قلنا مرارا وتكرارا ان أمننا الغذائي ركن أساسي من أركان أمننا القومي وان رهاننا على سيادتنا الوطنية في الآونة الأخيرة لا يمكن استكماله الا بتحقيق طفرة في المجال الفلاحي تحقق اكتفاءنا الذاتي من المواد الغذائية الأساسية.
ولذلك لزام علينا ان نولي الفلاحة الأهمية التي تستحقها وان نعتبرها من أوكد الأولويات في المرحلة الراهنة وهذا لا يكون إلا بإيلاء اهتمام كبير للملفات الفلاحية الحارقة.
وفي هذا الإطار يمكن تنزيل اجتماع رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا بكل من وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري السيد عبد المنعم بلعاتي وكاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالمياه السيد رضا قبوج.
وكان هذا اللقاء مناسبة للتباحث بشأن الكثير من القضايا المتصلة بالشأن الفلاحي. وفي مقدمتها البوادر المبشرة لصابة القمح اللين والصلب على حد سواء والتي تشي بأن الوضع افضل هذه السنة من سابقاتها بفضل كميات الامطار التي نزلت خلال هذا الموسم.
وهذا من المؤشرات الإيجابية وما علينا الآن سوى حماية هذه الصابة من كل المخاطر وفي مقدمتها الحرائق التي ترتبط بفصل الصيف ويجب تأمينها قبل موسم الحصاد الذي ينطلق كما هو معلوم في أواخر الشهر الجاري.
وفي سياق متصل تم التطرق خلال هذه المحادثة إلى موضوع المياه وبالتحديد مخزون السدود وتقدم انجاز سدود جديدة. وفي هذا الخصوص أكد رئيس الجمهورية على أنه من المهم تعهد هذه المنشآت المائية بالصيانة لأن بعضها غمرته الأتربة وأثُر هذا سلبا على طاقة استيعابه.
ومعلوم ان السدود أهملت تماما في السنوات التي عقبت أحداث 14 جانفي 2011 تماما مثلما طال الإهمال على شيء وبالتالي تحتاج الى إعادة التعهد والى التسريع في بناء سدود جديدة وفي مقدمتها سد وادي ملاق الجديد الذي يتم إنشاؤه بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية غير بعيد عن شيخ السدود ملاق القديم.
والأكيد أن ملف الموارد المائية من المسائل الحيوية كما نعلم جميعا خاصة وان بلادنا أصبحت منذ سنوات تعاني شحا مائيا لاسيما مع توالي مواسم الجفاف جراء التغيرات المناخية التي مسّت كل دول العالم تقريبا.
وفي السياق ذاته تم التطرق خلال هذا الاجتماع الى موضوع بالغ الأهمية أيضا وهو تحلية مياه البحر الذي يشكل حلا ناجعا من الحلول المقترحة لتفادي تداعيات الشح المائي. ووفق ما جاء في هذا اللقاء فإن مشروعي تحلية المياه بكل من الزارات من ولاية قابس ومشروع صفاقس قد أوشكا على الاكتمال. وهذا من المؤشرات الإيجابية قطعا التي سيكون لها أثر كبير على الموارد المائية في بلادنا. كما انه من المنتظر أن يتم التقدم في مشروعي محطتي تحلية المياه بكل من المهدية وجرجيس. هذا وتم النظر كذلك في موضوع الجمعيات المائية وضرورة سن تشريعات جديدة متعلقة بها للقطع مع بعض الممارسات الفردية التي تؤدي الى تضرر بعض الجهات او المدن من الانقطاع المستمر للمياه.
ولأن قطاع تربية الماشية من القطاعات الحيوية التي ترتكز عليها الفلاحة فكان من الطبيعي ان يتم التطرق الى موضوع الأعلاف وهو الذي يشكل معضلة بالنسبة الى الفلاحين والذي أثّر سلبا على توازن منظومة الألبان على سبيل المثال وليس الحصر.
وأكد رئيس الجمهورية في هذا الخصوص على ضرورة انطلاق الديوان الوطني للأعلاف في عمله لوضع حد لكل مظاهر الاحتكار الموجودة الآن في هذا المجال. والذي أضرّ كثيرا بقطاع تربية الماشية والدواجن وأثّر سلبا على توازن منظومة الألبان واللحوم والحمراء على حد سواء وأدى إلى ارتفاع مشط في الأسعار وفقدان للقطيع بشكل تدريجي.
وفي سياق آخر اهتم رئيس الجمهورية لدى اجتماعه بوزير الفلاحة وكاتب الدولة المكلف بالمياه بمسألة مهمة جدا وهي استصلاح الأراضي في الصحراء وزراعتها وهذا من المشاريع والرهانات الكبرى التي ينبغي الإشتغال عليها. ولنا في التجربة النموذجية برجيم معتوق خير عنوان دال. فالرهان ان تتحول الصحراء الى منطقة خضراء ليس حلما بعيد المنال بل هو مشروع ممكن الإنجاز. ومن شأن هذه المناطق إذا تم استصلاحها والاستثمار فيها ان تكون سلّة غذائية لتونس ولا تقتصر على انتاج التمور والزياتين فحسب بل يمكن أن تزوّد البلاد بالخضروات والغلال. ويمكن ان نمضي ابعد في الرهان الى الزراعات الكبرى في هذه المناطق ويبدو ان هذا الأمر مطروح وبجدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …