2024-07-02

من 2003 إلى 2024 قصة نجاح الملعب التونسي تتكرر بأبطال جدد : التتويج بالكأس ثمرة موسمين من العـــــــــــمل المجدي .. والانتدابات النـاجعة

حقّ لكل جماهير الملعب التونسي أن تحتفل كثيرا بهذا التتويج المستحق بكأس تونس بعد انتظار دام طويلا وتعطش متواصل للتألق والبروز لفريق كان يصنّف قبل عقود من بين الفرق المتراهنة دائما على الألقاب والبطولات، قبل أن يمرّ بعد ذلك بعديد الأزمات ويعيش على وقع هزات جعلته يخسر مكانته التاريخية ضمن مصاف الأندية الكبرى، غير أن ما حصل هذا الموسم قد يكون بمثابة المنطلق الجديد في مسيرة هذا النادي العريق الذي يعتبر من الأندية التونسية السبّاقة في رفع البطولات والألقاب.

بالعودة إلى تحليل أسباب هذا التتويج بلقب الكأس والذي جاء عقب 21 عاما من الانتظار، فإنه من المهم للغاية التأكيد على أن كل الظروف والعوامل كانت متوفرة من أجل أن يعود فريق باردو إلى القمة وإلى دائرة الضوء، فما حصل هذا الموسم يشبه كثيرا ما حصل سنة 2003 عندما ظفر آنذاك بالكأس، حيث وجدت إدارة قوية ومتحمسة للغاية ولديها طموحات كبيرة نجحت في قيادة الفريق إلى منصة التتويج، وتوفرت كذلك مجموعة من العوامل الأخرى التي ساهمت في ذلك النجاح، إذ قاد الفريق في تلك الحقبة المدرب القدير وابن النادي المرحوم أحمد المغيربي  الذي وفّق بشكل كبير في توظيف قدرات مجموعة متميزة من اللاعبين الجيدين على غرار محمد السليتي وحمدي المرزوقي وأنيس العياري.

أما اليوم فإن الملعب التونسي توّج كأفضل ما يكون جهود مضنية وفعّالة على امتداد موسمين كاملين من العمل الدؤوب من قبل إدارة متحفزة ومتحمسة استطاعت أن تغيّر واقع الملعب التونسي من فريق ينافس على تفادي النزول إلى فريق يراهن بقوة واقتدار على التتويجات واحتلال المراكز الأولى.

1ـ لبنة النجاح توفرّت مع إدارة أنهت الأزمات

عاش الملعب التونسي على امتداد سنوات طويلة على وقع مشاكل إدارية ومالية وانعدام تام للاستقرار، وهو معطى لا يشمل هذا الفريق فحسب بل تضررت منه أغلب الفرق الأخرى تجرعت مرارة الإخفاق والفشل بسبب عدم وجود مسؤولين أكفاء ومؤهلين لتحقيق النجاح. وخلال السنوات الماضية دفع الملعب التونسي غاليا ثمن انعدام الاستقرار الإدراي حيث اضطر إلى مغادرة مصاف النخبة في مناسبتين، والمناسبة الأخيرة حصلت عقب موسم 2020ـ2021، وذلك الاخفاق المدوي كان بمثابة صافرة الإنذار التي دوّت بقوة وأشارت إلى أن حماية هذا الفريق من الإندثار كانت تتوجب وقفة حازمة وتغييرات جوهرية على المستوى الإداري وهو ما حصل فعلا، إذ تم انتخاب نور الدين بن بريك رئيسا للملعب التونسي بعد النزول إلى الرابطة ٢، لكن بعد موسم واحد وعندما تمكن الفريق من العودة سريعا إلى مصاف النخبة رحل بن بريك وظهر محمد محجوب الذي وقع انتخابه بالإجماع قبل سنتين من الآن. وكان الهدف الأساسي لهذا الرئيس الجديد هو إعادة الهيبة المفقودة للنادي وإنهاء مرحلة الأزمات والمشاكل نهائيا، ومنذ بداية رحلته على رأس الفريق بدأت تتكشف بوضوح جدية محجوب في توفير كل ظروف النجاح، فقبيل موسم 2022ـ2023، انطلق الفريق مبكرا في التحضير للموسم الجديد بقيادة المدرب اسكندر القصري، والأهم في هذا السياق أن الإدارة الجديدة عززت صفوف الفريق بلاعبين متمرسين ولديهم القدرة على الاستجابة لتطلعات الفريق من أجل القطع مع الماضي ولعب الأدوار الأولى، فضلا عن ذلك فإن ما يحسب لهذه الإدارة أنها تمكنت من إنهاء كل المخاوف بشأن الديون والعقوبات التي كان تهدد مستقبل النادي.

