2024-05-30

يعتمد في العالم المتقدم بصفة مكثفة : أي دور للذكاء الاصطناعي في تطوير الفلاحة وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي ؟

تعد الفلاحة  أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي والتونسي ، وتواجه عديد التحديات والصعوبات باعتبار انها مازالت في طور الفلاحة البدائية البعيدة كل البعد عن التطور العلمي الحاصل في العالم وفي المجال الزراعي تحديدا. وتلعب التكنولوجيا دورًا متزايد الأهمية في تحسين إنتاجية ونوعية المحاصيل، وتحسين استخدام الموارد. وفي الآونة الأخيرة أضحت تكنولوجيا تطبيقات الذكاء الاصطناعي ذات تأثير واضح جدا في القطاع الفلاحي. فكيف يمكن لتونس الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في الاكتفاء الذاتي الغذائي؟

تعتبر التكنولوجيا العصرية مفتاح التنمية الاقتصادية في العصر الحاضر, حيث بعد اكتساحها القطاع الصناعي في القرن العشرين تداركت أمرها وتوسعت لتشمل مجال الخدمات باختلاف أنواعها ثم تحولت لتجعل من الفلاحة غايتها الأساسية. لقد لعب الذكاء الاصطناعي في هذا المضمار منذ بداية الألفية دورا هاما في تحسين إنتاجية المؤسسات الاقتصادية وتحقيق التنمية الشاملة, حيث مكنت الرقمنة ووسائل التواصل الجديدة الفلاحين ومربي الماشية والعاملين في الصيد البحري من القيام بنشاطهم عن بعد ومراقبته والتحكم فيه باستعمال الروبوتات والحواسيب والإعلامية عبر شبكات الاتصال التي جعلت من كل بعيد قريبا ومن كل مستحيل ممكنا.

مزايا توظيف الذكاء الاصطناعي في الفلاحة

يرى أستاذ الاقتصاد والمالية السيد عبد الحميد الزيدي ان لتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الفلاحي  مزايا عديدةباعتباره مؤشرا من مؤشرات التطور العلمي الملحوظ الذي يشهده العالم, حيث  أمسى لغة العصر وآلة الإنتاج العصرية في الحقول النموذجية ووحدات الإنتاج المختصة في تربية السمك والحيوانات من دجاج وأغنام و أبقار وغيرهم. لقد أمست الفلاحة البعلية والسقوية البيولوجية والعادية صناعة الكترونية تطبق فيها الأوامر عن بعد حسب البرمجة الإعلامية التي لا تستحق التذكير وتسدي الأوامر للآلات الفلاحية لتقوم بري النباتات بالحدائق والمساحات الزراعية والمغروسة بأشجار مثمرة وغابية.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الحميد الزيدي إن هذه الطرق الحديثة التي لم يتعود عليها آباؤنا وأجدادنا هي الدارجة الآن في جميع البلدان المتقدمة التي أصبحت لا تعترف باستخدام الأرض والتربة بل تكتفي بالماء والضوء داخل البنايات الشاهقة وناطحات السحاب لتمون سكان المدن الكبرى بالخضر والغلال والبقول واللحوم والأسماك والبيض والحليب والجبن وكل ما يحتاجونه من مواد غذائية أساسية وتكميلية. هذه الموجة التي اكتسحت العالم بأسره تمر بتونس التي ليست بمنآى عما يحدث في  بلدان الجوار وخاصة الجزائر التي قطعت أشواطا في ترسيخ الفلاحة العصرية التي تستعمل الذكاء الاصطناعي وكذلك الشأن بالنسبة للمغرب التي تقدمت علينا باستثماراتها الضخمة في الطاقة الشمسية الموظفة في القطاع الفلاحي, وهذا له تأثير مباشر على الناتج المحلي الإجمالي ونسبة النمو الاقتصادي, وعلى إحداث مواطن الشغل والتصدير وقبل ذلك بلوغ الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي بتوفير السلع وتوزيعها على الأسواق بجميع جهات الجمهورية عبر مسالك رسمية لا يطالها الاحتكار ولا يتلاعب بها التجار في سوق سوداء بأسعار خيالية تضر بالقدرة الشرائية للمواطن التونسي وتهيبه بالبحث عنها والاصطفاف في طوابير تذهب العقل وتضيع الوقت وتحرج الكبار والصغار.

ويتابع قوله: «نحن نتحدث عن الذكاء الاصطناعي الفلاحي في بلد لا تتوفر فيه المواد الغذائية الأساسية مثل الفرينة والزيت والسكر والقهوة والأرز وغيرها من الضروريات في حياة العائلة بغض الطرف عن الغلاء الذي فاق كل الحدود وبلغ 4 و 5 أضعاف الأسعار منذ بضع سنوات وهي نقطة استفهام من واجب الحكومة الاهتمام بها لأنها تمس بقفة العائلة ذات الدخل المتوسط والضعيف التي تعالت نسبتها لتصل لـ 92.5 بالمائة حسب ما ورد في تقارير الخبراء».

كيف نستفيد من الذكاء الاصطناعي؟

ولكي تستفيد تونس من الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات بما في ذلك المجال الفلاحي, يتابع محدثنا قائلا: «المطلوب من الدولة دعم الاستثمار في هذا القطاع وتوفير التمويلات الضرورية خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تشكو حاليا صعوبات كبرى على غرار مشاريع العلف وتربية الماشية ونحن على أبواب عيد الإضحى, التونسيون أصبحوا يحلمون بشراء كبش العيد ولا يرون غير ظله, وهذا أمر مؤلم للصغار والكبار. علما وأنني اقترحت على رئيس الجمهورية مبلغ 20 مليار دينار للنهوض بالقطاع الفلاحي في تونس وهذا يعني جميع المؤسسات الفلاحية دون استثناء ويشجعها على استعمال الذكاء الاصطناعي بما من شأنه تحسين القيمة المضافة والزيادة في الإنتاج وبالتالي الترفيع في نسق النمو الاقتصادي الوطني وفي تشريك كفاءاتنا الوطنية وخبراءنا لتحقيق المصلحة العليا لتونس ألا وهي تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي».

تطوير الفلاحة عن طريق الذكاء الاصطناعي

وضح أستاذ التعليم العالي بجامعة المنستير  إبراهيم حنيش والمختص في الذكاء الاصطناعي, أن التغيرات المناخية الكبرى التي شهدتها تونس خلال السنوات الأخيرة من شح مائي وندرته وسوء استغلال المياه الموجودة وظهور حشرات جديدة تهدد محاصيلنا الزراعية,يمكن تخطيها والحد منها باستعمال الذكاء الاصطناعي الذي أصبح قادرا على مساعدتنا على مواجهة هذه الافات والتغيرات المناخية بطرق سهلة وفعالة. فاستعمال وتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الفلاحي  سيساهم بقسط كبير في تحويل الفلاحة في تونس من فلاحة شبه بدائية الى فلاحة عصرية ومتطورة بإنتاجية عالية تحد من عجزنا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وتقلص  من عملية التوريد وكذلك  سيساهم في خلق آلاف مواطن الشغل الجديدة ويساعد الشباب على تخطي البطالة.

ويمكن أن نحوصل مزايا استعمال الذكاء الاصطناعي في المجال الفلاحي في النقاط التالية: أولا مراقبة صحة المحاصيل والتربة, حيث  يمكن للطائرات دون طيار التقاط بيانات الصور الجوية التي يمكن استخدامها لمراقبة ظروف المحاصيل والتربة. ويمكن تحليل هذه البيانات لتقديم رؤى حول صحة المحاصيل، ونوعية التربة، ومراحل النمو.

ثانيا الكشف عن الحشرات و أمراض النباتات, وذلك  بتطوير الخوارزميات على اكتشاف الآفات والأمراض في المحاصيل. وهذا يمكن أن يساعد الفلاحين على اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب لمنع انتشار الأمراض وتقليل تلف المحاصيل.

ثالثا مراقبة صحة الماشية, عن طريق استخدام أجهزة الاستشعار عن بعد  لمراقبة صحة الماشية. وهذا يمكن أن يساعد الفلاحين أيضا  على اكتشاف العلامات المبكرة للمرض واتخاذ التدابير الوقائية لضمان سلامة حيواناتهم.

رابعا الرش الذكي للمبيدات بأن يقع  استخدام رشاشات المبيدات  لتطبيق المبيدات الحشرية والأسمدة بشكل أكثر كفاءة. ويستخدم  الكمبيوتر للكشف عن مواقع المحاصيل المتضررة وتطبيق الكمية المناسبة من المواد الكيميائية عند الحاجة فقط وهذا بدوره سوف يقلل من الاثار الجانبية الضارة للرش المفرط للمبيدات الكيميائية.

خامسا إزالة الأعشاب الضارة تلقائيًا باستخدام الروبوتات لتحديد وإزالة الأعشاب الضارة من الحقول. اذ يمكن أن يساعد هذا في تقليل الحاجة إلى مبيدات الأعشاب والعمل اليدوي.

سادسا المسح الجوي والتصوير, حيث تستخدم الطائرات دون طيار لالتقاط صور عالية الدقة للحقول والتي  تستعمل لإنشاء خرائط تفصيلية لصحة المحاصيل ورطوبة التربة والعوامل الأخرى التي تؤثر على نمو المحاصيل لاحقا.

سابعا تصنيف المنتجات الزراعية وفرزها, وذلك  بتطوير الخوارزميات لتصنيف المنتجات وفرزها بناءً على الجودة والحجم وعوامل أخرى. وهذا بدوره سوف يساعد في تقليل النفايات وضمان وصول المنتجات عالية الجودة فقط إلى السوق.

نختم لنقول إن مستقبل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الفلاحة في تونس واعد. وأن تبني تونس لهذه التقنيات سوف يقود بشكل متزايد لتحسين انتاجها الفلاحي، وتقليل النفايات، وتحسين استخدام الموارد الطبيعية واستدامتها, فهل ستنجح تونس في هذا التحدي الجديد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الأسبوع العالمي للتغيرات المناخية والمناطق الرطبة : كيف نحمي تونس من الجفاف والتغيرات المناخية؟

التأم بالعاصمة تونس أواخر الأسبوع الفارط  المنتدى الدولي الأول لمشاريع المناطق الرطبة والأ…