ما بعد مشاركة تونس الإيجابية في منتدى التعاون الصيني العربي: تفعيل الشراكة الاستراتيجية
احتضنت جمهورية الصين الشعبية خلال الأيام القليلة الماضية منتدى التعاون العربي الصيني بحضور ممثلي 22 عضوا في جامعة الدول العربية، وبرز الحضور رفيع المستوى في مشاركة رؤساء تونس والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر كما أجمعت أغلب التقييمات الأولية على أهمية «الحدث» ومخرجاته والحصاد الذي تحقّق للأطراف المشاركة فيه.
وكما هو معلوم فقد تأسّس هذا المنتدى عام 2004 بمبادرة من الرئيس الصيني السابق هو جين تاو خلال زيارته لمقر الجامعة العربية في القاهرة، ومنذ ذلك التاريخ انتظمت اجتماعات المنتدى وتعزّزت الشراكات سواء بين الصين والمجموعة العربية بشكل عام أو بين الصين والبلدان العربية كل على حدة مع تعاظم قوة ودور العملاق الآسيوي وتموقعه كفاعل رئيسي في المشهد الدولي خصوصا بتصدر الترتيب الدولي كأول اقتصاد في العالم بعد هيمنة أمريكية وغربية مطلقة استمرت عقودا من الزمن.
وتعتبر المشاركة التونسية في دورة هذا العام من المنتدى، مبدئيا، إيجابية الى أبعد الحدود بالنظر الى الحصاد الذي غنمته بلادنا، والذي حققته جمهورية الصين الشعبية من الجهة الاخرى فالأمر يتعلق ببساطة بعلاقات بين «أصدقاء» وبمصلحة مشتركة نحرص من جانبنا على الأقل على أن تكون متكافئة وعادلة، ليس لصالح الشعبين فقط وإنما لغيرنا من الشعوب كذلك.
دروس الماضي
ولنتفق أولا، ان ما توصّلت اليه تونس والصين في هذا المنتدى من تعزيز للشراكة ليس مفاجأة ولا منّة أيضا من هذا الطرف أو ذاك، فتونس بحاجة الى جمهورية الصين الشعبية بقدر حاجة هذه الأخيرة وهي تنجز حلمها التاريخي في استعادة تثبيت طريق الحرير الى بلد يقع في قلب العالم دون مبالغة في حوض المتوسط تحديدا بين القارات الإفريقية والأوروبية والآسيوية وكان وما يزال عبر التاريخ ملتقى للحضارات وتواصل الشعوب ومراكمة التجارب الإنسانية.
ثانيا، بمنطق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية، وأمام هذه المتغيرات التي أصبحت جليّة أكثر من أي وقت مضى وتبشّر بانبلاج مرحلة جديدة لا هيمنة فيها لقطب واحد، بل فيها أصوات متعددة، أصوات معبرة عن قوى دولية جديدة صاعدة أو ناشئة نجحت في تثبيت حقها في تقرير مصيرها وآمنت فوق كل ذلك بدورها ومسؤوليتها في حفظ السلم والامن وتحقيق العدالة والكرامة في العالم وهو ما توافق حوله بنو البشر بعد الحرب العالمية الثانية لكن سرعان ما احتكر الغرب الليبرالي القيادة فسقطت تلك القيم بسقوط جدار برلين وكان لزاما علينا أن نعيش المآسي المتكررة في ربوعنا العربية وفي افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية حتى تنهض شعوب ودول أخرى تكسر الاحتكار وتفرض إعادة رسم خارطة العلاقات الدولية، ويُحسب للشعب الفلسطيني أنه ساعد كثيرا في تحريك المياه الراكدة وفي تحقيق هذا الفرز بين الحق والباطل بخوضه ملحمة الطوفان الأقصى بعد عقود من الصمود والتضحيات.
ثالثا إن توصّل تونس وجمهورية الصين الشعبية الى إبرام اتفاقية شراكة استراتيجية بالتزامن مع مرور ستة عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خطوة تعكس محورية بلادنا وأحقّيتها في علاقات متقدمة مع الأصدقاء وهو ما حصل في وقت سابق مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما..
