تعنيف وحشي لطفلين من قبل أمّهما: القيم العائلية تتهاوى فهل من منقذ…؟
الأخبار الصادمة تتواتر كل يوم حتى ان الوقائع الاجرامية أصبحت سمة من سمات المعيش اليومي وباتت تحتل المنابر الاعلامية الإخبارية.
آخر خبر يأتينا من المهدية والصدمة فيه مضاعفة باعتبار ان الموضوع يتعلق بالعنف ضد الأطفال ومصدر العنف الشديد هي الأم التي يفترض انها منبع الحنان والأمان لكنها تحولت بقدرة قادر الى وحش آدمي كاسر.
فقد مارست هذه الأم ضربا وحشيا على طفليها البالغين من العمر ثلاث وخمس سنوات وادخلتهما غرفة الإنعاش.
وجاء في تفاصيل التحقيقات في هذه الواقعة الاجرامية الصادمة ان امرأة تبلغ من العمر ستة وعشرين عاما دأبت على ضرب أبنائها بشكل عنيف ومتواتر وهو ما جعل صاحبة المنزل الذي تتسوغه تتقدم بشكاية ضدها الى السلطات الأمنية خاصة وأن واقعة التعنيف الأخيرة للطفلين كانت بالغة الخطورة.
فقد تعرض الطفل الأول البالغ من العمر خمسة أعوام الى كسور على مستوى الحوض والساق والقفص الصدري بينما تعرض الثاني البالغ من العمر ثلاث سنوات الى نزيف في الكبد والطحال وكسور في القفص الصدري وهما يرقدان في غرفة العناية المركزة بأحد مستشفيات الجهة.
وبالتحقيق مع الأم المعتدية تبين أنها أنجبت هذين الطفلين خارج إطار الزواج وغادرت مقر سكناها بقابس لتستقر في المهدية مع شخص ثبت انها تقيم معه علاقة غير قانونية مع ولديها ويبدو انها كانت تعنّف الطفلين رفقة عشيقها بشكل دائم وهو ما كان واضحا على جسديهما.
ورغم ان هذه المرأة رهن الإيقاف الآن رفقة شريكها في الجرم بتهم عديدة من بينها العنف ضد الأطفال والزواج على غير الصيغ القانونية وقضايا أخرى إلا ان هذه التفاصيل تقودنا الى قضية اكبر وهي استفحال العنف بشكل كبير وخطير في مجتمعنا واصبح يشكل تهديدا حقيقيا لسلامة الافراد وامنهم الشخصي.
وتبدو الفئات الهشة وفي مقدمتها الطفل والمرأة في مقدمة الافراد الأكثر عرضة للعنف سواء في الفضاء الأسري او الفضاء العام.
ويقودنا هذا الى تساؤلات عديدة سواء بشأن هذه الواقعة المخصوصة أو بشأن العنف عموما.
هل للولي سلطة مطلقة على جسد ابنه؟ وهل يمكن الحديث عن عنف «مألوف» او «اعتيادي» للولي تجاه ابنه من سياق التربية القديمة؟
وماذا عن قوانين مناهضة العنف ضد المرأة والطفل ؟ هل هي ناجعة لوحدها ام نحتاج وعيا مجتمعيا شاملا لتنفيذها كما الحال في هذه الواقعة حيث تطوعت صاحبة المنزل للتبليغ ؟
ألا يحتاج تفشي العنف داخل الاسرة بهذه الوحشية والدموية إلى ان نطلق جميعا صيحة فزع وننكب على دراسة مجتمعنا سوسيولوجيا وبسيكولوجيا لفهم هذه الظاهرة المعقدة؟
وهل نمضي الى المطالبة بشهادة طبية تثبت سلامة المدارك العقلية والنفسية والعصبية قبل الزواج كما نطالب بشهادة عن الامراض الباطنية لإثبات قدرة الزوج والزوج على تحمل المسؤولية والقدرة على تربية الأبناء وعلى العيش مع الآخر؟
هذه أسئلة كثيرة على المشرّعين والباحثين في علم الاجتماع وفي علم النفس والسياسيين ان يتولوا الإجابة عنها باعتبار ان التشخيص معلوم للجميع والخطورة واضحة للكل كذلك بقي ان إيجاد الحلول يقتضي تضافر الجهود من اجل تفكيك هذه الظاهرة الخطيرة والبحث في أسبابها العميقة من اجل مواجهتها بطرق ناجعة وعاجلة.
ولعل إعادة الاعتبار الى القيم والمعايير ينطلق من الأسرة التي علينا الإقرار بانها فقدت الى حد كبير تماسكها جراء التغييرات العميقة التي حدثت في المجتمع على امتداد العقدين الأخيرين وكذلك نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي أثرت سلبا في أخلاق الناس وسلوكهم. ومعلوم ان الفقر المادي والروحي يؤدي قطعا الى سوء الطباع، وهو ما نعيشه منذ فترة ولكننا لم نسع الى مواجهته وتركناه يتنامى حتى أصبحت ظاهرة مكتملة الأركان ولم تعد التشريعات وحدها كافية ولا الملاحقة القانونية بعد وقوع الحوادث الاجرامية.
إن مجتمعنا مثل غيره من المجتمعات يعيش تحولات جذرية ولا بد من فهمها واستيعابها من أجل التأقلم معها وبالتالي فإن توعية الأسر وتغيير برامج التعليم من الحضانة الى الجامعة كلها عناصر ينبغي الاشتغال عليها بسرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …