الكوفية الفلسطينية ليست مجرد غطاء للرأس أو الرقبة ينسب الى ارض الجبارين بل هي ذاك الرمز الأثيل الذي يختزل معاني الصمود والتضحية والنضال وهي إحالة على التحرر والانعتاق من ربقة المحتل الغاصب. وقد ظل الزعيم الراحل ياسر عرفات محافظا على ارتدائه الكوفية بطريقة مميزة على رأسه طوال سنوات عمره منذ ان كان شابا يافعا فدائيا حتى رئاسته لفلسطين.
ولذلك ترفع الكوفية في كل المظاهرات المساندة لفلسطين منذ الستينات حتى اليوم مرفوقة بالعلم الفلسطيني ومكتظة بمعاني التضامن النبيل.
والحقيقة اننا ما كنا لنذكر هذه المعطيات البديهية لولا بروز «تقليعة» في الأيام الأخيرة لا ندري من أطلقها لأول مرة وسرت مسرى النار في الهشيم. وهي بمثابة دعوة الى ان يرتدي كل تلاميذ الباكالوريا الكوفية الفلسطينية أثناء اجتيازهم لهذا الامتحان الوطني المهم جدا ليس بالنسبة الى الأسر فقط بل الى الدولة التونسية برمّتها. باعتبار ان هذه الشهادة ما تزال محافظة على «مقامها الرفيع» ليس لدى التونسيين فحسب بل لدى شركائنا سواء غربا وشرقا فهي تفتح الآفاق امام المتفوقين لإكمال دراستهم في كبريات الجامعات في العالم. وهي المفتاح الذي يخول للتلميذ التونسي ان يخوض المغامرة الاكاديمية ليصبح من الكفاءات في كل التخصصات. وبالتالي لا مجال للعبث تحت أي يافطة أو أي شعار خاصة إذا كان الامر يتعلق برمز مهم وغال على قلوب كل التونسيين.
والحقيقة ان وزارة التربية حسنا فعلت بقطعها الطريق على كل الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويسعون الى توظيفها للتغطية على الغش وللتمويه من أجل التحيل. وإذا كان البعض قد ساند هذه المبادرة عن حسن نية وعن رغبة حقيقية في مساندة الفلسطينيين ودعم حقهم المشروع فإن الغالبية العظمى تنشط في شبكات «الغش» المنظمة التي تهدف الى تسهيل عملية التحيل على المراقبين عبر إخفاء بعض الأدوات المستعملة تحت الكوفية.
لكن الأمر انفضح وبدا واضحا ان هذه «الحركة التضامنية» في بعدها الأول تخفي مآرب أخرى وهي أعدّت خصيصا لغايات في «نفس يعقوب» خاصة بعد أن «ازدهرت» في السنوات الأخيرة تجارة الغش الالكتروني وأصبحت تضم أطرافا عديدة تنشط في شكل شبكات رغم الحملات التحسيسية والتوعوية التي تطلقها وزارة التربية في كل سنة.
المهم أن بلاغ وزارة التربية جاء واضحا لا لبس فيه وهو ينهي أي مزايدة في هذا الخصوص. فمعلوم ان تونس من أكثر البلدان العربية التي اتخذت موقفا منحازا بشكل لامشروط للحق الفلسطيني ودعّمت المقاومة بوضوح وفي كل المحافل وكان توجّه رئيس الجمهورية قيس سعيد داعما دونما قيد او شرط. والموقف التونسي المشرّف والمتقدم جدا بالمقارنة مع الكثير من البلدان لا يقبل المزايدة. لكن لا ينبغي ان نتخذ قضيتنا المركزية مطية لتسهيل الغش في امتحاناتنا الوطنية والتأثير سلبا على مصداقية شهاداتنا العلمية.
إذن جاء في بلاغ وزارة التربية أنه يمنع ارتداء الكوفية أو أي لباس مثير للشبهة بمعنى شبهات الغش بالنسبة الى التلاميذ الذين سيجتازون امتحان الباكالوريا. وشددت الوزارة على أن هذا البلاغ «لا يتعارض مع مواقف رئيس الجمهورية المشرّفة والمنحازة لكل شعب مقهور في العالم».
وفي السياق ذاته دعت وزارة التربية الأولياء والتلاميذ الى ضرورة الامتثال لهذه التعليمات وذلك من أجل تفادي التعرض للعقوبات التي أكدت وزارة الإشراف انها ستطبّق بصرامة على المخالفين وذلك تجنبا للغش وحفاظا على مصداقية الشهادات التونسية.
مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها : ..والعدل أساس العمران..
هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران» للت…