2024-06-16

التصدي لعمالة الأطفال: دعوة إلى وضع خطة إصلاح شاملة موجّهة للطفل  والأسرة

رغم انخراط تونس في مختلف الاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية حقوق الطفل وتعدد تشريعاتها التي تهدف الى تكريس منظومة حقوق الانسان بصفة عامة وحقوق الأطفال بصفة خاصة بغاية  تعزيزها لاسيما في ما يتعلق بمسألة عمالة الأطفال الا انه وفي ظل وجود  كل هذه الصكوك والمجهودات المبذولة مايزال الواقع مريرا على هذه الشريحة العمرية الحساسة التي أصبحت تعاني من العديد من الاضرار الجسدية والنفسية نتيجة ولوجها إلى سوق العمل في سن مبكرة جدا.

فمسألة تشغيل الأطفال دون سنّ 18 ليست بالجديدة انما هي نتيجة حتمية لظرفية اقتصادية صعبة  التي اضطرت العديد من الاسر الى إجبار أطفالها على اقتحام سوق الشغل قصد مساعدتها على مجابهة تكاليف المعيشة المتزايدة حيث باتت  ظاهرة عمالة الأطفال تنتشر بشكل مروّع في شوارع تونس العاصمة وحتى في بقية المدن والأرياف التونسيّة، ما يؤكد  قصور وعجز القوانين الحالية عن حماية الأطفال وردع  الأسر المذنبة  في حق أطفالها .

وكشف المخطط الوطني لمكافحة عمالة الأطفال في تونس عن تنوع المجالات والقطاعات ذات التشغيلية الكبيرة للأطفال وتفاوتها بحسب الجهات والمناطق، ومنها أساسا امتهان بعض الأطفال المتواجدين بالأوساط الريفية للأعمال الفلاحية واليدوية كجني الزيتون ورعاية الماشية مقابل لجوء غيرهم من الأطفال القاطنين بالوسط الحضري أو شبه الحضري إلى أعمال أخرى كتجميع القوارير البلاستيكية، وغسل السيارات وتنظيفها، وبيع التبغ أو التسول والعمل المنزلي والعمل لدى ورشات الميكانيك والنجارة كما يتم استقطاب بعض الأطفال القاطنين بالمناطق الحدودية إلى بؤر التهريب والتجارة الممنوعة واستدراجهم إلى القيام بشتى أعمال التهريب. وتتنوع أنماط وأشكال عمالة الأطفال بحسب الجنس وتشتغل البنات بالأعمال المنزلية.

وأظهرت مؤخرا أرقام دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  بخصوص عمالة الاطفال في القطاع الفلاحي الى ان 8 % من العمالة في القطاع الفلاحي بحسب عينات البحث الميداني اعمارهن لا تتجاوز الثمانية عشر سنة و90 % منهن انقطعن عن الدراسة في مرحلة التعليم الاعدادي.

وكشفت الدراسة أيضا  ان عدد الاطفال الناشطين في تونس بلغ  215 ألف طفل، منهم 136 ألف يعملون في اعمال خطرة و5 % من الاطفال الناشطين يعملون في القطاع الفلاحي و20 % في التجارة …

وذكر المنتدى ان  تونس تعتبر  من الدول الأولى التي صادقت على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بمنع تشغيل الأطفال دون سن السادسة عشرة وبضبط شروط وحدود استخدام الأطفال في الاعمال الاقتصادية وغيرها كما وفرت اطارا قانونيا وطنيا وفق بناء تدريجي لنظام حمائي لتشغيل الأطفال حامل لقيم القانون الإنساني على غرار الفصول الواردة بالدستور والمتعلقة بحقوق الطفل والحق في التعليم والحق في الصحة وغيرها من الفصول ذات العلاقة. الى جانب جملة من القوانين والمجلات كمجلة حقوق الطفل وقانون منع الاتجار بالأشخاص، وقانون مناهضة العنف ضد المرأة، في حين ماتزال مجلة الشغل تحتوي على فصول تشرع لعمالة الأطفال دون سن السادسة عشرة وتفتح بابا واسعا للتأويل بخلقها لجملة من الاستثناءات التي لا تتلاءم مع ما ورد في الاتفاقيات الأممية وتتناقض مع بقية القوانين الوطنية.

للتصدي لهذه الظاهرة اقترح المنتدى بعض الإجراءات التي من شأنها ان تساهم في حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي وكل أنواع الاستغلال الأخرى مؤكدا على ضرورة وضع خطة اصلاح شاملة موجهة أساسا الى الطفل والاسرة لضمان حق كل فرد في تنمية عادلة وفي حماية اجتماعية لائقة تتمثل خاصة في ضرورة ادخال التعديلات اللازمة على مجلة الشغل وتنقيح الفصول التي تخلق استثناءات في مسألة تشغيل الأطفال مع الزامية تجانسها مع بقية الاتفاقيات الأممية والقوانين الوطنية ذات الصلة (من الفصل 53 الى الفصل 57 ومن الفصل 372 الى الفصل 375) «الى أي مدى يمكن اعتبار العمل في الفلاحة من الاعمال الخفيفة كما ورد في الفصل 56 من المجلة؟»

كما دعا أيضا إلى ضرورة المصادقة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات الصلة بالقطاع الفلاحي على غرار الاتفاقية عدد 129 المتعلقة بتفقد الشغل في القطاع الفلاحي والاتفاقية عدد 184 المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية في القطاع الفلاحي وتمكين متفقدي الشغل من الموارد اللوجستية والبشرية للقيام بالتفقد وتوسيع مجالات تدخلهم لتشمل أيضا القطاعات غير المهيكلة والتطبيق الفعلي والصارم لمبدإ اجبارية التعليم الى سن السادسة عشرة ومجانتيه من خلال خطوات إجرائية وعملية حتى لا يكون هذا المبدأ مجرد نص مع تحسين وضعية المؤسسات التربوية في المناطق الريفية وتوفير الحد الأدنى من ظروف التعلم الآمن واللائق.

كما اقترح ضبط  وتحديد خطة عمل استراتيجية وفق تصورات واضحة مبنية على دراسات ومسوحات ميدانية لمعالجة الظاهرة واستئصالها من خلال القضاء على أسبابها ودواعي تناميها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مكافحة إستهلاك المخدرات:  ضرورة تطوير الإطار القانوني نحو العلاج وليس الزجر

مع تزايد نسبة الإدمان  في بلادنا كما في دول اخرى،وبلوغها لمستويات قياسية تتزايد بالتوازي م…