انطلاقة الإستراتيجية الوطنية للشباب.. خطوة إيجابية، وبعد؟
شهد قصر الحكومة بالقصبة يوم الثلاثاء 11 جوان 2024 موكبا رسميا تم خلاله الإعلان عن انطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب في أفق سنة 2035 بإشراف رئيس الحكومة أحمد الحشاني وحضور وزير الشباب والرياضة كمال دقيش وعدد من الشركاء ومن ممثلي السفارات الأجنبية ببلادنا.
وتعدّ هذه الخطوة في تقديرنا، الأبرز التي تقدم عليها منظومة الحكم الراهنة في باب ضبط السياسات العامة للدولة وتوضيح الخيارات المتصلة ببعض القطاعات والمجالات الاجتماعية، وتكمن الأهمية أيضا في أن الأمر يتعلق بالشباب وبمستقبله في هذا الظرف الدقيق الذي تعيشه تونس وتعيشه دول العالم.
ليس ذلك فحسب تبدو الأهداف المعلنة وهي «إعادة الأمل وإعادة الثقة في الهياكل الرسمية للدولة والوصول بالشباب للمشاركة في الشأن العام» نبيلة للغاية وهي الاجابة المثلى لانتظارات هذه الشريحة من الشعب التونسي التي صنعت تاريخ 14 جانفي 2011 ولم تجن ثماره بعد، كما أنها شريحة موكول لها قيادة البلاد في المستقبل، بمنطق الأمر الواقع على الأقل بما أن دوام الحال من المحال وعليه لابد من الإعداد الجيد لهذه الناشئة وتسليحها بما يجب حتى تؤتمن على تونس الجديدة وتقودها نحو برّ الأمان.
وحتى بالتوقف عند الأهداف الخمسة للاستراتيجية الوطنية، لا يمكن للمرء سوى التنويه والدعم، فتعزيز قيم المواطنة والانتماء لدى الشباب هو مربط الفرس كما يقال والبداية حتما تقتضي تجذير الانتماء والتربية على معادلة الحقوق والواجبات.
كذلك الهدف الثاني المتصل بترسيخ أنماط العيش السليم وتحقيق الرفاه الاجتماعي، فالعيش الكريم كما جاء في أدبيات حقوق الإنسان يقتضي تمتع المواطن بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما يقتضي محاربة الفقر والجهل والبطالة وغيره من الآفات التي تنخر مجتمعنا وتستهدف الشباب رأسا.
ويقود هذا الهدف إلى هدف موال وهو تحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب الذي ابتلعه الاقتصاد الموازي ان جاز القول، وابتلع البحر البعض، وضاقت المقاهي والحانات وحتى دور العبادة بالبعض الاخرين من الشباب التائه..
وحسنا هدفت الخطة الاستراتيجية إلى تشجيع الإبداع وتثمين الابتكار وفي ذلك التجاوب مع ما يحققه شباب تونس في الداخل والخارج كل يوم من انجازات وتفوّق في كل المجالات العلمية والرياضية والثقافية والاقتصادية وغيرها..
وطبيعي أن يكون الهدف الخامس والأخير تعزيز منظومة الترفيه والسياحة الشبابية في الداخل والخارج لأن للشباب طاقات كبرى للعمل وله أيضا حاجة كبرى للترويح على النفس..
وحسب ما جاء على لسان رئيس الحكومة ووزير الشباب والرياضة دائما، فان هذه الخطة الاستراتيجية بنيت على أساس مقاربة تشاركية بين جميع الأطراف المتداخلة في الموضوع وخاصة الوزارات، إلى جانب الاهتمام بحقوق الإنسان ومبدإ الإنصاف الاجتماعي وهذه في تقديرنا أيضا شروط مستحسنة ومستساغة لدى الداعمين والممولين الأجانب إلى جانب تحفيز الشركاء المحليين على العمل الجماعي.
بقي أن هذه الخطوة الايجابية لا تعفي من إبداء بعض الملاحظات وحتى التحفظات التي يسمح أخذها بعين الاعتبار بالتقدم في تفعيل هذه الخطة الاستراتيجية الوطنية وتحقيق أهدافها التي نتقاسمها ونشترك فيها ونُطالب جميعا بالعمل على تنفيذها.
