في اليوم الوطني و العالمي للبيئة «5 جوان»: «استعادة الأرض» ليست غاية صعبة المنال
تحيي تونس اليوم 5 جوان 2024 مع سائر بلدان العالم، اليوم العالمي والوطني للبيئة الذي تم الانطلاق في إحيائه منذ مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة في ستوكهولم عام 1972.
وقد كان من نتائج هذا المؤتمر المباشرة، بعث برنامج الأمم المتحدة للبيئة غير أننا بعد خمسة عقود ونيف لم نستكمل الأهداف المرسومة دوليا ومحليا لهذا البرنامج رغم التقييم الدوري ورغم إطلاق صفارات الإنذار كل سنة.
وطبيعي أن يستمر الحال على ما هو عليه، بل أخطر من ذلك يتدهور حال الأرض بما أن الأسباب ما تزال قائمة ومتفاقمة والشعارات المرفوعة سنويا وخطط العمل والمبادرات المثالية تظل أيضا حبرا على ورق، ويتمادى الأفراد والدول، وخاصة النافذة منها، في انتهاج السياسات المضرّة بالبيئة ومراكمة المخاطر التي تضاعفت مع الانحباس الحراري وشح المياه فأصبح خطر الفناء جاثما ومهدّدا للوجود الإنساني وهو ما جعل الأمم المتحدة تضع الاحتفال باليوم العالمي للبيئة هذا العام تحت شعار «استعادة الأرض» وذلك من خلال مكافحة التصحر وتعزيز القدرة على التكيف مع الجفاف.
ورسم مسؤولو الأمم المتحدة ثلاثة مسالك إن جاز القول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أولها توفير الماء وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة، وثانيها اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، وثالثها حماية النظم الإيكولوجية البرية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام..
وقد كانت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش واضحة هذا العام، فكلمة السر بالنسبة إليه في اليوم العالمي للبيئة هي إصلاح الأراضي ومواجهة التصحّر والصمود في مواجهة الجفاف.
وهذه المعادلة صالحة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية وليس بنو البشر أمام حرية الاختيار هنا، فإما مراجعة السياسات والخيارات أو استمرار الاستنزاف وتهديد مصير الكون وما عليه.
دوليا وإقليميا، الجميع أمام اختبار المصلحة المشتركة والجميع مسؤول على تحويل الأراضي السليمة في جميع أنحاء كوكبنا إلى صحار والنظُم الإيكولوجية المفعمة بالحياة إلى مناطق موت جراء التلوث والفوضى المناخية وانهيار التنوع البيولوجي واستنزاف صلابة الأرض التي تدعم النشاط الزراعي والنتيجة واضحة للعيان، تردي نوعية المحاصيل وتلاشي مصادر المياه وإصابة الاقتصاديات بالوهن وتعرّض المجتمعات المحلية للخطر ويكون الضرر أشدّ على الفقراء.
وطنيا، لا يختلف الأمر كثيرا، فكل الإشارات حمراء وفي أفضل الحالات برتقالية، فالتصحر على سبيل المثال يهدّد وفق وزارة البيئة حوالي ثلثي الأراضي التونسية والخشية من توسع محيط الجفاف الذي تحوّل إلى واقع حقيقي يؤثر بصفة مباشرة على الإنتاج الفلاحي وخصوصا الزراعات الكبرى والزياتين وتربية الماشية.
ومنذ سنوات بدأ الحديث الجدي عن الفقر المائي في تونس ويذهب البعض إلى حد إعلان دخول بلادنا مرحلة الشح المائي والأسباب كثيرة ومعلومة منها المناخ وندرة الأمطار والكثافة السكانية وسوء التصرف في الموارد المائية وضعف السياسات المائية.
وليست الصورة أفضل عند الحديث عن التلوث بشكل عام، ويكفي الرجوع إلى ما كشفته وزارة البيئة قبل فترة وجيزة حين تحدثت عن أصناف كثيرة من الحيوانات وخاصة الطيور والنباتات التي باتت مهدّدة بالانقراض دون أن ننسى الوضع الكارثي في المناطق الصناعية أين تجاوز التلوث نسبة 40 بالمائة، وفي بؤر بعينها مثل الحوض المنجمي وجهتي قابس وصفاقس بالإضافة إلى معضلة النفايات وتعد تونس للأسف من أكثر دول حوض المتوسط تلوثا بالبلاستيك.
والحقيقة أن جهودا رسمية وأخرى مدنية تبذل كل يوم وثمة وعي وحراك ومبادرات مكلفة تطلق هنا وهناك لكن نتائجها محدودة.
إن الجمعيات بمختلف أصنافها وكذلك الخبراء والمختصون دائمو الحضور ونفس الأمر بالنسبة إلى السلطة، ونشير هنا على سبيل الذكر لا الحصر إلى الاحتفال باليوم العالمي والوطني للبيئة في 5 جوان 2023 تحت إشراف رئاسة الحكومة ومشاركة كل من وزارة البيئة ووزارة التربية ووزارة الشؤون الثقافية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الفلاحة وطيف واسع من سفراء الدول الشقيقة والصديقة، وللأسف، لا نقلة نوعية في مواجهة المخاطر الجاثمة أو القادمة رغم أن التشريعات لا تنقصنا والمؤسسات أيضا وبالتالي لا مناص من الجدّية والوجاهة في العمل ويكفي من الأفكار غير المجدية كفكرة «الشرطة البيئية».
إن «استعادة الأرض» في تقديرنا ليست غاية صعبة المنال، وهناك شرطان متكاملان لتحقيق هذا الهدف المصيري، الأول اعتماد مقاربة تشاركية فعلية بعيدة عن الاستعراض والموسمية والتكرار والمنافسة بين القطاع العام والمدني والخاص، والثاني صياغة استراتيجية وطنية شاملة واقعية قابلة للتنفيذ وفق خارطة طريق وجدول زمني جليّ جلاء الشمس في كبد السماء كما يقال، مع الحرص والالتزام بالحضور الفاعل والمميز كذلك في كل المحافل الدولية دفاعا عن مصلحتنا الخاصة وعن المصلحة المشتركة.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…