قمم الزعماء، قمم النواب، وقمم الشعوب العربية.. الفجوة بين حماسة الأقوال والأفعال في اتّساع
اختتم مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي السادس والثلاثون أعماله مساء أول أمس الاثنين 27 ماي 2024 في الجزائر العاصمة بعد يومين من النقاش الذي هيمنت عليه مستجدات القضية الفلسطينية والأوضاع الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية.
وصدر البيان الختامي تحت مسمى «إعلان الجزائر» في لغة عربية قحّة وبمعجم لغوي مألوف لم يخرج عن دائرة التنديد والشجب والإشادة والتنويه بطبيعة الحال مع منسوب مرتفع من الغضب من ممارسات الكيان الصهيوني ومن تقصير ـ أجل تقصير ـ المجتمع الدولي، مع تبني توصيات تلبّي طموحات الشعوب في جميع الأقطار العربية أمس واليوم وغدا..
وقبل أيام، أصدر زعماء الدول العربية بدورهم، في ختام الدورة العادية الـ33 لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة «بيان المنامة» يوم 16 ماي 2024، ركّزوا فيه على الحرب في غزة والصراع في السودان والأوضاع في سوريا وليبيا والصومال ولبنان وبعض التحدّيات الإقليمية والدولية الأخرى.
ولا يقل بيان الزعماء في المنامة فصاحة وبلاغة وأحلاما عن إعلان الجزائر الذي صاغه نواب الشعوب، وتم تداول المدونتين في مختلف وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية وأبرز كل محمل إعلامي «نقاط القوة» أو «الوهن» وفق الخطوط التحريرية.
على أن رسم الخطوط في المدونات المكتوبة «الرسمية» يختلف عن رسمها في الشوارع والساحات العامة، أين تترجم الشعوب قناعاتها في الواقع دون قفازات لغوية وضوابط بروتوكولية، بعبارة أدق، تسمّي الشوارع الأشياء بأسمائها ولا تقف كثيرا عند الإكراهات والحسابات.
وحتى نعطي لكل ذي حقّ حقّه، فإن مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي كان في بيانه أكثر جرأة في دعم المعركة التي تخوضها بعض الدول في العالم ومن ضمنها الجزائر ـ عربيا ـ من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة وهناك تقدم في فهم واستيعاب ما يعرف بـ«الدبلوماسية البرلمانية».
وقد قدم الوفد البرلماني التونسي للتاريخ مقترحا عمليا جيّدا في هذا السياق، يتمثل في التوجه إلى العالم وزيارة دول بعينها لشرح وجهة نظر العرب ورفع اللبس وفضح العدو وبالتالي كسب الأصدقاء وتوسيع دائرة المنتصرين للحق الفلسطيني وتضييق دائرة حياة العدو ونفوذه.
وطبيعي أن تعبّر البرلمانات العربية التي تمثل في النهاية منظومات الحكم القائمة عن رفضها القاطع لما تعتبره تدخلا خارجيا في الشؤون الداخلية للدول العربية وتسييسا لملف حقوق الإنسان ومحاججة الغرب بمأساة غزة وانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة وجريمة الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني.
ومن هذا المنطلق وقفت، بل غابت المقترحات العملية في بيان القمّتين وغابت خطة العمل وخارطة الطريق مقابل استحضار الشعارات والحلول التي تجاوزها الزمن وأصبحت بالفعل «كادوك».
وفي الوقت الذي تحدث فيه الزعماء والنواب عن حل الدولتين وعن الشرعية الدولية وكرروا مفردات معاجمهم القديمة الجديدة، كانت شعوب عربية تملأ الساحات وتهتف باسم فلسطين من النهر إلى البحر وتحيّي المقاومة وتثمّن تضحياتها وتدعو الأنظمة إلى الارتقاء في مواقفها وأفعالها بالخصوص لترجمة شعاراتها ومدونات قممها.
وفي نفس هذا الوقت كان شعب الجبّارين، يتطلع إلى هذه القمم دون أدنى شك، لكن في تقديرنا لم يكن له أدنى وهم في أنها قد تغير نهج منظميها وعملهم حتى يتداركوا أمرهم ليجاروا ويسايروا التاريخ الذي يكتبه المنتصرون، والمنتصرون الآن هم الفلسطينيون رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه على مدار الساعة.
وبالرجوع الى القياس والمقارنة فإن الهوة والفجوة بين حماسة الأقوال والأفعال في اتّساع، ليس بين قمم الزعماء والنواب من جهة، ومن جهة ثانية الشوارع والساحات العربية وشعوب المنطقة فقط التي ما يزال بعضها تحت وطأة الصمت غير المبرّر، بل شعوب الأرض قاطبة، في أمريكا اللاتينية وفي قلب الولايات المتحدة نفسها وداخل جامعاتها وفي أوساط شبابها، وفي آسيا وأوروبا وقارتنا الإفريقية التي قدمت فيها دولة جنوب افريقيا لوحدها أكثر وأهم ممّا قدمه النظام الرسمي العربي برمّته لفلسطين والإنسانية بجر الكيان الصهيوني أمام العدالة الدولية.
كم هو مؤلم أن ينشد المواطن العربي البسيط والمواطن البسيط في مشارق الأرض ومغاربها الدخول إلى فلسطين المحتلة، إلى غزة العزة بالذات للوقوف في وجه تتار العصر وإسناد الفلسطينيين في الوقت الذي لم يتجرأ فيه حاكم عربي أو نائب عربي على الإقدام على هذه الخطوة.
الثابت اليوم في تقديرنا أن قمم الزعماء والنواب على حد سواء تجتر بياناتها الجميلة دون تحيينها، ودون الأخذ بعين الاعتبار أن متغيرات كثيرة تقع على الأرض وأن ما قبل 7 أكتوبر 2023 ببساطة ليس كما بعده، وملحمة طوفان الأقصى ليست مجرد موقعة في هذه الحرب طويلة المدى مع الكيان الصهيوني ولكن نقطة مفصلية بين الحق والباطل وبين العدل والضيم وبين الإنسانية وأعدائها.
بعد عقد ونيف : لا مبرّر لبقاء الأملاك المصادرة على حالها..!
تعرّض رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه برئيس الحكومة كمال المدوري يوم الخميس الماضي بقصر…