2024-05-09

ليست أوكارا للشياطين… ولا الملائكة : الجمعيات رقم أساسي في حياة المجتمع والدولة

طفا ملف الجمعيات في تونس من جديد إلى صدارة الاهتمام وهذه المرة في علاقة بقضية شائكة ملأت الدنيا وشغلت الناس كما يُقال تتعلق بالمهاجرين غير النظاميين ببلادنا، فانبرى البعض في شيطنة الجمعيات فيما اتخذ البعض الآخر موقفا دفاعيا يحاول من خلاله الإقناع والتبرير وإعطاء كل ذي حق حقه.

وكما هو معلوم، ليست هي المرة الأولى التي تُهاجم فيها الجمعيات ويُنتقد عملها فقد وقفنا على ذلك في أوج الحرب على الإرهاب حين تعافت الدولة نسبيا وفتحت ملف ما يُعرف بالجمعيات الخيرية التي تورطت في الإرهاب والتسفير وغيره، ونفس الشيء حصل في استحقاقات انتخابية سابقة منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة بما ان بعض ما قيل انها جمعيات تورطت في العمل السياسي وانحازت لمرشحين بعينهم..

على ان هذه النقاط السلبية لا يمكن ان تحجب عنا ما فعلته جمعيات أخرى في سبيل النهوض بأوضاع التونسيين وصون كرامتهم داخل تونس وحتى خارجها. ويمكن في هذا الاطار التذكير بنشاط الجمعيات في 2011 واستقبال اشقائنا الليبيين الفارين من الحرب الاهلية انذاك، وكذلك الامر عند استفحال جائحة الكوفيد حيث اشتغلت الجمعيات المدنية جنبا الى جنب مع مؤسسات الدولة من أجل ضمان حياة الناس وحقهم في البقاء.

وبين هذه المحطات قامت جمعيات عديدة بصيانة مدارسنا ومعاهدنا وأسدت خدمات جليلة لمؤسساتنا التربوية وأمّنت جمعيات أخرى حياة الكثير من النساء ووفرت لهن الحماية والمرافقة المادية والقانونية عندما تعرضن للعنف بشتى أنواعه ولم تتأخر جمعيات محلية في التشجيع على بعث الشركات وإيجاد موارد الرزق وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنين لم تصلهم خدمات مؤسسات الدولة..!

وطبيعي ان يشوب عمل الجمعيات الجبّار، أجل العمل الجبّار، بعض الاخلالات نتيجة عوامل داخلية وذاتية متصلة بالجمعيات نفسها وأعضائها، وعوامل أخرى خارجية، موضوعية تتحمل مسؤوليتها البيئة وكذلك السلطة التي تعمل تحت إشرافها هذه الجمعيات.

وفي باب التذكير النافع هنا، نستحضر ما أكده المختصون في قراءة التاريخ وسيرورة المجتمعات، من ان التجربة التونسية تكاد تكون فريدة في المنطقة كي لا نقول في العالم لانها عاشت منذ الاستقلال وقيام الدولة الوطنية تحت هيمنة الحزب الواحد، ولولا الجمعيات والنقابات لما أمكن للتونسيين التعبير عن تطلعاتهم وتحقيق أهدافهم ولو بصفة جزئية، والمتأمل في التاريخ التونسي الحديث يكتشف بوضوح دور المنظمة الشغيلة ومنظمة الاعراف واتحاد المرأة واتحاد الفلاحين ورابطة حقوق الانسان وجمعية الصحافيين، دون أن ننسى الكشافة والمصائف والجولات والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والتربية والأسرة وغيرها من الجمعيات التي ما تزال الى اليوم فعّالة ولا يمكن للدولة ان تتخلى عنها لانها لا تستطيع ان تملأ الفراغ الذي ينجر عن غيابها.. ولا ننسى كذلك لمن يعرف الأرياف التونسية وما يسمى مناطق الظل دور الجمعيات التنموية وما حققته لفائدة التونسيين في تلك الربوع..

وطبيعي اذن وفق المهام والاحتياجات ان يرتفع عدد الجمعيات في تونس ويصل وفق اخر تحديث لمركز الاعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة الى 25029 جمعية مدرجة بالسجل الوطني منها 5033 جمعية ثقافية وفنية، و4588 جمعية ناشطة في المدارس، 3286 جمعية رياضية و2780 جمعية خيرية اجتماعية و2579 جمعية تنموية وحوالي 219 جمعية أجنبية الى جانب جمعيات أخرى معنية بالبيئة وحقوق الانسان والمستهلك وغيره..

وطبيعي أيضا بما ان المال قوام الأعمال ان يكون هاجس الجمعيات البحث عن التمويلات، وقد توافق المجتمع الدولي على ان تمويل الجمعيات حق أساسي توفره الدول الوطنية والدول الأجنبية على حد سواء في شكل هبات ودعم لمشاريع مشتركة مع الأخذ بعين الاعتبار لمبدإ الشفافية والحوكمة والمراقبة والتقييم اجتنابا للخروج عن القانون.

واللافت هنا ان الجهات الاجنبية التي تموّل الجمعيات في بلادنا هي نفسها التي تموّل الدولة ومؤسساتها، بدءا بالامم المتحدة مرورا بالاتحاد الاوروبي وصولا الى المنظمات والصناديق الدولية التي تتقاسم الادوار مع حكومات الدول النافذة في العالم دعما للمجتمع المدني وتكفيرا عن ذنوب الماضي والحقبات الاستعمارية والمشكلات المستجدة سواء المتصلة بالبيئة او التنمية او الاستثمار او هجرة الادمغة وكذلك الهجرة غير الشرعية..

هنا تطرح بحدة المسألة المالية وضرورة ضبطها بالقانون، وحتى نحمي الجمعيات والمجتمع من المال الأجنبي الفاسد والمال المحلي الفاسد أيضا، لا مناص من المال العام اذا كانت الحكومات بالفعل جادة في الحفاظ على السيادة وعلى توفير مناخ سليم لنشاط المجتمعين المدني والسياسي.

ولا ننسى أن للدولة مؤسساتها وهيئاتها الرقابية  كلجنة التحاليل المالية والبنك المركزي وادارة الجمعيات بالحكومة ومحكمة المحاسبات ومرفق القضاء بشكل عام..

ثانيا، ان التشريعات الوضعية ليست نصوصا مقدسة وتنقيحها ضرورة حتمية لملاءمة المتغيرات في الواقع الراهن داخليا وخارجيا، لكن التنقيحات لا تُنبنى على الانتقام والانتقاء والتشفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…