دروس الدعم والتدارك في العطلة الصيفية: بــيــن الــرفــض والــقــبــول..!
لاشك أن تهرؤ المنظومة التربوية كانت نتائجه ملموسة على جميع الأصعدة والمستويات ونخص بالذكر منها تراجع المستوى التعليمي لشق كبير من التلاميذ ولعل ذلك نتاج حتمي لتراجع أداء المدرسة العمومية مما أدى إلى تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية وتزايد نسقها بطريقة باتت تشي ربما بأنها كادت تصبح جزءا لايتجزأ من المنظومة التربوية وأصبحت شرا لابد منه لتدارك نقائص التعليم.
لعل هذا ما يدفعنا للحديث عن ظاهرة الدّروس الخصوصية في الصيف وما لها من دلالات وابعاد وما انتجته من تحاليل وقراءات متعددة. هذه الظاهرة التي اسالت الكثير من الحبر وكانت محل انتقادات تمثلت في رفضها واستحسان تمثل في قبولها… وبين الرفض والقبول تتعدد التحليلات والتفسيرات ووجهات النظر وكلها تصب في خانة مصلحة التلميذ ومدى جدوى دروس الدعم والتدارك من عدمها..
حيث تعمد العديد من الأسر خلال العطلة الصيفية إلى إلحاق منظوريها بحصص الدروس الخصوصية لترسيخ المعارف والمهارات المكتسبة السنة الفارطة وتدارك النقائص والتهيؤ للسنة الموالية بحثا منها دائما عن تحسين المكتسبات العلمية لمنظوريها خاصة واننا في مرحلة الحد الأدنى من المكتسبات والمعارف العلمية الضرورية..وليس من باب المبالغة القول بان شقا كبيرا من العائلات بمجرد انتهاء السنة الدراسية يدخل مباشرة في ماراطون البحث عن مؤسسات خاصة للدعم لإلحاق منظوريها بصفوفها وضمان سيرورة العملية العلمية وعدم توقفها بتعلّة عدم النسيان وبتعلة ان الانقطاع عن التعلم لمدة ثلاثة أشهر كفيل بمحو العديد من المعلومات التي تلقاها التلميذ.
والحال تلك وفي سباق مع الزمن وفي خضم البحث عن كل السبل للحفاظ على المكتسبات العلمية للتلميذ وتطوير تحصيله العلمي ،لاشيء يتبدّل أو يتغيّر في حياة بعض التلاميذ في العطلة الصيفية التي تمثل فرصتهم للترفيه عن النفس وتوديع سنة دراسية لاستقبال أخرى بدماء جديدة وباكثر دافعيّة وحيوية وقدرة على الإنجاز ولكن الحال على ماهو عليه بالنسبة إلى شق كبير منهم ،في الواقع، لا يمكن استغراب هذه الظاهرة أو هذه االعقليةب، نقول هذا لان المتأمّل في واقع المدرسة والتعليم عموماً يلاحظ حجم الخراب والتهالك الذي تعيشه منذ سنوات و إن تعددت أسبابه،…الا انها كانت سببا مباشرا في ضياع امصلحة التلميذب وتدني التحصيل العلمي والمعرفي والمؤشرات والأرقام التي تكشفها نتائج المناظرات الوطنية كفيلة بتثبيت ذلك إضافة إلى التصنيفات العالمية لأداء المنظومة التربوية التونسية.
ليس هذا فحسب، فتراجع أداء المنظومة التربوية يتحمل تبعاته بدرجة أولى الولي إذ يجد نفسه مجبرا على تقديم المزيد من التّضحيات لتدارك إخلالات لا دخل له فيها ولا يتحمّل أيّ قسط من مسؤوليّتها، مما يجعله يلهث وراء الدّروس الخصوصيّة في فصل الصيف ذ فصل راحة التلميذ – وليس هذا فحسب ما جنته الخيبات في قلاع العلم والمعرفة على التلاميذ وعلى الولي إنما جعلت العائلات في حالة ضيق بلغت مبلغا عظيما وهي تسعى جاهدة في ظل ظرف اجتماعي واقتصادي حاد لتوفير مصاريف الدروس الخصوصية والتحضير أيضا لمصاريف السنة الدراسية المقبلة زائد مصاريف االخلاعةب وغيرها من المصاريف الجانبية الأخرى القارة والفجئية…
يقول في هذا السياق رئيس الجمعية التونسية لجودة التّعليم سليم قاسم ونحن نتحدّث عن حق الطّفل في الرّاحة والتّرفيه، علينا أن نستحضر أمرين متكاملين على غاية من الأهمّيّة، أوّلهما أن التّرفيه ليس غاية في حدّ ذاته، بل هو مرحلة ضروريّة لتجديد الطّاقة والعودة إلى النّشاط بأكثر دافعيّة وقدرة على الفعل والإنجاز، أمّا الأمر الثّاني، فهو أنّ الكائن الإنسانيّ هو كائن متعلّم، وأنّ فعل التّعلّم هو فعل لا حدود له، يبدأ منذ الدّقائق الأولى من حياة الإنسان، ولا يتوقّف لحظة واحدة حتّى نهايتها.
ويضيف سليم إنّه من الغريب أن نجد أنفسنا اليوم، وقد شارف الرّبع الأول من القرن الحادي والعشرين على نهايته، وفي وقت يحتدم فيه صراع الأمم على اكتساب المعارف والأخذ بناصية العلوم، مضطرّين للحديث عن أهمّيّة مواصلة الطّفل تعلّمه خلال العطلة الصّيفيّة، وذلك أمام نزعة حقوقويّة تعمل على تقويض كلّ ما من شأنه أن ينهض بمستقبل أمّتنا، وتروج لأن تعليم الطّفل خلال العطلة الصّيفيّة يعتبر اعتداء على حقّه في اللّعب، وكأنّه ليس بالإمكان الجمع بين الأمرين، مثلما روّجت قبل أسابيع لفكرة التخلي عن الامتحانات والتّقييم لأنّ فيها إرهاقا للتّلميذ والوليّ، ومثلما روّجت منذ سنوات، وبنجاح كبير للأسف، لأنّ إكساب الطّفل مهنة أو صناعة أمر محرّم قبل بلوغه الثامنة عشرة من العمر، وهو ما خلق أجيالا كاملة غير متقبّلة لفكرة العمل أو غير قادرة عليه.. وللأسف الشّديد، فإنّ هذه النّوايا اللّئيمة المتستّرة بالشّعارات البرّاقة تجد دوما من ينخدع بها ويتبنّاها غير مدرك لخطورتها ولعواقبها الوخيمة..
ويؤكد رئيس الجّمعية التونسية لجودة التّعليم ان العلوم العصبية العرفانيّة التي تدرس ميكانيزمات نشاط الدّماغ البشريّ، وخاصّة منها ميكانيزمات التّعلّم واكتساب المعارف والخبرات والاستفادة منها، قد حسمت المسألة نهائيّا وجعلت مجرّد الحديث أمرا لا طائل منه: فالدّماغ البشريّ، وخاصّة دماغ الطّفل، في حاجة إلى التّعلّم الدّائم، وكل قطع لعمليّة التّعلّم ينتج عنه اضطراب في نسق هذا التّعلّم وفقدان لجزء ممّا تمّ تعلّمه وحاجة إلى وقت إضافيّ لاسترجاع هذا الجزء المفقود عند استئناف التّعلّم.. فما هو يا ترى حال التّلميذ التّونسيّ؟؟ إنّ دروسه تتوقّف فعليّا طيلة أربعة أشهر على الأقل سنويّا (من أواسط شهر ماي إلى أواسط شهر سبتمبر)، دون أن ننسى عطل الثّلاثيّات التي أضفنا إليها بدعة عطل أنصاف الثّلاثيّات، والعطل الدّينيّة والعطل الرّسميّة وعطل نهاية الأسبوع وعطل المرض والعطل الاستثنائيّة وكلّ ما تنجح عبقريّتنا الفذّة في اختراعه من أصناف العطل؟ لقد صار التّعلّم في بلادنا أشبه ما يكون بسباق الموانع، وأوشك الحديث عنه أن يتحوّل إلى نوع من التعبير المجازي لفرط ما لحق به من ضروب التّعطيل وأصناف العبث.
لذلك،وفق سليم قاسم حين يتولّى الوليّ التّونسيّ كعادته، المبادرة بالعمل على تدارك الثّغرات التي تخلّفها منظومتنا التّربويّة، وذلك بتوفير دروس تدارك ودعم أو دروس خصوصيّة لابنه أو لابنته، فالأولى أن نقوم بشكره لا بلومه، والأولى كذلك هو أن تكثّف مؤسّسات الدّولة التّربويّة والشّبابيّة والرّياضيّة أنشطتها التّعليميّة والثّقافيّة الهادفة، وأن تركّز هذه الأنشطة خاصّة على تعليم مهارات الحياة، فضلا عن تحسين مكتسبات المتعلّمين في مختلف المواد. وعلى صعيد آخر، فإنّه من الضّروريّ أن يتمّ إنجاز تقييم دقيق وصارم للمشاريع المتعدّدة التي أنفقت عليها الدّولة ملايين الدّينارات بعنوان توفير محتويات تعليميّة رقميّة ذات جودة عالية لكافة بنات تونس وأبنائها في جميع المستويات والأماكن والأوقات، ومحاسبة كلّ من ثبت فشله أو تسبّبه في إفشال هذا المشروع الرّائد الذي كان سيقدّم خدمات جليلة للتّلميذ التّونسيّ خلال العطلة الصّيفيّة.
وأخيرا، يؤكّد محدثنا أن إنفاق التّلميذ لساعتين من يوم عطلته لترسيخ معارف ومهارات اكتسبها أو لاستكشاف معارف ومهارات جديدة لن يفسد عليه عطلته بل سيعلّمه معاني الانضباط والدّقّة والتّعويل على الذّات وتحمّل المسؤوليّة، ولا بد هنا من دعم مجهودات الأولياء الحريصين على تعليم أبنائهم ورفدهم بخطّة وطنيّة متكاملة تصالح الطّفل التونسيّ مع التّعلّم ليصير هذا التّعلّم القاعدة لا الاستثناء، والأداة الرّئيسيّة لبناء مستقبل الفرد والأمّة مثلما كان.
نحو الانتقال بهيكلة المجامع التنمويّة النسائيّة إلى شركات أهليّة : شروط الـــتــأســـيـــس و مـــراحـــله..
يعرف عدد المجامع التنمويّة النسائيّة ارتفاعا من سنة إلى أخرى وهو ما يعكس حجم الإقبال لمخت…