واقع وآفاق الأزمة المائية في بلادنا : تأثيرات سلبية على مستوى رفاهية عيش المواطن …وهذه أهم التوجهات في قطاع المياه
تشكل ندرة الموارد المائية تحديا كبيرا لبلادنا باعتبارها تتميز بمحدودية مواردها المائية بحكم موقعها الجغرافي وخاصياتها المناخية شديدة التغيّر وعدم انتظام الأمطار والموارد المائية وتوزيعها غير المتجانس بين الجهات ، حيث تبلغ حصة الفرد 430 متر مكعب في السنة مقابل مؤشر فقر المياه المحدد عالميا بـ 1000متر مكعب للفرد في السنة ومؤشر شح المياه بـ 500 متر مكعب للفرد .
وتداخلت عديد الأسباب في بروز هذا الوضع على غرار فترات الجفاف نتيجة التقلبات المناخية وتلوث الموارد المائية وتراكم الترسبات بالسدود والاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية وارتفاع درجة ملوحتها .
أبرز مظاهر الأزمة
باتت أزمة المياه في تونس مشكلة شديدة تتمثل في ندرة المياه والاستنزاف الكبير لها إذ يعد شح المياه في البلاد من أبرز مظاهر الأزمة ، حيث تقدّر الموارد المائية المتاحة بحوالي 4.5 مليار متر مكعب في السنة ، وهي كمية قليلة جدّا إذا قُورنت مع احتياجات البلاد ، ويطرح هذا الملف بشدة خلال السنوات الأخيرة للبحث عن الحلول المقترحة لتحقيق الأمن المائي كأحد أهم مقومات العيش الكريم من ذلك السعي نحو وضع خطة وطنية لتعبئة مياه الأمطار الاستثنائية المهدورة في البحار وحماية المدن والقرى من الفيضانات واستغلال وتعبئة مياه الموائد الجوفية في الجنوب التونسي واستغلال الثروات المتاحة بالشمال باعتماد نظام التقنين لقطع المياه لعدة ساعات يومياً والتي باتت أمرا مفروضا في العديد من الجهات سواء بسبب أعطاب طارئة على الشبكة أو بسبب سياسات التقشف في هذه الثروة.
مشكل المياه يأخذ حيزا كبيرا من النقاش سيما خلال فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة في المقابل نفس الإشكال يبقى مطروحا في مجال الفلاحة والغراسات والزراعات السقوية التي باتت تتأثر بشدة إزاء نقص مياه الري وما تبع ذلك من مظاهر تراجع الأنشطة الفلاحية وغلاء الأسعار للمنتوجات ذات الاستغلال المكثف للمياه ، وفي نفس السياق أثرت هذه الأزمة إلى حد كبير في تراجع واقع الإنتاج الحيواني المرتبط أشد الارتباط بالأعلاف والمراعي التي تقلصت مساحتها وأدت بصفة مباشرة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتخلي عديد الفلاحين عن مزاولة نشاطهم لغلاء الأعلاف وندرتها بل واقتصار بعضها على التوريد بالعملة الصعبة وتوزيعها بأثمان باهظة لا تتلاءم والقدرة المالية من حيث النفقات اليومية مقابل تراجع المرابيح التي لم تعد تغطي تكاليف الإنتاج .
ولهذه الاسباب تسارع وزارة للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري الخطى في ظل التزايد المستمر على طلب المياه والاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية وأخطار تلوث المياه حيث انتهجت الدولة منذ الاستقلال سياسة التصرف في الوفرة من خلال مختلف استراتيجيات تعبئة الموارد المائية السطحية وأشغال المحافظة على المياه والتربة . إلا أنه وفق نفس التشخيص الذي أعدته السلطات الرسمية المشرفة على هذا القطاع فقد تبين محدودية هذه السياسة لوحدها لسدّ الحاجيات المتزايدة لمختلف القطاعات على المياه حيث تم بالتوازي إرساء سياسة تعنى بالضغط على الطلب من خلال دعم برامج الاقتصاد والرفع من إنتاجية المياه وتعبئة وتثمين الموارد المائية غير التقليدية والحوكمة الرشيدة فضلاً عن دعم الإصلاحات وتطوير برامج البحوث في مجال المياه والتشريعات .
