إنقاذ «المصعد الاجتماعي» لم يعد يحتمل التأجيل: «التوانسة» يواصلون تعديل ساعاتهم على الباكالوريا
«نسبة النجاح مشرّفة جدّا».. هكذا علّقت وزيرة التربية سلوى العباسي على نتائج الدورة الرئيسية لباكالوريا هذا العام التي تصدر اليوم الأحد 23 جوان 2024، ومثل هذه التصريحات المألوفة من الوزراء المتعاقبين على رأس هذه الوزارة السيادية حسب رأينا، لا يحجب عنّا حقيقة أن كثيرا من المراجعات يجب أن تمسّ هذا الامتحان الوطني تماما مثل «السيزيام» و«النوفيام» بل ومجمل منظومة التربية والتعليم في بلادنا.
إننا بعد عقود من الاستقلال ومن صمود ما اعتبره التونسيون مصعدا اجتماعيا في الدولة الوطنية، أصبح إنجاز امتحان الباكالوريا في جانبه التنظيمي وإعلان نتائجه في الآجال باستخدام التكنولوجيا الحديثة للمعلومات، الحدّ الأدنى الذي لا يمكن النزول عن سقفه قيد أنملة، والحديث اليوم يجب ان يرتكز في المقابل على جودة شهادة الباكالوريا وعلى الآفاق التي تخوّل لحاملها الانتقال من الزمن التلمذي إلى الزمن الطالبي إن جاز القول استعدادا لدخول سوق الشغل واقتحام ضرب آخر من ضروب الحياة العامّة المثقلة بالتحديات.
واحتراما للعائلات التونسية ولأبنائنا التلاميذ، لابدّ بادئ ذي بدء من توجيه التهنئة إلى الناجحين في هذه الدورة الرئيسية وتحفيز المقبلين على دورة التدارك لتحقيق هدفهم والالتحاق بركب الناجحين، على أن يراجع من لم يسعفه الحظ وخذله جهده، بعض الحسابات ويتجاوز النقائص والأخطاء في السنة القادمة والمراجعة لا تعني التلاميذ وعائلاتهم فقط ولكنها تشمل المدرسين وسلطة الإشراف إلى جانب المجتمعين المدني والسياسي فالأمر يتعلق بخيار وطني يتحمل مسؤوليته الجميع.
هذا وقد نختلف في تقييم التربية والتعليم في بلادنا ونعترف أحيانا بأن الدراسة لم تعد لوحدها سبيل «النجاح» في الحياة العامة، ونستدلّ في ذلك بكثير من «قصص النجاح» التي تمكّن أصحابها من تغيير نمط عيشهم وخلق الثروة المادية رغم الانقطاع المبكر عن تحصيل العلم ونتحدث هنا عن «الكناترية» و«رجال العمايل» ونستدل أيضا بمئات الآلاف من العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد الجامعية، وبالمئات منهم ممّن يلقي بنفسه في البحر هربا من جحيم البطالة والفقر والخصاصة بحثا عن جنة وهميّة شمال المتوسط، دون ان ننسى مشكلات النقل والبنية التحتية وغياب الماء الصالح للشراب والصرف الصحي في عدد من المؤسسات التربوية ونقص المدرسين وضعف المناهج والمضامين وفقدان التجديد البيداغوجي وتفشي تجارة الدروس الخصوصية، ومع ذلك ما يزال للتربية بريقها وجاذبيتها وما تزال العائلات التونسية تعدّل عقارب ساعاتها في مثل هذه الفترة من كل عام على الامتحانات والمناظرات في كل المستويات التعليمية وهذا مؤشر إيجابي بل وإيجابي للغاية يجب البناء عليه.
وعملا بمقولة ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها، فان إنقاذ «المصعد الاجتماعي» ضرورة ملحّة عاجلة تستوجب خطوات سريعة وطارئة لا تحتمل التأجيل، وأخرى تُنجز على مهل وفق رؤية واضحة استشرافية بالفعل تأخذ بعين الاعتبار مستقبل الأجيال القادمة في تونس الجديدة.
والعاجل جليّ، وحوله إجماع شفوي معلن على الأقل، في انتظار البرهنة عليه في الواقع، ويتعلق الأمر بوقف الانتداب الهش والعشوائي للمدرّسين وتحسين أجورهم وإعادة النظر في التكوين والرسكلة والتفقّد وتحمّل مسؤولية تطوير البنية التحتية وخدمات النقل والصحة والتغذية والسكن والترفيه والرياضة والثقافة وحماية محيط المدارس والمعاهد ومقاومة الجريمة، فمنذ سنوات لم نسمع بتلميذ تفوّق في الحقل الرياضي أو في الموسيقى أو غيرها من مجالات الفنّ انطلاقا من مؤسسته التربوية رغم كثرة المهرجانات و«الكرنفالات» التي يطنب القائمون عليها في التقاط الصور التذكارية، أضف إلى ذلك عدد كبير من التلاميذ «دمّرهم» التوجيه الجامعي الذي يتم على قاعدة معادلة حسابية جافة لمناظرة أو اختبار محدود في الزمن لا يأخذ بعين الاعتبار الرغبات والمؤهلات والمسيرة التلمذية التي قد تخون صاحبها استثنائيا لسبب أو لآخر فيحرم التلميذ وربما تحرم العائلة والبلاد من قصة نجاح كانت أكيدة.
أمّا ما يجب فعله بالحكمة والشراكة والتأني والمسؤولية الوطنية، فهو الإصلاح الجذري في مستوى المضامين والهيكلة، ولا شيء يبرّر اليوم عدم إرساء المجلس الأعلى للتربية إلى حد الآن والذي عُهد له القيام بهذه الوظيفة الإصلاحية.
وكما هو معلوم ورغم كوننا على مشارف نهاية السنة الدراسية الحالية 2023 ـ 2024 فإننا دخلنا بشكل أو بآخر في متطلبات السنة الدراسية الجديدة 2024 ـ 2025 سواء في ما يتعلق بطبع الكتب مثلا أو تخفيف البرامج كما صدحت بذلك وزيرة التربية قبل أيام أو تسوية وضعية المدرسين النواب..
لقد عرفت تونس منذ الاستقلال خططا أو لنقل برامج كبرى لإصلاح التربية والتعليم ارتبطت بأسماء وزراء بعينهم كمحمود المسعدي أو محمد المزالي أو محمد الشرفي ـ بقطع النظر عن موقفنا منهم ـ واختارت منظومة الحكم الحالية منهجية أخرى في الإصلاح تقوم على استشارة وطنية يُفترض ان يُعتمد على مخرجاتها في صياغة البرنامج الجديد أو السياسة العامة للدولة في مجال التربية كما ينصّ على ذلك الدستور الجديد، ومهما يكن الأمر، العبرة بالنتائج ونتائج الإصلاح بالنسبة إلى الدولة، لا تقل أهمية إستراتيجية عن نتائج الباكالوريا بالنسبة إلى عموم «التوانسة».
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…