يمكن أن توفر قروض صندوق النقد الدولي دعما حاسما للدول التي تواجه أزمات مالية من خلال توفير السيولة اللازمة لسداد الدين وتعزيز احتياطات العملة الصعبة، مما يمكن من تحقيق استقرار مالي على المدى القصير لكنها تأتي بتكاليف اقتصادية واجتماعية وسياسية يجب على الدول المقترضة أن تكون مستعدة لتحملها من بينها أن الصندوق يفرض عادة مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية كشرط لمنح القرض، واتّباع سياسة تقشفية.
كما تشمل تقليص العجز المالي وخفض الدعم وزيادة الضرائب وخوصصة المؤسسات العمومية ووقف الانتدابات والتي تبين ان لها تاثيرات مؤلمة وموجعة.حيث يمكن أن تؤدي الى زيادة معدلات البطالة وارتفاع نسبة الفقر وتراجع مستوى المعيشة وحدوث احتجاجات اجتماعية. وهذا ما تم تأكيده ضمن المذكرة التوجيهية التي أصدرها المرصد التونسي للاقتصاد بعنوان صندوق النقد الدولي ضد المؤسسات العمومية: «الدفع نحو الخصخصة وتفكيك الدور الاجتماعي للدولة».
وتتضمن هذه المذكرة عديد الأفكار التي تمت مناقشتها في ندوة افتراضية سابقة نظمها المرصد بالتعاون مع مركز العلوم الاجتماعية للايجار التطبيقية ومنصة العدالة الاجتماعية والتي تتمحور حول تداعيات املاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على المؤسسات العمومية في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وذكرت الوثيقة في المقدمة أن المفاوضات حول برامج اقراض بين عدد من حكومات المنطقة العربية والمؤسسات المالية الدولية قد تواترت في السنوات الاخيرة.حيث تشترط هذه المؤسسات كمقابل القيام بالإصلاحات الضرورية وهي حسب تعريف الصندوق سلسلة من السياسات والإصلاحات الاقتصادية التي تهدف الى تعزيز الاداء الاقتصادي واستعادة سلامة ميزان الدفوعات والاستقرار الاقتصادي الكلي أو الحفاظ عليهما.
بالإضافة الى تمهيد الطريق إلى تحقيق نمو دائم وعالي الجودة ورفع مستوى المعيشة. وتندرج الشروط ضمن محاولة فتح ما أمكن من القطاعات أمام القطاع الخاص وإعمال ما يطلق عليه قواعد اقتصاد السوق وتقليص الدور الاجتماعي للدولة. وقدمت الوثيقة في هذا السياق استعراضا للإطار التاريخي لعمليات خصخصة الشركات العمومية وتحديد آلياتها عبر الشعار الذي ترفعه الدوائر المالية العالمية المنادي بضرورة تقديم تضحيات على المدى القصير لتحصيل فوائد على المدى الطويل.كما قدمت في وقت ثان موجتي الخصخصة الرئيسيتين ثم بعدها التركيز على قطاع إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية كمثال على هاته السياسات بغرض دراسة الأساليب العملية التي تم عبرها البدء في خصخصة هذا القطاع في الدول العربية.
وتطرقت الوثيقة الى بعض المقترحات العامة التي قد تشكل بدائل ممكنة عن خصخصة الشركات والخدمات العمومية نظرا الى أن الخصخصة لم تؤد الى النتائج التي وعدت بها برامج الاصلاح الهيكلي وسياسات الخصخصة الا وهي إعادة التوازن للمالية العمومية وتقليص مستويات المديونية كأحد أهم اهدافها.ودليل ذلك وفق الوثيقة تطور نسبة المديونية الخارجية العامة من الناتج الداخلي الخام فضلا عن ثبوت عدم وجود أي جدوى من الخصخصة أو أي فائدة تجنيها الاقتصادات على المستوى الوطني من نسب نمو اقتصادي تبعا لتطبيق مثل هذه السياسات. والجدير بالذكر أن المحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي التي انطلقت سنة 2021 بقيت عالقة لأكثر من سنة رغم التوصل الى اتفاق على مستوى الخبراء في أكتوبر 2022. ولم يتم تتويجه بتفعيل هذا الاتفاق بصفة فعلية وتقديم قرض مزمع بـ 1,9مليار دولار لدعم تنفيذ توازناتها المالية مقابل اصلاحات هيكلية في مستوى القطاع العمومي ومنظومة الدعم وكتلة الاجور والجباية.
من أجل تحقيق الأمن الغذائي..
لا شك أن ارتفاع الصادرات الفلاحية التونسية وتحسّن عائداتها وهو ما أكدته الارقام الاخيرة …