اهم التوجهات في مجال قطاع المياه
تسعى السلطات المشرفة على قطاع المياه إلى القيام بدراسات استشرافية لقطاع المياه إلى أفق 2050 ووضع خطة استراتيجية شاملة ومتكاملة للمياه مع التأكيد على الجوانب الكمية والنوعية والأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والبحث العلمي بهدف تأمين التوازن بين العرض والطلب . وقد تم تمويل الدراسة من طرف البنك الإفريقي للتنمية والبنك الألماني للإعمار والوكالة الألمانية للتنمية بقيمة تفوق 2600 ألف أورو. وانطلق إنجاز الدراسة في شهر أفريل 2019 لمدة 20 شهرا وهي في مرحلتها الرابعة مع القيام بدراسة استراتيجية لإنجاز مخطط مديري وطني لاستغلال المياه المعالجة في مختلف المجالات إلى أفق 2050 وهي في مرحلتها الثالثة والأخيرة إلى جانب إرساء نظام المحاسبة المائية وإعادة النظر في تخصيص المياه من خلال استبدال المياه التقليدية بالمياه المعالجة في مجال الري وكلما أمكن ذلك .
ويتم في نفس السياق مواصلة ربط السدود بعضها ببعض ودراسة تحويل فائض مياه الشمال للوسط وذلك في سياق دراسة بصدد الإنجاز وقد استكملت مرحلتها الأولى وهي في مرحلتها الثانية علاوة على مواصلة تنفيذ برامج تحلية مياه البحر وتطوير التحكم في التقنيات المتاحة والمستخدمة في ذلك .
وفي سياق متصل يتم العمل على تطوير شبكات القيس وأنظمة الإنذار المبكر والإعلان عن الفيضانات وتطبيق التكنولوجيات الحديثة في مجال التصرف في المعطيات وتطوير قواعد المعلومات عبر تركيز المنظومة المعلوماتية الوطنية للمياه إلى جانب تدعيم تغذية الموائد المائية عن طريق المياه التقليدية وغير التقليدية ومواصلة تعبئة الموارد المائية الجوفية من خلال تكثيف الآبار الاستكشافية خاصة في المناطق المعطشة مع تثمين المناطق السقوية العمومية بالتركيز على الجانب المؤسّساتي ومراحل ما بعد الإنتاج .
محور آخر لا يقل أهمية في هذا الخصوص وهو الاقتصاد في مياه الري والرفع من إنتاجية المياه من خلال مواصلة تجديد المعدات المقتصدة في مياه الري بالمناطق السقوية والتركيز على قيادة عمليات على مستوى الضيعة . وبالتزامن مع ذلك يتم التصرف المندمج والمستدام في الموارد المائية ويهدف هذا التوجه إلى الرفع من أداء الشبكات والتجهيزات والتخفيض من ضياع الماء وتثمينه والاقتصاد فيه والمحافظة عليه من الاستنزاف والتلوث .
ويبقى التصرف الجيد في الطلب أحد أبرز الأهداف والذي يسعى إلى الاقتصاد والرفع من كفاءة وإنتاجية استغلال مياه الري وتعبئة الموارد المائية غير التقليدية وتثمينها وإحكام التصرف في المنظومات المائية إلى جانب التركيز على استدامة الأنظمة المائية بالوسط الريفي وذلك من خلال النهوض بالمجامع المائية الموجودة وإعادة تنشيطها وإدخال المزيد من الحرفية عليها . فضلا عن إيجاد حلول بديلة في إدارة الأنظمة المائية بالوسط الريفي وتحسين دور المرأة في التصرف في المياه من خلال تشجيع العنصر النسائي على المشاركة في مجالس الإدارة .
مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية
تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…