تشهد البلاد التونسية خلال هذه الفترة حراكا مجتمعيا مفتوحا على أكثر من واجهة… بداية من انشغال العائلات التونسية بنتائج الامتحانات الوطنية مرورا بانطلاق موسم الحصاد وما يحف به من استهداف اجرامي للصابة زائد عودة التونسيين بالخارج عبر مختلف المعابر الحدودية مع موسم سياحي يتوقع له المهنيون نجاحا لم يشهده القطاع منذ سنوات اضافة بطبيعة الحال الى قرب انطلاق المهرجانات الصيفية وموسم الافراح الخاصة.

كل هذا الحراك المجتمعي الذي يشهده فصل الصيف وقد انطلق بالفعل في انتظار توقيت العمل بالحصة الواحدة تلزمه ـ بالتوازي ـ يقظة أمنية كبرى تضمن سلامة المواطنين وسلامة الوافدين على تونس سواء من ابنائها المقيمين في الخارج أو القادمين اليها من باب الترفيه والسياحة اضافة الى ما يستدعيه موسم الحصاد للصابة من انتباهات أمنية كبرى حتى لا يتم استهدافه من طرف المتربصين بأمن البلد وموارده الغذائية مع الحذر من حرائق الغابات في مثل هذا التوقيت والتي يتم أغلبها اما بفعل فاعل أو بسبب المناخ وتبدلاته وقد تم خلال شهر ماي الماضي تسجيل 43 حريقا طالت المحاصيل الزراعية وأتت على أكثر من 106 هكتارات من الحبوب وهي خسائر فادحة ـ في الواقع ـ تهدد ـ إن استمرّت بهذا الحجم ـ الأمن الغذائي القومي الذي يشهد ـ بطبيعته ـ تراجعا ضخما لاسباب في علاقة بمنظومة الانتاج في مستوى الداخل وفي علاقة أيضا بالازمات العالمية وعلى رأسها الحرب الروسية الاوكرانية التي أضعفت اقتصاديات الدول النامية وتونس ليست معزولة أو بمنأى عن هذه الازمات بل تأثرت تأثيرا مباشرا بتداعياتها…

وعليه ومن أجل تأمين كل هذا الحراك ومن أجل سلامة تونس وأهلها وضيوفها ومن أجل تأمين مصادر الامن الغذائي وحمايتها من كل المظاهر الاجرامية جاءت زيارة الرئيس قيس سعيد أول أمس الى وزارة الداخلية حيث التقى بقياداتها وأكد على :«ضرورة مضاعفة المجهود للحفاظ على أمن البلاد وبالتالي التصدي لكل أنواع الجريمة ولكل جهة تعمل من أجل تأجيج الاوضاع وهي جهات معلومة ـ كما جاء في كلمة الرئيس ـ مرتبطة باللوبيات وشبكات الفساد التي لا غاية لها سوى التنكيل بالتونسيين في حياتهم بكل الوسائل والطرق…».

وكما هو واضح فإن الرئيس إنما يدعو وبشكل مباشر الوزارة الامنية وقياداتها الى اطلاق استراتيجية عمل متكاملة تجمع بين العمل الميداني التقليدي مع التكثيف من العمل الاستعلاماتي الذي يسبق الكارثة قبل ان تقع بما يمنع حدوث خسائر فادحة فلا معنى «لليقظة الامنية» ما لم تكن مؤهلة لتفادي الكوارث أو التخفيف من خسائرها ـ كحد أدنى ـ وعليه فإن وزارة الداخلية والتي تقع المسؤولية على كاهلها مطالبة بترجمة كلام الرئيس قيس سعيد وتحويله الى «أفعال حقيقية» على أرض الواقع التونسي مع التأكيد على الاحترام الكامل للحقوق والحريات.

المسؤولية كبيرة ـ ولا شك ـ وهي تقع بكل ثقلها على الوزارة الأمنية المؤهلة ـ في الواقع ـ للقيام بهذه الأدوار الكبرى المتعلقة بأمن البلد وسلامة مواطنيه من كل أشكال الانحرافات الاجرامية والتي حوّلت شوارع العاصمة التونسية والأنهج المجاورة الى ما يشبه «الممرات الممنوعة» ـ ليلا ـ على المواطنين بسبب مظاهر الاجرام والتي تحوّلت الى تمرين يومي تمارسه «وجوه مألوفة» أو أصبحت «مألوفة» لدى الأمنيين لكثرة ترددها على ذات «الأمكنة» وذات البؤر الإجرامية…

صيف آمن ومريح.. هذا ما يطلبه التونسيون كحدّ أدنى مُوَاطَنِي ما أكده الرئيس في زيارته أول أمس الى وزارة الداخلية دون أن يغفل عن الاشارة الى الأطراف التي تعمل على تأجيج الأوضاع وخاصة في الجهات وقد بدأت بالفعل في تحريض المواطنين تحت عناوين مختلفة من ذلك ما حصل أول أمس في ولاية قفصة حيث تعمّد عدد من المواطنين اغلاق الشوارع الرئيسية المؤدية للولاية ومخارجها للتعبير عن غضبهم بسبب الانقطاع المتكرّر للماء وقد كان حجم الغضب  وأسلوب احتجاجهم (اغلاق الشوارع المؤدية الى الولاية) أكبر من موضوع الاحتجاج والمتمثل في انقطاع الماء والذي تمّ حلّه بعد انتهاء أسبابه وهو ما يؤكد جدّية القول بوجود «أطراف» بصدد تأجيج الأوضاع الاجتماعية والتي أشار اليها الرئيس في كلمته أمام القيادات الأمنية.

نختم بالاشارة الى انسحاب المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات والتي كان لها حضور كبير وفعلي مساند لمؤسسات الدولة سواء تعلق الامر بحماية المحاصيل والغابات من كل أشكال الاستهداف أو بالعمل التوعوي لتجنّب الحرائق الصيفية… هذا الانسحاب ترك فراغا كبيرا وخاصة في الجهات وفي المناطق الريفية النائية حيث كان للجمعيات وللعمل التطوعي بشكل عام حضور كبير وناجع وكانت بمثابة الوسيط بين الدولة ومواطنيها لذلك أكدنا في أكثر من سياق بأنه من الضروري إعادة الاعتبار للمجتمع المدني وتقوية حضوره ودعمه ماديا ومعنويا حتى يكون حاضرا في الازمات الاجتماعية الكبرى وقد كان غيابه مؤثرا وبارزا ومكانه شاغرا في ملف «أفارقة جنوب الصحراء» ـ مثلا ـ والذي تحمّلت الدولة ـ لوحدها ـ ثقله في غياب المنظمات والجمعيات المدنية والتي أصبحت بلا محتوى أو بالأحرى تم إفراغها من محتواها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…