في كلمته أمام قمّة السبعة الكبار أعاد السيد أحمد الحشاني رئيس الحكومة التأكيد على الموقف التونسي من حرب الابادة الجماعية التي يخوضها جيش الاحتلال ضد المدنيين في غزة وفي كل فلسطين وذهب ضحيتها الى حدود اللحظة أكثر من 37 ألف شهيد اضافة الى عدد مهول من الجرحى والمصابين وقد تجاوز الثمانين ألفا…

والموقف التونسي الرسمي والشعبي يعتبر ما يحصل في غزة جريمة حرب وبأن جيش الاحتلال جيش إجرامي وعلى العالم الحرّ ان يدين حكومة الاحتلال وان يتتبعها في المحاكم الدولية…

وقد حصل ذلك بالفعل الاّ ان تعنّت حكومة نتانياهو واستقواءها بالادارة الامريكية قد وقف حائلا دون تنفيذ قرارات المنتظمات الاممية وكذلك محكمة الجنايات الدولية التي بقيت قراراتها مجرد حبر على ورق…

رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني أعاد التأكيد على الموقف التونسي أمام قمّة السبعة الكبار وأشار بوضوح الى أن الصمت تجاه ما يحدث من جرائم ابادة في فلسطين هو جريمة موصوفة… وهو كذلك ـ بالفعل ـ ويبقى السؤال من هي الاطراف التي التزمت الصمت تجاه حرب الابادة في فلسطين…؟

فأمريكا (لم تصمت) وهي تتكلم بوضوح عن «حق الكيان في الدفاع عن نفسه» بل هي تحارب جنبا الى جنب مع جيش الاحتلال وتدعمه بالخبرة والعتاد… وهي بذلك مورّطة في الجريمة ومورطة في كل المجازر التي تم ارتكابها منذ السابع من أكتوبر 2023… ونفس الشيء بالنسبة إلى  أوروبا التي «تَصَهْيَنَتْ» على يد «عرّابها» الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي لم يتردد ومنذ بداية الحرب في اعلان موقفه الداعم لحكومة الاحتلال وجيشها بل زار الكيان  وأعلن من هناك موقفه المخجل المساند للجريمة وهو بذلك مورط ـ أيضا ـ في الدم الفلسطيني وفي كل الفظاعات التي ارتكبها جيش الاحتلال في حق الفلسطينيين ومن ورائه كل أوروبا بطبيعة الحال…

كل هؤلاء وكما هو واضح (لم يصمتوا) بل أعلنوا عن مواقفهم  بوضوح وهم ـ بذلك ـ مورطون بوضوح أيضا في جريمة الابادة…

«إن الصمت تجاه جرائم الابادة ضد الفلسطينيين هو جريمة موصوفة..»؟ فمن هؤلاء «الصامتون»؟

الإجابة ـ في الواقع ـ لا تستدعي انتباهات كبرى و«دُوَلُ الصمت» لا تخفي صمتها بل هي اضافت اليه المواقف المخزية لشعوبها ونقصد ـ هنا ـ دول التطبيع العربي وكل الداعمين لها وكل المساندين لمسار التطبيع الذي توقف بعد عملية «طوفان الاقصى» في انتظار اعادة تنشيطه مباشرة بعد انتهاء الحرب على غزة وتقوده العربية السعودية التي كانت على وشك «التطبيع الكامل» مع عزمها جرّ كل حلفائها للالتحاق بطابور التطبيع الا أن عملية 7 أكتوبر 2023 قد اوقفت المسار أو هي عطلته الى حين…

هذه هي «دول الصمت»… دول التطبيع التي لم تجرؤ على ادانة «حكومة نتانياهو» بحجم الجريمة.. والقمة المزدوجة التي انعقدت  بالمملكة العربية السعودية وجمعت كل القادة السياسيين من المنطقة العربية والاسلامية لم تتمكن من اصدار بيان ختامي بحجم الجريمة… ولم تجرؤ «دول البترول» على تهديد الكيان الصهيوني بما لديها من «سلاح ثقيل» أي سلاح النفط والغاز… التهديد بقطعه أو تعليقه الى حين انهاء الحرب…

فما الذي يجعل «دول التطبيع» العربية غير قادرة على انهاء مسار التطبيع أو تجميده ومقايضته بشرط وقف اطلاق النار…؟ لِمَ لا تجرؤ على ذلك من أجل شعوبها ـ على الأقل ـ التي تحمل ثقل هذا العار حيثما ذهبت…؟

ندرك ان كلامنا ـ هذا ـ بلا معنى في هذه المرحلة التي يرتهن فيها حكام منطقة الخليج والشرق الاوسط الى الادارة الامريكية التي تمسك «بمصير المنطقة» وهي التي تديرها أمنيا وعسكريا وهي التي تحمي أمن سلاطينها وملوكها ورؤسائها من كل ما يهدّد «عروشهم» بل هي تحميهم من «شعوبهم» ان هم خرجوا الى شوارع الغضب والاحتجاج وتدرك الادارة الامريكية ـ عميقا ـ ان المنطقة بلا «زعماء كبار» لهم من الجرأة والقوة والكاريزما بما يؤهلهم «لقلب الموازين» وبما يجعلهم قادرين على اتخاذ مواقف تاريخية مشرفة لهم ولشعوبهم على غرار موقف الملك المغدور  فيصل ابن عبد العزيز الذي دعا وتبنّى قرارا عربيا يحظر النفط واستخدامه «كسلاح ثقيل» في وجه العدو الاسرائيلي وذلك كردة فعل قوية تجاه الدول الداعمة للكيان الصهيوني في حرب أكتوبر 1973 عندما أعلنت امريكا عن تنظيم جسر جوي لدعم اسرائيل فتم اتخاذ قرار عربي تبنته السعودية والعراق وقطر والكويت والامارات وكان موقفا تاريخيا موحدا تم على اثره قطع النفط وحظره على أمريكا وكل الدول الاوروبية الداعمة لها والذي انطلق من 8 ديسمبر 1973 الى غاية مارس 1974 ما خلق أزمة اقتصادية كبرى في أوروبا وأمريكا وما دفع أو بالاحرى أرغم كلاّ من بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد في الحرب العربية الاسرائيلية مع منع استخدام مطاراتها لنقل العتاد العسكري الى اسرائيل… وأصدر وزراء خارجية السوق الاوروبية المشتركة بيانا طالبوا فيه اسرائيل بالانسحاب من الاراضي العربية المحتلة.. ومن التداعيات ـ أيضا ـ ان شركات الطيران الامريكية ألغت سنة 1973 أكثر من 160 رحلة يومية لمواجهة أزمة الوقود.

هذا بعض من تداعيات قرار «حظر النفط» الذي اتخذته الدول العربية في حرب أكتوبر سنة 1973 وبه غيرت موازين القوى وأرغمت أوروبا وأمريكا على تبديل سياساتها… والتاريخ اليوم إنما يعيد نفسه لكن في شكل مأساة ومهزلة حيث يتزاحم «عرب النفط» في «طوابير التطبيع» بما ورط شعوبهم في «عار» لم يسعوا اليه… «فسلاحهم» على أراضيهم لكنه ليس بأيديهم….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…