مع اقتراب موعد الامتحانات الوطنية: بورصة الدروس الخصوصية تشتعل..!
مع اقتراب موعد الامتحانات الوطنية تشتعل بورصة الدروس الخصوصية وتشتد وتستأسد هذه الأخيرة على العائلات وتنزل بكل ثقلها على ميزانياتها الخاوية وتجد لها الحُظوة والتبجيل رغم ضعف الحال إلا أن العائلات لا تتوانى عن تقديم التضحيات في سبيل ضمان مستقبل منظوريها وتحقيق النجاح ..هي ظاهرة معهودة و باتت أمرا واقعا .
تعرف سنويا طفرة نوعية وارتفاعا «جنونيا» في الأسعار مع اقتراب موعد الامتحانات في ظل تسارع نسق المراجعة ، بحثا عن تحقيق الأهداف المنشودة في اجتياز جيد للامتحانات فقد أصبحنا نتحدث عن سوق موازية للتعليم – السوق السوداء للدروس الخصوصية – تقدم فيها العروض باختلاف عدد الساعات ونوعية المادّة والأسعار من نار يدفعها المواطن من اللحم الحي ولا خيار له . فالدروس الخصوصية أصبحت خاضعة لقاعدة العرض والطلب وهي بالأساس تعاقد بين الأولياء الباحثين عن تدارك بعض الدروس لأبنائهم حينا وعن التميز أحيانا وبين إطار تربوي أو غيره يقدّم هذه الخدمة بمقابل مادي متفاوت القيمة .
وقد أنتجت الحاجة الملحة لشق كبير من التلاميذ لدروس الدعم والتدارك نوعا من الاستغلال والانتهازية للوضع من قبل جزء من الإطار التربوي بحثا عن الثراء من خلال فرض شروط مجحفة على المواطنين وأسعار خيالية تختلف باختلاف المواد المقدمة ومدى حاجة التلميذ للدروس المقدمة خاصة بالنسبة لتلك الفئة التي تستعد لإجراء الامتحانات الوطنية .
وقد تسببت السوق السوداء للدروس الخصوصية في تدعيم الفوارق بين العائلات الميسورة والمعوزة فمن ليست لها إمكانيات مادية كبيرة لا يمكنها مجاراة نسق بورصة الأسعار الخيالية خاصة خلال فترة الامتحانات . ناهيك أن السوق السوداء للدروس الخصوصية تعكس عدم وعي الدولة بخطورة الوضع ومآلاته التي تدفع بالمجتمع إلى نهايات خطيرة من بينها خاصة تفشي الأمية أمام عجز عديد الأسر على مجابهة هذه الظاهرة وعجز المنظومة التربوية على تقديم التكوين المطلوب لعدة أسباب معلومة لدى القاصي والداني وهو ما أثر سلبا في المكتسبات العلمية للتلميذ فنسبة كبيرة من التلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة مستواهم دون الابتدائي .
لاشك أن المنظومة التعليمية العمومية اليوم تؤسس لطبقيّة تعليميّة مقيتة لها آثار كارثيّة على تماسك المجتمع، لأنّها تعصف بمبدإ تكافؤ الفرص خاصة عندما تصبح الدروس الخصوصية القاعدة في التعليم وما يتلقاه التلميذ في المدرسة استثناء ولا تكتمل العملية إلا بدروس الدعم والتدارك وهي معادلة تعجز العديد من العائلات عن الانصياع لها بسبب شطط الأسعار ، خاصة وان الدّروس الخصوصيّة قد باتت تمثّل سوقا حقيقيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى.
يقول في هذا السياق رضا الزهروني رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ أن الدروس الخصوصية حظيت باهتمام خاص من طرف كل الوزراء الذين تعاقبوا للأشراف على قطاع التربية والتعليم وذلك على امتداد العشرية الأخيرة. فكل منهم حاول بطريقته تأطيرها وتوظيفها بطريقة أو بأخرى. كما تحظى الدروس الخصوصية باهتمام الرأي العام خلال الفترة الأخيرة من كل سنة دراسية نظرا لعلاقتها المباشرة بالإعداد الجيد لاجتياز الامتحانات الوطنية وخاصة منها المتعلق باختتام مرحلتي التعليم الابتدائي (السيزيام) والإعدادي (النوفيام) المؤهلتين للمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية النموذجية وتلك المتعلقة باجتياز امتحان الباكالوريا بأوفر حظوظ النجاح وبأرفع المعدلات الممكنة. وضعية أصبحنا نعيشها بصفة دورية وعادية لولا صراخ عديد المتضررين ماديا أو معنويا أو أخلاقيا أو إنسانيا.
