2024-05-22

التلوث البيئي يغزو البر والبحر والجو… هــــل اســـتـــعـــصـــت الـــحـــلــــول ..؟

كغيره من الملفات المسكوت عنها الى اليوم والتي لم تجد بعد طريقها نحو الانفراج يعود الملف البيئي ليحتل مع كل مناسبة عالمية أو وطنية ،صدارة الاهتمامات سواء من قبل المسلط المعنية  او من قبل وسائل الاعلام…

لكن على أرض الواقع الحقائق تبدو مؤلمة جدا عندما نجد أن  الأوساخ قد غزت  كل أرجاء البلاد وعكرت صفو هوائها ونقائه ولوثت  شواطئها وشوارعها الى درجة أصبحت تنعدم معها الراحة خاصة مع حلول فصل الصيف الذي أصبح من أثقل أشهر السنة بسبب الازعاج الذي تسببه جحافل «الناموس» والحشرات السامة والروائح الكريهة المنبعثة من المصبات العشوائية غير المراقبة التي تفاقمت بشكل كبير في مختلف المناطق …ويتجه الوضع البيئي في بلادنا  نحو مزيد من التدهور في ظل  غياب استراتيجية وطنية أو سياسة بيئية قوية قادرة على حماية المحيط ومنع انتشار التلوث وارتفاع مستويات التلوث هو حقيقة لا غبار عليها ومظاهره لا حصر لها وقد اصبحت من بين اهم الأولويات التي يجب التصدي لها سريعا بإيجاد الحلول الناجعة خاصة عندما تصبح المسألة متعلقة بحياة المواطن فيكفي  أن نعلم بأن حادثة تسرب انبعاثات غازية من المنطقة الصناعية بقابس تسبب مؤخرا في تسجيل حالات اختناق في صفوف بعض تلاميذ المدرسة الإعدادية ابن رشد بغنوش الملاصقة للمنطقة الصناعية ،لندرك جيدا بأن  المسألة أصبحت خطيرة ولا تحتمل التأجيل  وهو ما اكده الناشط البيئي خير الدين دبية عضو حملة «أوقفوا التلوث » على الصفحة الرسمية للحملة ،الذي دعا الى التعبئة والتحرك في شهر جوان القادم في قابس من اجل ايجاد حلول ناجعة خاصة وانها ليست المرة الاولى التي تحدث فيها مثل هذه التسربات الغازية حيث تم تسجيل حالات اختناق يوم 29 أفريل الفارط بسبب انبعاثات غازية .ودعت الحملة  في بيان لها النيابة العمومية إلى فتح تحقيق حول ملابسات حادثة «التسربات الغازية الكبيرة من وحدات المجمع الكيميائي التونسي»، واعتبرت حملة «أوقفوا التلوث» أنّه يجب أن تتم «المحاسبة القانونية للمتجاوزين من مسؤولين صلب المجمع الكيميائي التونسي»، مؤكدة أنّ هذه الحادثة تعدّ «جريمة متجددة، جرّاء تسربات غازية كبيرة من وحدات المجمع الكيميائي التونسي، المنتهية صلاحيته، والفاقد لمشروعية وجوده منذ قرار تفكيكه في 29 جوان 2017» .

وأشار بيان الحملة إلى أنّ المنطقة شهدت سلسلة من التسربات الغازية متفاوتة الخطورة طوال الأسابيع الفارطة في منطقة شط السلام وبوشمة وغنوش وقابس المدينة، كان آخرها التسرّب الذي استوجب تدخل سيارات الإسعاف وقوات الحماية المدنية لنقل 15 تلميذًا بالإعدادية المذكورة، لتلقي الإسعافات بينهم 3 حالات خطيرة تم نقلها للمستشفى الجهوي بقابس لإنعاشها بالأوكسيجين.كما دعا الحراك في السياق نفسه، السلطة السياسية القائمة إلى «تنفيذ القرارات السابقة وعلى رأسها قرار 29 جوان 2017 القاضي بتفكيك الوحدات، والكف عن سياسة الوعود والمماطلة»، مطالبًا المجتمع المدني في قابس، بالتنسيق والعمل المشترك في المدة المقبلة لبحث التحركات الميدانية اللازمة من أجل وقف ما وصفها بـ«المهزلة المتواصلة والجرائم في حق الجهة والمطالبة بالتنفيذ الفوري لقرار تفكيك الوحدات» ولفتت هذه الحملة  في الإطار نفسه، إلى أنّ «استمرار هذه الجرائم انتهاك للكرامة الإنسانية للسكان»، معبّرة  عن تمسكها بضرورة تركيز منوال تنموي بديل يحترم البيئة والإنسان، كما دعت عموم المواطنين إلى «التعبئة الميدانية في التحركات المزمع القيام بها في الفترة المقبلة».

