مُنِي الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» بهزيمة مدوية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت الأحد الماضي ولم تكن مفاجئة بل توقعها له كل المتابعين لمسيرته منذ دخوله قصر الاليزي…
لقد كان «ماكرون» وما يزال عنوان كل الخيبات التي شهدتها فرنسا على امتداد سنوات حكمه بل هو أضعف فرنسا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعزل نفسه عن قضايا المجتمع الفرنسي وانخرط في حروب مباشرة ورّط فيها كل أوروبا وحوّلها الى كيان منزوع الهوية والسيادة… والحرب التي يخوضها «ماكرون» ومن ورائه أوروبا هي حرب «بالوكالة» ـ كما جاء في توصيفات الاعلام الفرنسي ذاته ـ والذي يؤكد على أنّ فرنسا قد اندفعت وراء أمريكا لخوض حرب ضدّ روسيا بوتين وقد كانت في غنى عن ذلك.. لكن سياسات «ماكرون» الاستعلائية ـ حسب توصيفات الاعلام الفرنسي ـ قد ورطت فرنسا ومن ثمّة أضعفت اقتصادها بما أثّر بعمق على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في الداخل الفرنسي وبما ساهم ـ أيضا ـ في تقوية خطاب اليمين المتطرف الذي دخل من الأبواب التي أغلقها «ماكرون» وتسرّب الى الرأي العام الفرنسي/الأوروبي تحت عناوين من مثل اعادة تأصيل الدولة القومية واسترجاع «السيادة المنزوعة» وعدم التورط في حروب بالوكالة وبالتالي التحرّر من الهيمنة الأمريكية وكما هو واضح فإنّ اليمين الفرنسي يستعيد ـ هنا ـ ذاك الخطاب الذي يدفع نحو تقوية الشعور الوطني وبأنّ «فرنسا أوّلا وقبل كل شيء» وهو لا يخفي رفضه انخراط فرنسا في دعم التحالف الغربي لنظام «زيلنسكي» ويعتبر معاداة فرنسا لروسيا خطأ استراتيجيا ارتكبه «ماكرون» في حق فرنسا التي تدفع الثمن باهظا اليوم على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا الذي تجلّى في هذه الهزيمة المدوية التي مني بها ماكرون في انتخابات البرلمان الأوروبي وهي هزيمة متوقعة ونتيجة منطقية لعدد من الأخطاء الاستراتيجية الكبرى التي ارتكبها ماكرون بسبب فشل سياساته الداخلية والخارجية ففي «العهد الماكروني» خسرت فرنسا موقعها «المتميّز» في عدد من الدول الافريقية والتي أعلنت رسميا وشعبيا عدم رغبتها الاستمرار في التعامل مع فرنسا «الكولونيالية» والتي ما تزال تمارس سياسات استعلائية مع افريقيا التي طورت ـ في المقابل ـ علاقاتها مع الصين ومع روسيا التي تقود تدافعا شرسا في المنطقة ما ساهم في اغلاق الابواب أمام عودة فرنسا الى المناطق التي تركتها مرغمة في افريقيا نتيجة الاستعلاء الفارغ للسياسات «الماكرونية» وهي سياسات انتهازية «تأخذ بقوة» ولا تقدم شيئا… اضافة ـ بطبيعة الحال ـ الى توتر العلاقات الفرنسية مع كل من الجزائر والمغرب وليبيا ومصر وتونس ايضا نتيجة التدخلات المباشرة للرئيس الفرنسي في شؤون هذه البلدان وقضاياها الوطنية.
لقد خسر «ماكرون» كل شركائه التقليديين في منطقة المغرب العربي وفي افريقيا وبذلك عزل فرنسا عن محيطها الاستراتيجي الذي «ترصّدته» الصين وهي بصدد اكتساحه عبر شراكات واتفاقيات تعاون كبرى اقتصادية واستثمارية قلّصت ـ بوضوح ـ من النفوذ الفرنسي وتكاد تطرده بالكامل من المنطقة..
نضيف الى هذا كله فشلا داخليا كبيرا أوقع فرنسا في عدة هزات اجتماعية شاهد خلالها العالم كيف تُداس الحقوق والحريات في فرنسا الديمقراطية وكلنا يذكر فشل ماكرون في إقناع الشعب الفرنسي بمشروعه لاصلاح نظام التقاعد الذي رفضه الفرنسيون وخرجوا من أجل ذلك في تظاهرات حاشدة تركت صورا ومشاهد خراب مأساوية في العاصمة باريس.. نضيف الى هذا كله ازمات اقتصادية متعددة العناوين نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية ومن تداعياتها أزمة عميقة في المواد الطاقية مع ارتفاع معدلات التضخم زائد معدلات البطالة وعجز كبير في المقدرة الشرائية.
هذه بعض عناوين «المرحلة الماكرونية» التي أفقدت فرنسا مكانتها وسيادتها أمّا عنوانها الفضائحي الأبرز فهو الموقف الفرنسي من حرب الابادة الصهيونية لسكان غزة حيث لم يتردّد «ماكرون» في اعلانه الوقوف بشكل واضح مع الكيان الصهيوني بل هو لم يتردد في زيارة الكيان حيث وقف على جثث الشهداء معلنا «حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه» وذهب الى أكثر من ذلك بمنع الاحتجاجات في شوراع فرنسا تنديدا بالجرائم الصهيونية..
العالم الاوروبي اليوم امام مرحلة يمينية متطرفة .. مرحلة غير مفاجئة ـ في الواقع ـ بما انه قد تمّ التمهيد لها منذ أكثر من عقد وتحديدا منذ وصول «ساركوزي» الى الحكم والذي كان رفع شعار «إما ان تحب فرنسا او ان تغادرها» في اشارة الى الوجود غير المرغوب فيه للمهاجرين العرب والمسلمين وقد امتد اليمين في كامل اوروبا وتهيأ ـ بالفعل ـ او هو هيأ نفسه للحكم في كامل منطقة الاورو في المانيا وبلجيكا وهولندا وايطاليا خاصة بزعامة رئيسة الوزراء «جورجيا ميلوني» وهي يمينية لا تخفي تطرفها وخاصة في علاقة بالهجرة غير النظامية كما لا تخفي عنصريتها تجاه الوافدين من العرب والمسلمين وكل القادمين من جنوب الصحراء..
صعود اليمين المتطرف سيعقّد السياسات الاوروبية تجاه عديد القضايا والملفات الكبرى وخاصة في رفضه الانخراط في الحرب الروسية الاوكرانية ورفضه الدعم العسكري لنظام «زلنسكي» اضافة الى رغبته في التخلص من الهيمنة الامريكية على المواقف الاوروبية.
أما في علاقته بالحرب الصهيونية على غزة فإنها لا تختلف عن موقف «ماكرون» بشكل عام مع الاشارة ـ هنا ـ الى أن «مارين لوبان» زعيمة اليمين المتطرف ترى بأن الحل في قيام الدولتين بحسب تصريحاتها والتي كانت اثارت استياء اللوبي الصهيوني في باريس..
انتكاسة كبرى ضربت زعيمي القوتين الاكبر في الاتحاد الاوروبي المستشار الالماني «أولاف شولتس» والرئيس الفرنسي «ماكرون» والذي اعلن بعد الهزيمة حل البرلمان الفرنسي ودعا الى انتخابات تشريعية مبكرة وهو ـ هنا ـ لا يختلف في قراره عن «حكام العالم الثالث» «غيرالديمقراطيين» ولطالما ابتزّهم «باسم الديمقراطية»..!
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…