ويتطلب فهم هذه الوضعية وفق محدثنا التفاعل معها بمسؤولية اختيار الزاوية والمسافة التي يجب علينا أن ننظر منها إلى هذه الظاهرة. فهي عنوان رئيسي من عناوين فشل المنظومة التربوية وتتفاقم من سنة إلى سنة بسبب عدم اهتداء المشرفين على القطاع إلى الحلول الضرورية للحد منها والذي يمر حتما عبر إصلاح المنظومة التربوية التونسية وخاصة المدرسة العمومية وإعادة بنائها . ثم ان الدروس الخصوصية شرّ لا بد منه لأنها أصبحت اليوم ضرورية لضمان النجاح والتميز وذلك بشهادة الجميع حتى الأولياء الذين ينتمون إلى قطاع التربية. ومن يدعي أن ابنه نجح أو ابنته نجحت بتميز في أحد الامتحانات الوطنية من دون اللجوء إلى الدروس الخصوصية فيبقى ذلك استثناء إذا ما تأكد أن الولي لم يقدم أي دعم لابنه او ابنته والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
ويرى محدثنا أنّ التعامل مع هذه الظاهرة في هذا الظرف ونحن نستعد لاجتياز الامتحانات على أساس إعلان حرب شعواء عليها وعلى المتعاملين معها أولياء كانوا أو مربين بهدف تأطيرها أو القضاء عليها يمثل جهلا خطيرا للواقع التربوي. أولا فإنه من المستحيل بلوغ هذه الغاية ولم يفلح في ذلك الى حد اليوم أي من المسؤولين الذين اشرفوا على القطاع في السابق.
ثم حتى في صورة النجاح في ذلك فإن الوضع سيزداد تعقيدا نتيجة مزيد تدهور النتائج للمنظومة التربوية في مستوى الامتحانات الوطنية –وهي اليوم كارثية-وذلك بسبب حرمان العائلات الميسورة من تقديم ما يمكن تقديمه لأبنائها من دعم لضمان نجاحهم الدراسي.
وبالتالي فان هناك جانبين من الضروري الوقوف عليهما والتشهير بهما ويتعلق الأول بالسلوكيات اللاأخلاقية التي يمارسها بعض المربين من خلال التعامل مع هذه الدروس على أساس قاعدة العرض والطلب مع توظيف حساسية الظرف والذي يتزامن مع فترة الإعداد للامتحانات وما تمثله من ضغط معنوي على الأولياء والتلاميذ لفرض أسعار بعينها وشروط متابعة من حيث التوقيت والحضور وظروف التدريس. ولا يمكن لنا إلا أن نستنكر مثل هذه التصرفات كلما وجدت.
ويتعلق الجانب الثاني بفقدان المدرسة العمومية شرطي المجانية وتكافؤ الفرص حيث أصبح النّجاح متاحا للقليل من أبناء هذا الوطن وبناته ممن تقدر عائلاتهم ماديا وفكريّا على تمكينهم من الدعم اللازم من خلال الدروس الخصوصية أو حتى اللجوء إلى المدارس الخاصة في حين أن الأغلبية الساحقة، أكثر من 80 بالمائة، من عائلاتنا أصبحت ترى في الفشل قدر أبنائها وبناتها وقضائهم ويتناقض هذا الواقع مع مبدأي العدالة والمساواة والإنصاف في ما يتعلق بحقوق أطفالنا في التربية والتعليم والثقافة ولا يمكن بالتالي أن نجد له أي مبرر.بالإضافة إلى ما يمكن أن يتسبب فيه من فوارق حتى داخل صفوف المربين أنفسهم أي بين «المتمعشين» من الدروس الخصوصية و«العيّاشة» وهم الأغلبية على غرار الأولياء.
وعلى هذا الأساس يتطلب القضاء النهائي على هذه الظاهرة اعتماد الحلول الضرورية للخروج من الأزمة التي يعيشها التعليم في تونس لتصبح المدرسة العمومية مجانية ومصعدا اجتماعيا تتوفر بها شروط العدالة وتكافؤ الفرص على حد تعبير محدثنا ، أي ليتحصل كلّ متعلم عادي وبغض النظر عن العائلة التي ينتمي إليها والجهة التي يأتي منها على ما يحتاجه من معارف لمتابعة مساره الدراسي بصفة طبيعية خلال ساعات التدريس الرسمية ومن دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية وهي حلول ممكنة جدا البعض منها قريب المدى والبعض الآخر متوسط أو طويل المدى وفيها القانوني والتنظيمي والبيداغوجي والاستشرافي والمالي.
الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل : المراهنة على البحث العلمي آلية للبناء على أسس صلبة
نظم أمس الأربعاء الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل مسيرة انطلقت من وزارة التعليم العالي…