شروط النجاح
وللأسف خضعت فكرة تعزيز الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي للابتزاز وظهر بالكاشف أن «الأصدقاء» في شمال المتوسط أبدعوا في ابتكار العوائق والعراقيل لتعطيل هذه الخطوة، فكانوا قبل 2011 يتذرعون بانتهاكات حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية، ثم جاءت الحقوق والحريات في الديمقراطية الناشئة وخذل «الأصدقاء» أصدقاءهم في تونس وما يزال البحث جار عن سبب عدم تمكين تونس من مرتبة «الشريك المتميز» وفي المقابل مواصلة الضغط لفرض تمرير اتفاق «الأليكا» سيّئ الذكر. مع الولايات المتحدة الأمريكية لم يختلف الأمر كثيرا، وها نحن بعد عشر سنوات تقريبا من توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية أيضا زمن الرئيس السابق الباجي قايد السبسي وتحديدا في 20 ماي 2015، نتساءل عن حصاد هذه الشراكة، فباستثناء بعض المساعدات العسكرية في إطار ما يعرف بالحرب على الإرهاب لم ترتق الصداقة الى فعل استراتيجي حقيقي ولعل أبرز دليل على ذلك تلكؤ الادارة الامريكية في دعم بلادنا في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض منذ خمس سنوات رغم ظروفنا الصعبة وانعكاس الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على التجربة الديمقراطية التي تزعم واشنطن إنها تدعمها.
رابعا، وهذا هو الأهم في تقديرنا الآن، وبالرجوع الى نص البيان المشترك فإن شرح أسباب هذه الشراكة الإستراتيجية بين تونس وجمهورية الصين الشعبية واضح وكذلك الأهداف والنوايا الطيبة وخاصة مجالات التعاون والعمل المشترك وهي في اغلبها مجالات اجتماعية وعلمية وثقافية وإنسانية بخلاف ما يحدث في الشراكة مع غيرها من الأصدقاء حيث يطغى الجانب الأمني على سبيل المثال والرغبة في الاستئثار بمكاسب فردية على حسابنا.
في ديباجة البيان المشترك، إقرار واعتراف بالخيارات المتصلة بالشأن الداخلي لكل دولة، فتونس تقرّ بشرعية حكومة جمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي ووحيد للصين بأكملها وبأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وبدورها تدعم بكين «الإصلاحات والإجراءات السيادية» التي اتخذتها تونس بقيادة قيس سعيد بعد 25 جويلية 2021.
أما في ما تبقى من البيان، فالنقاط كانت واضحة والتقارب شديد في وجهات النظر بشأن القضايا الثنائية وأحقية الصين في الاضطلاع بدورها وتحقيق أهدافها الخاصة وأهمية استفادة تونس من صداقتها معها لتحقيق أهدافها أيضا، ونفس الأمر بالنسبة إلى القضايا الدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية..
وكخطوة أولى لترجمة هذه الشراكة، تم كما هو معلوم التوقيع على جملة من اتفاقيات التعاون بين تونس والصين في المجالات الاقتصادية والفنية والاستثمار والبيئة والإعلام والثقافة..
أما الآن، وحتى لا تظل النوايا الطيبة معلقة وخاضعة لإرادة منظومات الحكم، وعرضة أيضا للإكراهات والضغوط في بيئة دولية اقل ما يقال فيها أنها وعرة ومعقدة، وحتى تتم ترجمة محتويات هذا البيان المشترك وتفعيل هذه الشراكة الاستراتيجية لا مناص من المضي قدما في إعداد مخطط عمل وخارطة طريق تفصيلية تتضمن أيضا جدولا زمنيا ومنهجا للتقييم لتنفيذ البرامج وتحقيق الأهداف المشتركة، ولم لا استغلال أول مناسبة للقاء مسؤولي البلدين لتوقيع هذا المخطط وتحويله إلى كراس شروط عمل يمكن الاستئناس به في رسم العلاقات مع بقية الدول وتقديم الإضافة في هذا المشهد الدولي المتحرك كما أسلفنا الذي لم يعد بإمكان أحد أن يتجاهل ديناميكيته وأهمية ما سيفضي إليه في قادم الأشهر والسنوات.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…