في ذلك الموسم ورغم البداية المتعثرة إلا أن الفريق استطاع أن ينهض بسرعة وينهي موسمه بشكل مثالي خاصة بعد تغيير الإطار الفني واستقدام المدرب حمادي الدّو، حيث احتل الفريق صدارة ترتيب مجموعة “البلاي آوت” كما بلغ الدور نصف النهائي في مسابقة الكأس.

وكان الظهور الجيد في منافسات الموسم الماضي بمثابة المؤشر القوي بخصوص قدرة الفريق على تحقيق مكاسب أكبر بكثير خلال الموسم المنتهي حديثا، ولعل هذه المؤشرات تدعمت كثيرا بعد حملة الانتدابات الموجهة التي قامت بها إدارة محمد محجوب إذ وقع تعزيز الفريق بعدة عناصر قوية وجيدة أثبتت تألقها هذا الموسم أن سياسة الانتدابات المعتمدة من قبل الهيئة المديرة للملعب التونسي كانت موفقة إلى حد كبير، إذ تألق عدة لاعبين على غرار حمزة بن عبدة ومروان الصحراوي وعثمان واتارا ويوسوفا أومارو والهادي خلفة وغازي العيادي، كما استمر تألق بلال الماجري وهيثم الجويني، وكان من البديهي أن يحقق الملعب التونسي غايته في نهاية المطاف في ظل جدية الهيئة المديرة وتحمسها الشديد في قيادة النادي إلى أعلى المراتب.

2ـ أومارو يؤكد نجاح الأجانب

يمكن التأكيد على أداء الملعب التونسي تغيّر بنسبة كبيرة منذ التعاقد مع لاعب منتخب النيجر يوسوفا أومارو منتصف الموسم المنتهي قادما من الترجي الرياضي، فهذا اللاعب استطاع سريعا في فرض نفسه ضمن نجوم الفريق، حيث قدّم مستوى مقنعا بشكل كبير يتناغم مع قدّمه في السابق مع الاتحاد المنستيري، ولئن لم يستفد الفريق كثيرا من قدرات هذا اللاعب في البطولة إلا أن أومارو أبدع بشكل كبير للغاية في مسابقة الكأس وكان مثال اللاعب الأجنبي القادر على تقديم الضمانات الكافية والضرورية للنجاح، ولعل ما قدّمه خلال المباراة النهائية للكأس يثبت أهمية هذا اللاعب في تشكيلة الفريق، ويؤكد أيضا نجاح اللاعبين الأجانب في تقديم الإضافة، ولعل مباراة نهائي الكأس تبدو أفضل دليل على هذا النجاح، بما أن عثمان الذي لعب أساسيا في محور الدفاع عوضا عن مروان الصحراوي قدّم مستوى مثاليا للغاية، تماما مثل زميله في وسط الميدان محمد لامين انداو الذي شكّل ثنائيا قويا في الارتكاز إلى جانب غازي العيادي، وتألق هذا الثنائي قاد الفريق لفرض سيطرته وأخذ الأسبقية في هذه المباراة النهائية، وهو ما ينبطق أيضا على أومارو الذي لعب دورا مهما في العمل الهجومي لفريقه في هذا اللقاء تماما مثلما فعل ذلك في عدة مباريات سابقة. ورغم أن بقية العناصر الأجنبية لم تشارك في مباراة النهائي إلا أنه من المهم التأكيد على الثنائي محمود ديالو وأماث أنداو قدّم بدوره الإضافة كلما استنجد به الإطار الفني في عدة مباريات سابقة.

