2024-05-17

بهدف ملاءمة الفلاحة مع التغيرات المناخية : الانطلاق في اعتماد تجربة الزراعات الكبرى في الصحراء التونسية

شهدت الفترة الاخيرة تنظيم عديد الفعاليات والتظاهرات الاقتصادية التي تناولت مواضيع مرتبطة بالأمن الغذائي التونسي والتهديدات التي تجابه القطاع الفلاحي الوطني في ظل التغيرات المناخية التي بدأت تظهر تداعياتها على القطاع. وبحسب وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بمناسبة أحياء الذكرى 60 للجلاء الزراعي فإن المرحلة القادمة تتطلب مراجعة السياسة الفلاحية من أجل ضمان تأقلم المنظومات الفلاحية مع هذه التغيرات، مؤكدا أن مؤشرات صابة الحبوب طيبة الى جانب عديد المؤشرات الأخرى مثل صابة الزياتين والتمور.وقد تم الانطلاق في اعتماد تجربة الزراعات الكبرى في الصحراء في تونس التي تنبئ بتحقيق نتائج طيبة ستشجع على الوصول تدريجيا الى استغلال 10الاف هكتار وستقدم هذه التجربة وتقدم دفعا للأمن الغذائي التونسي.

وكان المرصد الوطني للاقتصاد قد أعد وثيقة بحثية تناولت أوجه القصور في سياسة الأمن الغذائي في قطاع الحبوب في الفترة المتراوحة من 2008 الى 2018 حيث أكدت المعطيات الواردة فيها أن  قطاع الفلاحة يمثل عمادا إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا رئيسيا في البلاد التونسية فهو يساهم في الناتج الداخلي الخام بنسبة 10% من جهة وفي إنجاز الأهداف الوطنية المتعلقة بالأمن الغذائي وخلق مواطن الشغل وإدارة الموارد الطبيعية من جهة أخرى. كما يعتبر قطاع الحبوب محورا استراتيجيا في الفلاحة إذ يمثل 13% من القيمة الفلاحية المضافة و42% من المساحة الصالحة للزراعة. وباعتبار أن الحبوب تمثل غذاء اساسيا للتونسيين فان 13% من المصاريف الغذائية للأسر تخصص للحبوب.

واعتبرت الوثيقة أن لجوء الدولة الى الواردات من الحبوب للاستجابة للاستهلاك المتزايد في الفترة المتراوحة من 2008 الى 2018 في مستوى القمح الصلب بنسبة 40,69% والشعير بنسبة 50,81% وخاصة القمح اللين بنسبة تقدر بـ84,21% بهدف تعزيز الأمن الغذائي للبلاد، هو خيار أثبت قصوره بسبب اختلال التوازن بين المدفوعات وميزانية الدولة وارتفاع أسعار الحبوب الموردة وهي سياسة فلاحية تشجع التبعية للسوق الدولية.

ورغم ان الدولة قد اتجهت من خلال مخططها الخماسي 2016-2020 الى رؤية بيئية تشجع على حسن ادارة الامكانات الطبيعية الا ان عدم دقة التعليمات الخاصة بالاجراءات العملياتية التي ينبغي اعتمادها في القطاع الفلاحي حالت دون انجاز هذه الرؤية الاستراتيجية انجازا ناجعا خاصة مع شح الموارد المائية ونقص الموارد المائية السطحية واستغلال الموارد الجوفية استغلالا مفرطا، والمترتبة عن التغيرات المناخية المسؤولة بدورها عن عن التراجع الكبير الذي طال الموارد المائية على الصعيد الوطني.لذلك فإن استدامة القطاع الفلاحي وفق ما جاء في الوثيقة بما في ذلك قطاع الحبوب الذي يمثل عموده الأساسي مهددة بشكل جدي بخسائر كبيرة في افق 2030. حيث يتوقع ان تبلغ خسائر القمح الصلب -2,04 وخسائر الشعير -6,78 .أما القمح اللين فهو يمثل اكثر انواع الحبوب التي ستتضرر بسبب إرتفاع الحرارة ونقص الأمطار حسب الدراسات العلمية التي تم اجراؤها حيث ستصل خسائره الى -9,62.

وبحسب الوثيقة بات من الضروري ومن العاجل إعداد استراتيجية شاملة تتمحور حول الأمن المائي والسيادة الغذائية لتقدم حلولا لمشاكل الإفراط في استغلال الموارد وتراجعها، وحلولا تقطع مع التبعية الغذائية والفلاحية المكثفة.عبر إعادة التفكير في نموذج فلاحي تنموي يسعى إلى تحقيق السيادة الغذائية ويضمن الأمن المائي في بلادنا هذا وتعرف السيادة الغذائية بأنها حق الشعوب في الحصول على غذاء صحي يتوافق مع الثقافة السائدة ويتم إنتاجه بطرق مستدامة.

ودعت الوثيقة الى الانطلاق في وضع استراتيجيات لإدارة الموارد الطبيعية مع ادراج هذا الجانب لمجابهة المخاطر المترتبة عن التغير المناخي بصفة استباقية واعتماد إجراءات للتخفيف من الآثار السلبية التي تنطوي عليها وبات من العاجل ايضا المراهنة على بدائل «للبذور المعدلة جينيا» وتعزيز الاطر القانونية لتوفير أكبر بدائل لفلاحي الحبوب على غرار إعادة استعمال بذور القمح الريفية وتوجيه الاطر السياسية الفلاحية الى حلول طويلة المدى من شأنها الصمود أمام التغيرات المناخية. خاصة وأنه يوجد حاليا 100نوع محلي من القمح المخزن في البنك الوطني للجينات الا أن فلاحي الحبوب لا يستغلون سوى 5 انواع. وحسب شهادات فلاحي الحبوب فان الأصناف المعدلة جينيا من الحبوب  لا تتلاءم مع المناخ التونسي كما انها اقل قدرة على مقاومة آثار التغير المناخي وقد أدى إعتماد هذه البذور الأجنبية الى زيادة مصاريف الإنتاج، فهي تتطلب معالجة كيميائية لمقاومة الاعشاب الضارة. وبما ان جل هذه المواد الكيميائية مستوردة فقد اثقلت عبء التكاليف على الفلاحين. وفي المقابل شهد فلاحو الحبوب أن بذور الحبوب المحلية أكثر قدرة على مقاومة الحرارة وقلة الأمطار وأنها لا تحتاج إلى معالجة كيميائية لذلك فهي اقل ضررا على الموارد الطبيعية وهي التربة والماء وعلى الصحة الحيوانية والانسانية بحسب الوثيقة ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

من أجل تحقيق الأمن الغذائي..

 لا شك أن ارتفاع الصادرات الفلاحية التونسية وتحسّن عائداتها  وهو ما أكدته الارقام الاخيرة …