تظاهرات

واستعدادا للاحتفال باليوم العالمي للبيئة الموافق ليوم 5 جوان من كل سنة دعت حملة «أوقفوا التلوث» إلى المشاركة بكثافة  في  النسخة الرابعة من مخيم المناخ الذي سيقام في قابس من 4 الى غاية 8 جوان المقبل والذي يهدف الى تعزيز الوعي بقضايا التغير المناخي وتشجيع المشاركين على ابتكار حلول مستدامة وخلق حركة مناخية قوية قادرة على وضع استراتيجيّة لتحقيق العدالة البيئية والمناخية. كما سيوفر المخيم  منصة للتواصل بين الخبرات مما يساعد على تطوير حلول شاملة ومبتكرة .

بدورها ستنظّم مدينة العلوم بتونس، يوم السبت 8 جوان المقبل مجموعة من الأنشطة العلمية والتحسيسية، بمناسبة الاحتفال بـ«اليوم العالمي للبيئة» وذلك بالتعاون مع عدد من الجمعيات العلمية والهياكل العمومية حيث سيتركز برنامج الاحتفال  على 4 محاور رئيسية وهي «القدرة على التكيف مع الجفاف والتغير المناخي»، و«الذكاء الاصطناعي من أجل البيئة»، و«الابتكار والقضايا البيئية»، و«الصحافة البيئية في تونس».

وتهدف هذه الأنشطة المبرمجة إلى توعية صناع القرار والمواطنين ومختلف المتدخلين في قضايا البيئة وحثّهم على تبني استراتيجيات وإجراءات على المدى القصير والمتوسط والطويل لحماية البيئة من التلوث وتكريس التنمية المستدامة.

وتشمل التظاهرة، المفتوحة للعموم، سلسلة من المحاضرات، وجلسات للنقاش، وورشات علمية، وأجنحة عرض للمشاريع البيئية، بالإضافة إلى عرض فيلم وثائقي حول القضايا البيئية. ويندرج الاحتفاء باليوم العالمي للبيئة ضمن العمل الجماعي التشاركي لحماية البيئة والتنمية المستدامة من خلال مزيد التوعية بقضاياها وتحدياتها لتوفير بيئة سليمة ومقاومة التغيرات المناخية والحد من انهيار التنوع البيولوجي وغيرها.

النظافة عنوان جذب

وباعتبار ان العناية بالبيئة والنظافة اصبحت عنصرا هاما في الجذب السياحي والترويج للوجهة التونسية، وايضا وفي اطار الحرص على تفادي كل الاخلالات البيئية التي من شأنها أن تؤثر سلبا على الوجهة السياحية التونسية ومن أجل تقديم منتوج سياحي يستجيب لانتظارات التونسيين والسياح الأجانب وتخدم استدامة السياحة التونسية من جهة، والسياحة التونسية المستدامة، من جهة أخرى فقد اتفقت وزارتا البيئة والسياحة خلال جلسة عمل سابقة ، خصصت لمتابعة المسائل ذات الاهتمام المشترك والاستعداد المحكم للموسم السياحي 2024، على تفعيل لجان الرقابة المشتركة بين وزارة البيئة والداخلية والسياحة وأكدت الوزارتان،  على متابعة كافة المشاريع المحلية المتعلقة بالفرز الانتقائي من المصدر والتسميد العضوي في إطار العمل على تطوير منظومة التصرف في النفايات كما توصلت سلطتا الإشراف على قطاعي البيئة والسياحة، إلى الاتفاق ايضا، على ضرورة وضع رؤية مشتركة من أجل تحسين الوضع البيئي وتجاوز كافة الإشكاليات بالتعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف ذات العلاقة وإيجاد كل الحلول المتاحة للاستغلال الأمثل للشريط الساحلي والمتعلقة بالإشغال الوقتي للملك العمومي البحري، وفق ما ورد في بلاغ لوزارة البيئة.