3ـ الماجري رجل الظل

خلال مباراة الدور النهائي أنصفت الكرة المهاجم بلال الماجري الذي فتح باب التتويج على مصراعيه أمام فريقه بعد أن سجل هدف السبق بطريقة مثالية ومميزة، في هذا السياق يمكن التأكيد على أن الماجري استحق أن يكون أحد أبطال الدور النهائي وكذلك أحد أهم مفاتيح اللعب في الفريق، فرغم أنه مرّ بفترة صعبة منتصف الموسم وتحديدا في بداية منافسات مرحلة “البلاي أوف” إلا أن الماجري برز بشكل كبير في مسابقة الكأس تماما مثل حمزة الخضراوي، ولئن سجل الأخير ستة أهداف إلا أن الماجري لعب دورا مهما ومؤثرا للغاية مع الفريق ليس على مستوى التسجيل فقط، بل أيضا في ما يتعلق بالبناء الهجومي وتوفير الحلول لزملائه، ورغم أن الأضواء تركزت أساسا على استفاقة الجويني في المباريات الثلاث الأخيرة وعلى الخضراوي هداف مسابقة الكأس هذا الموسم، إلا أن الماجري يستحق أيضا الإشادة والتنويه بعد أن قدّم على امتداد موسمين كاملين أداء جيدا استطاع بفضله أن يصبح أحد أعمدة الفريق ويؤكد أنه مهاجم لديه من الخصال والإمكانات ما يجعله يتجاوز مخلفات التجارب السابقة وخاصة تجربته مع النجم الساحلي التي انتهت سريعا بعد أن كان يمني نفسه بأن يتجاوز الصعوبات التي عانى منها خلال تجربته الأولى مع فريقه السابق الترجي الرياضي.

4ـ على خطى المغيربي

لم تخطئ إدارة النادي ومعها المدير الرياضي جمال الدين ليمام، عندما وقع تثبيت المدرب حمادي الدّو في منصبه رغم الضغوطات التي عاش على وقعها الفريق خلال المراحل الأولى من بطولة الموسم المنتهي مؤخرا، فبعد أن توقع البعض أن مسيرة الدّو انتهت مع الفريق بسبب البداية الصعبة إلا أن هذا الفني حظي بفرصة جديدة وواصل العمل بتناغم وتكامل كبيرين مع المدير الرياضي، وهذا الاستقرار الحاصل على مستوى الإطار الفني أعطى أكله حيث أن الملعب التونسي كان قريبا للغاية من إنهاء البطولة في المركز الثالث المؤهل للعودة إلى المشاركة في المسابقات الإفريقية، غير أن بعض العوامل تسببت في ضياع هذا الهدف، لكن رغم ذلك كان المدرب الدّو واثقا تماما في قدرة فريقه على إنهاء الموسم كأفضل ما يكون، فمباشرة عقب مباراة الجولة الأخيرة في مرحلة “البلاي أوف” ضد الاتحاد المنستيري والتي انتهت بالتعادل تحدث هذا المدرب بكثير من الحسرة والمرارة عن ضياع فرصة احتلال المركز الثالث، لكنه شدّد في المقابل على أن موسم الملعب التونسي لم ينته وأن حلم التتويج والمشاركة في المسابقات القارية مازال قائما، مؤكد أن فريقه سيكون أحد أبرز المرشحين لنيل لقب الكأس، وهو ما تحقق فعلا بعد أن استمر الفريق في تقديم عروض قوية للغاية في هذه المسابقة، وكان الفوز برباعية كاملة على حساب النجم الساحلي بمثابة الإعلان الحقيقي عن نوايا الملعب التونسي ومدربه على المراهنة بكل اقتدار على هذا اللقب، لينجح بعد ذلك الفريق في تجاوز عقبة الأولمبي الباجي في الدور نصف النهائي قبل أن يفرض سيطرته في الدور النهائي ويثبت أنه يستحق عن جدارة واقتدار أن يصعد على منصة التتويج بقيادة مدرب نجح في تحقيق مساعيه بفضل العلاقة الجيدة التي تجمعه بكل مكونات النادي ويتمكن تبعا لذلك من السير على خطى المرحوم أحمد المغيربي الذي قاد الفريق إلى آخر تتويج محلي قبل 21 سنة من الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مغادرته الاتحاد المنستيري باتت مسألة وقت : هل حقق الشابي النجاح المنشود في تجربته الثانية على رأس الفريق؟

لا تبدو مسألة بقاء المدرب لسعد الشابي على رأس الاتحاد المنستيري لموسم إضافي مؤكدة، بل على …