والملاحظة الأولى تأتي شكلا في باب الاتصال السياسي حيث غاب في حفل الانطلاق بالقصبة الشباب المعني بالخطة وغلب على الحضور طابع الكهول والشيوخ، كما لم يتضح من خلال تقديم طريقة إنجاز الخطة حجم وكيفية تشريك الشباب في صياغتها وهذا أمر مهم يعزز الانتماء للخطة التي تهدف لتعزيز الانتماء للوطن.
ثانيا، لقد كشف وزير الشباب والرياضة ان المرحلة القادمة ستشهد العمل على إنجاز خطة العمل وهو ما يعني أن نص الخطة موجود وهو نص نثري جميل ومتكامل لكنه يفتقر إلى البرامج الدقيقة والخطوات التنفيذية المتصلة بكل هدف مع كل شريك معني بالاستراتيجية.
ويمكن الاستخلاص هنا أن الخطة الوطنية تتضمن تاريخ الانتهاء منها، لكن التواريخ التفصيلية أي الجدول الزمني التنفيذي الذي يوصلنا الى سنة 2035 بما فيه من مهام وانجازات وعمليات تقييم مختلفة، نصف مرحلية ومرحلية وغيره، وقائمة الشركاء في الداخل والخارج وأدوارهم بالتحديد ومساهماتهم الادبية والمادية بالخصوص غير جاهزة وهذا يشكل خطرا محدقا يهدّد الآجال ويمكن أن يفتح الباب للتدخل في تفاصيل الخطة..
ثالثا، لقد تحدث الوزير عن المقاربة التشاركية في إعداد الخطة وكشف أن استشارة بقية الوزارات تمّت في السابق وهي متواصلة في الحاضر من أجل النجاح في المستقبل، على أن المقاربة التشاركية في هذه الخطة بالذات يجب أن تتقاطع مع الخطط الأخرى المتصلة بكل وزارة أو الخاصة بكل قطاع أو مجال من مجالات حياة المجتمع.
وعندما نتحدث على سبيل المثال، عن سياحة الشباب وترفيه الشباب وثقافة الشباب وتعليم الشباب وتشغيل الشباب فنحن نتحدث بالضرورة عن مهام ومسؤولية وزارات السياحة والثقافة والتربية والتعليم والتشغيل والتكوين المهني وحتى النقل والتجارة والاقتصاد والفلاحة وغيرها، وبالتالي اذا جنحت كل وزارة الى صياغة خطتها الاستراتيجية بمعزل عن بقية الوزارات فإنّ ذلك سيولّد ضغطا وتكرارا وإهدارا للجهد والمال أيضا عند النظر إلى أداء الحكومة بشكل عام.
رابعا تحدّث الوزير كذلك عن المشاركة في الشأن العام كهدف مركزي للخطة، وكما هو معلوم فان هذا الهدف يتحقق بواسطة الوسائط التقليدية المعروفة بالأحزاب والجمعيات والنقابات وغيرها فهل ستنفتح وزارة الشباب والرياضة على هؤلاء الشركاء السياسيين والمدنيين؟.
أخيرا، إن توقيت الكشف عن الخطة الإستراتيجية الوطنية للشباب هو أيضا جد مهم باعتبار أننا في زمن انتخابي دقيق وحساس يتعلق بأهم استحقاق انتخابي في بلادنا وهو الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها الخريف القادم، ولئن كان الشباب محددا في الانتخابات السابقة سواء بعزوف بعضه ومشاركة بعضه الآخر بشكل من الأشكال، فإنّ المصلحة العليا للوطن تقتضي اليوم أن ننظر إلى الشباب في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي 2024 من زاوية الأهداف الكبرى لا الأهداف الظرفية التي جُرّبت في السابق وعادت بالوبال على العباد والبلاد فالشباب ليس مجرد خزان انتخابي ووقود معارك انتخابية بل هو حاضر تونس ومستقبلها.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…