حتى نثبّت الأقدام في النظام العالمي الجديد: الاستثمار في فرص الاستثمار
يشهد العالم في هذه الفترة حراكا دبلوماسيا غير مسبوق في العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وخصوصا بعد الركود والجمود الذي شاب مرحلة ما بعد تسعينات القرن الماضي وانهيار نظام القطبين وانفراد الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم فيما بدا الحديث اليوم قويا حول دخولنا زمن نظام عالمي جديد وان لم يتشكل ولم يتبلور بعد لكن كثيرا من المؤشرات تفيد بداية عهد تعدّد الأقطاب.
ولم يكن هناك فرق بين عواصم الدول صغيرها وكبيرها كما يقال في احتضان المؤتمرات والندوات التي تتحدث جميعها عن ضرورة إرساء منهجية دولية جديدة لمعالجة الظواهر السلبية القائمة المتصلة بالمناخ والبيئة والاقتصاد والإرهاب والجرائم المنظمة والحروب وغيرها، بل أكثر من ذلك بأن التنافس على أشده بين الدول النافذة والتي أصبحت كثيرة في هذا الوقت بالذات وهي دول صاعدة اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وديمغرافيا ولها رؤى وطموحات لمزيد تحقيق المصلحة الخاصة أولا، وتوسيع النفوذ الخارجي ثانيا، وتحقيق المصلحة المشتركة في الأخير.
واللافت أيضا أن عناوين الملتقيات والندوات والمؤتمرات إيجابية وجذابة في مجملها، وكلمة السر المشتركة بينها «الاستثمار» بكل أشكاله وتمظهراته.
والاستثمار في هذا البلد أو ذاك تحكمه موازين القوى وتحكمه أيضا نقاط القوة والضعف في كل المجالات والنواحي بدءا بالجغرافيا وصولا إلى السياسة مرورا بطبيعة الحال بالاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والصحي وغيره..
وتوجد بلادنا اليوم في قلب جميع معادلات العلاقات الدولية، وجميع الدول القريبة والبعيدة تخطب ودّ تونس، قد يكون ذلك نتيجة تقدير للتجربة أو للشعب بالنسبة إلى البعض، لكنه دون أدنى شكّ خيار استراتيجي لأغلب «الأصدقاء» و«الأشقاء»، في عمقنا عربي وإفريقي ومتوسطي وإسلامي وفرانكفوني وفوق كل ذلك نتربع ربّما ودون مبالغة أيضا، على أهم رقعة في الكرة الأرضية، نتوسط العالم ونربط بين قاراته وبين شعوبه وبين مجموعاته الاثنية والعرقية والقومية وأديانه أيضا ولم يحصل عبر التاريخ أن انغلق التونسيون أو رفضوا ما يفد من الخارج بل نهلوا منه بنسب متفاوتة، مختلّة في عديد الحالات للأسف لكنها أثرت في المحصلة حياة العباد والبلاد.
وحتى لا نكرّر ما تناقلته وسائل الإعلام هذه الفترة، فعديدة هي المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية التي دعيت لها بلادنا او استضافتها او استقبلت وفودا من الدول الشقيقة والصديقة.
لقد حضرت تونس قبل أيام قليلة فعاليات قمّة مجموعة الدول الصناعية الكبرى بإيطاليا، وأكد رئيس الحكومة أحمد الحشاني في كلمته باسم رئيس الجمهورية أن التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية الجسيمة والمعقدة التي تواجه شعوبنا في تعاظم مستمر وهي تفرض مزيدا من التعاون والتآزر لإيجاد الحلول الكفيلة لمجابهتها واستغلال الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها دولنا.
في غضون ذلك، جاءت أكثر من مؤسسة بنكية إلى تونس، وأبدت استعدادها لمساعدة الاقتصاد التونسي وتشجيع الاستثمار، وحصلت بلادنا بالمناسبة على عدد من القروض في هذه الأيام.
كذلك الأمر بالنسبة إلى بعض البلدان الشقيقة كالمملكة العربية السعودية التي ساهمت بقرض في تمويل مشروع تجديد وتطوير السكك الحديدية لنقل الفسفاط، والبلدان الصديقة على غرار فرنسا التي أطلقت صندوقا لدعم شركاتها الراغبة في الاستثمار بدول المغرب العربي ومنها تونس بطبيعة الحال، وجمهورية كوريا الجنوبية التي تسعى الى تأسيس علاقة خاصة ببلادنا واستقبلت مطلع الشهر الجاري بحفاوة رئيس الحكومة التونسية وهناك زيارات متبادلة على مدار الأيام.
ولا ننسى النقلة النوعية في علاقتنا بالصين وتوقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية معها، وقد تكون هذه نقطة التحول في مواقف شركائنا الأوروبيين والغربيين عموما وحرصهم في هذه المرحلة على تدارك بعض الابتزاز، أجل الابتزاز، والإخلال بالواجبات تجاه بلادنا والحرص أيضا على تمكيننا من القروض الميسرة وتشريكنا في كل الملتقيات والندوات التي تحتضنها بلدانهم.
ومهم أيضا التذكير بأن بلادنا احتضنت الأسبوع المنقضي الدورة 21 لمنتدى تونس للاستثمار وكشف المسؤولون عن مبادرات وتسهيلات وتشجيعات للمستثمرين التونسيين والأجانب وتم بالمناسبة تكريم عدد من المستثمرين في الوقت الذي توقع فيه ديوان السياحة ان يتوافد 10 مليون سائح على تونس هذه السنة.
إننا ببساطة مدعوون للاستثمار في هذه الفرص الاستثمارية، أو الاستثمار في الاستثمار إن جاز القول، وأن لا تكون الملتقيات والمنتديات والتقديرات الأولية مجرد إعلانات سياسية واتصالية لاستيعاب الرأي العام وتسجيل النقاط لدى هذه الجهة أو تلك، ويكفي أن نطرح سؤالا بسيطا حول ما تحقق في 20 دورة حتى الآن من منتدى تونس للاستثمار حتى نصل سنة 2024 إلى الدورة 21 ونتحدث من جديد على ضرورة إزالة العقبات وفتح الأبواب أمام المستثمرين المحليين والأجانب؟
ثمة عمل كبير في انتظار الجميع، عمل تشريعي وعمل اتصالي سياسي رسمي وشعبي، وعمل جادّ لإصلاح الإدارة ومحاربة البيروقراطية وتحقيق مبدإ تكافؤ الفرص وتركيز آليات المتابعة والتقييم المستمر وتحميل المسؤوليات وحسن اختيار المسؤولين على قاعدة برامج وعقود أهداف لأن تونس الجديدة تظل ببساطة ممكنة دائما، وممكنة للغاية متى نجحنا في حسن استثمار الفرص.
المحكمة الجنائية تنصف غزة : أوامر باعتقال نتانياهو وغالانت من أجل ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
الصحافة اليوم (وكالات الأنباء) أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس أوامر اعتقال بحق …