كما جرى الاتفاق، كذلك، على تنظيم أيام توعوية بين وزارتي السياحة والبيئة للتعريف بمشروع «الرعاية الخضراء» من أجل ترسيخ ثقافة المسؤولية المجتمعية للمؤسسات في المجال البيئي ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

العدالة البيئية

ومن جانبه اكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المناصر للقضايا البيئية في بيان سابق ان تونس تفتقر اليوم إلى استراتيجية وطنية للتصرف في النفايات، بينما تواصل وزارة البيئة انتهاج الحلول الترقيعية وقصيرة المدى في التعاطي مع الملفات البيئية الحارقة في مختلف جهات البلاد مؤكدا بأن  أزمة النفايات تتواصل في ولايات مختلفة في ظل غياب حلول فعالة وتشاركية ترسي لحوار مجتمعي يضمن المقبولية المجتمعية ولا يلقي بتبعات التلوث بالنفايات على منطقة دون أخرى. كما لاحظ المنتدى انه من جهة اخرى، يواصل عديد الصناعيين نفث سمومهم من دخان ونفايات صلبة وسائلة مع تغاضي أجهزة الرقابة عن هذه التجاوزات وعجز قانون المسؤولية المجتمعية للمؤسسات، المفتقر للجانب الردعي، عن فرض احترام البيئة والمساهمة الإيجابية لهذه المنشآت في تنمية جهاتهم.

وبينما تقر الأطر القانونية والتشريعية في تونس بحقوق المواطنين البيئية، يظل الواقع البيئي، في عديد المناطق مترديا ويزداد من سنة إلى أخرى زخم الحراك الاجتماعي البيئي المندد بالتقصير الحاصل من طرف مؤسسات الدولة الموكول إليها ضمان حماية العناصر البيئية على تنوعها وتعزيز التنوع البيولوجي والأمن الغذائي مع الحرص على تبني سياسات تعزز التأقلم مع التغيرات المناخية وتضمن استدامة الموارد وحقوق الأجيال القادمة، وفق البيان.

واكد المنتدى غياب القرارات البيئية الجريئة والأجندة القادرة على إدخال التحويرات اللازمة في السياسات البيئية الوطنية مع ملاءمتها للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية كما يظل الحق في بيئة سليمة ومتوازنة مهمشا ومفتقرا لإطار تشريعي ينص صراحة على علويته وحمايته قانونيا مع قابليته للتنفيذ بنصوص ملزمة وردعية تعزز نظام العقوبات والمسؤولية البيئية ضد المخالفات وتطبق على جميع المستويات وضد أي شخص طبيعي أو معنوي، خاص أو عمومي، يضر بالبيئة.

ودعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الى الانخراط في تبني توجهات وخيارات بيئية جديدة تضمن انتقالا بيئيا عادلا ويرسخ لعلوية الحقوق البيئية ويرفعها إلى درجة حقوق الانسان التي تكفلها القوانين الوطنية وتجرم الاعتداء عليها الأعراف الدولية والمعاهدات الممضاة من الدولة التونسية وهو«لم يعد خيارا بل ضرورة ملحة شأنه شأن العمل على التسريع في تبني وإدخال التحويرات اللازمة على أهم المجالات المنظمة للقطاع البيئي مع الأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني والخبراء، وعلى رأسها مجلة البيئة ومجلتا المياه والغابات وذلك من أجل تحقيق التوازن المنشود بين متطلبات التنمية ومبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية والبيئية ».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مكافحة إستهلاك المخدرات:  ضرورة تطوير الإطار القانوني نحو العلاج وليس الزجر

مع تزايد نسبة الإدمان  في بلادنا كما في دول اخرى،وبلوغها لمستويات قياسية تتزايد بالتوازي م…