في السابع من أكتوبر الماضي عندما شنت حركة حماس هجومها المباغت على المستوطنات الإسرائيلية كان السؤالان اللذان طرحهما الكل دون استثناء بعد أن أفاق من هول المفاجأة: ما هو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون وأي مكاسب قد يحققونها؟
مضت الأشهر طويلة منذ ذلك اليوم الذي صدم الجميع ومع مضي الأيام والأسابيع ثم الأشهر، كان جليا أن الثمن سيكون باهظا وأن الفلسطينيين سيدفعون دون تقسيط أو تأخير: 35 ألف شهيد ونحو 100 ألف جريح وقطاع مدمر بالكامل وأكثر من مليون ونصف مشرد يترصد بهم شبح الموت في أي لحظة مع تصميم الاحتلال على تنفيذ عملية برية واسعة في رفح أين يتكدسون وسط الخيام أو في العراء.
لكن هذا الدم الفلسطيني الغزير الذي روى القطاع وهذه المأساة التي وصفت بأنها الأبشع في التاريخ الحديث ربما لم تكن بلا نتيجة فاليوم يقف العالم على بشاعة الاحتلال واليوم صار صوت القضية عاليا في المنابر الدولية رغم كمّ الانحياز الكبير الذي يبديه الغرب ومن يدّعي انه العالم الحر للاحتلال واليوم بات أكثر من ثلثي دول العالم يعترفون بدولة فلسطين.
في وقت لم يكن يتخيل فيه أحد ان تقع مساءلة إسرائيل المدعومة من اقوى دولة في العالم نجحت دولة جنوب افريقيا في ان تقود الاحتلال امام محكمة العدل الدولية وأن تجعل من محاكمته من أجل تهمة الإبادة الجماعية حدثا يتابعه العالم ويتفاعل معه ويقف من خلاله على فظاعة ما يرتكبه من مجازر وثّقتها المحكمة ووثّقها التاريخ أيضا.
ومن لاهاي وجدت محكمة العدل الدولية نفسها مجبرة على الوقوف الى جانب الحق الفلسطيني وفي قرار وصف بالتاريخي على رمزيته أجبرت إسرائيل على الالتزام بعدم ارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، وها هي اليوم وفي ظرف أشهر قليلة تعيد النظر في قضية جديدة بشأن عملية رفح توثق من خلالها فظاعة وبشاعة الكيان المحتل الغاشم.
ومن لاهاي أيضا جاء الأسبوع الماضي قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير دفاعه كمجرمي حرب في خطوة ربما لم يكن ليتخيلها أكثر المتفائلين قبل السابع من أكتوبر الماضي.
إن الاعتراف اليوم بفلسطين دولة من عدد من الدول الأوروبية والذي يأتي بعد أيام من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، قد يكون بداية تحول سياسي مهم على المستوى الدولي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني المشروع، وفي حقه في دولة مستقلة وفي تقرير مصيره.
إن هذه الاعترافات المتتالية ليست سوى ثمرة للصمود الأسطوري للفلسطينيين ولكل الدماء التي سالت على أرض فلسطين وخصوصا تلك التي روت تراب قطاع غزة خلال سبعة أشهر من التقتيل الممنهج أثبتت قدرة الشعب الفلسطيني على افتكاك حقوقه المغتصبة.
إن هذا الاعتراف التي يأتي اليوم من قلب أوروبا هو في الحقيقة انجاز للشعب الفلسطيني الصامد الذي أصرّ رغم كل ما واجهه من آلة قتل مدمرة كانت تبحث على طمس قضيته بأي شكل من الأشكال على التمسك بحقوقه وعدم الانكسار.
لسنا نبالغ إن قلنا إن هذه الاعترافات المتتالية والتي تأتي في ظرف قصير ستفتح الباب أمام اعترافات جديدة بدولة فلسطين وستساهم إلى حد كبير في مزيد عزل الاحتلال رغم كل الدعم الذي يلقاه من القوى الدولية العظمى.
ربما تكون فاتورة الحرب على غزة باهظة جدا لكن ما تحقق منذ السابع من أكتوبر يعيد الأمل بأن هناك فجرا سيشرق يوما ما وأن التاريخ سينصف الشعب الفلسطيني مهما طال الأمد.
مع الأحداث : قمة المناخ بأذربيجان.. أي انتظارات في غياب كبار الملوثين؟
تحتضن أذربيجان قمة المناخ «كوب 29» من أجل بحث سياسات تحد من تأثير التغير المناخي خصوصا على…