«الشراكة الاستراتيجية» بين تونس والصين: بداية إيجابية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والصحية
خلافا لقمم وزيارات ولقاءات وشراكات قائمة بين «الأصدقاء» في العالم، تشهد العلاقة بين تونس والصين سرعة في نسق ترجمة بعض ما تم الاتفاق عليه خلال الفترة الماضية بين مسؤولي البلدين في الواقع الذي يزخر بالتحدّيات.
ومباشرة بعد مشاركة رئيس الجمهورية قيس سعيد الإيجابية في منتدى التعاون العربي الصيني ولقائه بالرئيس الصيني وكذلك رئيس الحكومة وإبرام اتفاقية شراكة استراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية بالتزامن مع مرور ستّة عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البدين، تحركت بكين تجاهنا وعقد سفيرها في بلادنا ندوة صحفية كشف فيها كثيرا من النقاط المهمة علاوة على الانطلاق الفعلي لجملة من المشاريع في المجالات الاجتماعية والصحية والاقتصادية..
سياسيا، كشف سفير الصين بتونس أن القيادة الصينية دعت القيادة التونسية ممثلة في شخص رئيس الجمهورية قيس سعيد للحضور في سبتمبر المقبل في الدورة الجديدة للقمة الصينية الإفريقية، وهذه الدعوة تأكيد للثقة السياسية بين رأسي السلطة في البلدين، وانخراط معلن من الجانبين في مقاربة جديدة للعلاقات الدولية تقوم على تعدد الأقطاب
إن المتغيرات في المشهد الدولي أصبحت جليّة أكثر من أي وقت مضى وتبشّر بانبلاج مرحلة جديدة لا هيمنة فيها لقطب واحد، بل فيها أصوات متعددة، أصوات معبرة عن قوى دولية جديدة صاعدة أو ناشئة نجحت في تثبيت حقها في تقرير مصيرها وآمنت فوق كل ذلك بدورها ومسؤوليتها في حفظ السلم والأمن وتحقيق العدالة والكرامة وبالتالي فرض إعادة رسم خارطة العلاقات الدولية..
عمليا، لم يخف السفير الصيني شغفه بإقبال الشباب التونسي على تعلم اللغة الصينية والاهتمام بالثقافة الصينية وأعلن دعم هذا المسار لكونه يسمح ببناء جسر ثقافي وروحي بين الشعبين، وفي هذا الإطار يحل بيننا قريبا وفد من هيئه الإذاعة والتلفزيون الصيني لتفعيل ما تم الاتفاق بشأنه مع مؤسسة التلفزة التونسية وبقية مؤسسات الإعلام العمومي في تونس.
وكما هو معلوم لا تؤسس الصين علاقاتها على أساس التعامل العسكري والتسلح رغم الهواجس الأمنية المشتركة والحرص المشترك على مقاومة بعض المظاهر الخطيرة كالجريمة المنظمة والإرهاب وغسيل الأموال وغيره، بل تحرص على توسيع مجالات العمل المشترك في ما يهم البيئة والبنية التحتية والطاقات المتجددة والفلاحة والموارد المائية والتربية والتعليم والثقافة والنقل والصحة..
هنا تبرز النجاعة الصينية والحرص على الوفاء بالتعهدات وترجمة الأقوال الى أفعال مثل ما حصل مع وفد صيني رفيع المستوى حل ببلادنا والتقى بوزيرة التجهيز والإسكان والمكلفة بتسيير وزارة النقل مرفوقة بمستشار لدى رئيس الجمهورية، وزار الوفد عددا من المؤسسات الصحية كالمستشفى العسكري وموقع مشروع مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان وفي البال نجاح إنجاز المستشفى الجامعي بولاية صفاقس.
في نفس اليوم، الجمعة 7 جوان 2024، اجتمعت وزيرة الاقتصاد والتخطيط مع وفد من شركة «ساباتكو» السعودية الصينية المتخصصة في صناعة وتركيب التجهيزات ومعدات النقل الحديدي والبري من ذلك عربات نقل البضائع والحافلات والقطارات، وتدارس الجانبان مقترحات متصلة بالاقتناءات وبإمكانية إنجاز مشاريع التركيب والتصنيع في بلادنا..
ان هذه المقدّمات واعدة، والتقدم فيها وإنجاحها مسؤولية مشتركة بين البلدين بكل ندّية وعدالة حتى لا تتكرر صدمات شراكات سابقة أبرمتها تونس مع الاتحاد الأوروبي مثلا ومع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى لكنها ظلت تراوح مكانها، وتحولت في بعض الأحيان إلى أدوات للابتزاز ومسالك للتدخل في الشأن الداخلي للبلاد.
ومهم هنا أن نستحضر ما قاله سفير الصين من أن تونس تواجه صعوبات اقتصادية بسبب عوامل داخلية وخارجية وتحتاج الى مراجعة وتحسين الإجراءات لجلب الاستثمارات الأجنبية واستشهد بإشكاليات تعترض الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية على سبيل المثال وهو ما يجب ان تتلقّفه السلطة في تونس من أجل تنقية تشريعاتنا من كثير من المطبات والفراغات وتثوير الإدارة وحسن حوكمتها حتى تتوفر الأرضية المناسبة لتحقيق الأهداف الكبرى للاستراتيجيات المبرمة مع الأصدقاء والأشقاء على حد سواء.
ومهم أيضا هنا ونحن نتحدث عن العدالة وعن الندّية ان نشير إلى ان جمهورية الصين الشعبية بحاجة إلى تونس بقدر حاجة بلادنا لها ونحن لسنا كما قال السفير في مواجهة طرف ثالث.
إن وجود تونس في قلب المتوسط وربما في قلب العالم وربطها بين القارة الإفريقية والقارة الأوروبية ووجودها المحوري في العالم العربي يجعلها محل اهتمام القوى النافذة في العالم التي تريد أن تنمّي حضورها الدولي وتعرض صداقتها على الشعوب والأمم.
وتبدي الصين استعدادا كبيرا للعمل مع الدول العربية ومع الدول الافريقية، ولها سبق أو لنقل حظوة وثقة مهمّة نسبيا في هذه المناطق من العالم، لسبب لم يعد خافيا على احد وهو أن مجالات التعاون والعمل المشترك هي في أغلبها مجالات اجتماعية وعلمية وثقافية وإنسانية بخلاف ما يحدث في الشراكة مع غير الصين من «الأصدقاء» حيث يطغى الجانب الأمني على سبيل المثال والرغبة في الاستئثار بالمكاسب الخاصة.
إن الندّية والعدالة هي في تقديرنا وصفة العلاج السليم لواقع العلاقات الثنائية والجماعية في عالمنا اليوم.
عدد الشهداء في غزة في ارتفاع : نحو 44 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح
الصحافة اليوم (وكالات الأنباء) في آخر إحصائياتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن قوات الاحتل…