشدد الرئيس على «ان الارتقاء بالثقافة ينصهر في اطار حركة التحرر الوطني التي تشهدها تونس اليوم لأنه لا مستقبل لاي دولة بدون مساهمة فاعلة لمبدعيها ومثقفيها الذين لا همّ لهم الا الابداع انطلاقا من فكر حر ووعي راسخ بدورهم في التنمية الفكرية لمجتمعاتهم».

وفي السياق ذاته تطرق رئيس الجمهورية الى موضوع المهرجانات وبالتحديد  قرطاج والحمامات مقارنا بين دورهما في الماضي ومكانتهما وإشعاعهما وما يحدث فيهما اليوم وفي باقي المهرجانات.

وعلى هذا الأساس يمكن التأكيد على أن الفاعلين في هذا القطاع مدعوون  اليوم  الى مراجعات عميقة في المسألة الثقافية بشأن الأدوار الموكولة للمنتوج الثقافي بكل روافده.

والحقيقة أن إحدى هنات المسار الانتقالي في بلادنا هي الشأن الثقافي الذي لم يتم «تثويره» ولم يلاحق التحولات  الاجتماعية والاقتصادية  الكبرى ولم يواكب التغيير السياسي الجذري تماما كما لم يطور أدواته ولا مفرداته ولا مقترحاته الجمالية.

يمكن القول إن المدونة الثقافية ظلت تراوح مكانها ووحدها استثناءات قليلة استطاعت ان تنفذ من هذه الشرنقة لتصنع اختلافها وتفردها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في ذكرى اغتيال الزعيم فرحات حشاد : إن من التاريخ لعبرة..

لأن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق كما قال العلامة عبد الرحمان ب…