في الذكرى 47 لتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان : تحدّيات جاثمة وأخرى داهمة.. ما العمل
تمر اليوم الذكرى السابعة والأربعون لحصول الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان على التّأشيرة القانونيّة في 7 ماي 1977 بعد سنة من تأسيسها رسميا في 14 ماي 1976 على أيدي مجموعة من الشخصيات الوطنية والديمقراطية، ورغم بعد المسافة في الزمن فإن السياقات الوطنية والإقليمية والدولية تكاد تكون نفسها والتحديات أعمق وأعقد بكل المعايير.
صحيح ان زهاء خمسة عقود مرت على ولادة هذه الرابطة الفريدة في العالمين العربي والإفريقي وقد كابدت كل أشكال الحصار والتضييق من قبل منظومات الحكم المتعاقبة، وكان التحدي الرئيسي أمام الرابطيين هو بناء منظمة ديمقراطية متجذرة قادرة ليس فقط على مسايرة الانتهاكات اليومية والتجاوب مع شكاوى المواطنين وحماية حقوقهم وحرياتهم، ولكن أيضا مواكبة الإشكاليات الطارئة في علاقة بحقوق الإنسان التي اتسعت وتشابكت ولم تقف عند حدود ما يُعرف بالأجيال الأولى، فتطور الحياة البشرية أوجد مشكلات جديدة وحتى القضايا القديمة صارت بحاجة الى مقاربات جديدة..
وحسنا اتجهت قيادة الرابطة المنبثقة عن المؤتمر الوطني الثامن المنعقد مطلع نوفمبر 2022، نحو تجديد الفروع وتحيينها في هذه المرحلة وفق اللوائح الداخلية بطبيعة الحال، وهو ما يضفي الشرعية على هيئات هذه الفروع ويضخ دماء جديدة فيها ويفتح المجال للطاقات الشابة كي تتحمل مسؤوليتها في الدفاع والنضال خصوصا وان حالة من «الاحتكار السياسي» و«الميوعة النضالية» ان جاز القول تسربت للمنظمة الحقوقية التي لا تشذ عن بقية مكونات المجتمعين المدني والسياسي لأن أزمة الثقافة الديمقراطية ببساطة تعصف بالمجتمع التونسي برمّته.
في هذا الإطار بالذات، فان ترتيب البيت الداخلي للرابطة مدخل أيضا لترتيب المشهدية التونسية، ولا يمكن ان يقتصر التنسيق والعمل المشترك والحوار مع ما يعرف بالمنظمات المستقلة لأن الرابطة وهي من أهم المنظمات الوطنية معنية بل ومسؤولة عن التواصل والحوار الوطني، ليس بالشكل التقليدي المادي أي بالتواجد حول طاولة مربعة أو مستطيلة في هذا القصر أو ذاك كما حصل في 2023 أو في 2022، وإنما من خلال المقاربة التشاركية والانطلاق دون تأخير في طرح ومناقشة مشاريع الإنقاذ الوطني على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية.
ان القيادة الفتية للرابطة لا تنقصها الجرأة اليوم وهي محظوظة لانها تمسك دون مبالغة بمقود أهم منظمة حقوقية داخل الوطن وفي الساحات العربية و الإفريقية والدولية، لكنها تجابه صنفين من التحديات الجاثمة والداهمة وهما مرتبطان أشد الارتباط، ويتعلق الأول بالجانب المادي فيما يهم الثاني المضامين والعمل وسط متغيرات جدّ هامة وخطيرة أيضا على حقوق الإنسان والشعوب.
لقد استفادت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في العديد من اللحظات التاريخية من منظومات الحكم المتعاقبة في ما نسميها أقواس الانفتاح الظرفي للأسف على الديمقراطية وحقوق الانسان، فتحققت مكاسب للمواطنين أولا وللرابطة والرابطيين ثانيا، وبقيت معضلة التمويل العمومي سيفا مسلّطا على الرابطة وغيرها من مكونات المجتمعين المدني والسياسي وهو ما دفع بالجميع للاتجاه نحو البحث على التمويل الخارجي من نفس الجهات التي تموّل الدولة بالهبات والقروض والودائع وغيرها لذلك فان حديث خصوم الرابطة اليوم عن التمويل الاجنبي مستهجن لان من يرفض تمويل جمعية عليه ان يرفض ايضا تمويل وزارة..!
والتمويل داخليا كان أو خارجيا هدية ملغومة، حيث من السهل ان يتحول الى شكل من أشكال الابتزاز والوصاية والتوجيه وخدمة الاجندات الخاصة حتى على حساب حقوق الإنسان، ولم يعد خافيا على احد ان رابطة حقوق الانسان مثلها مثل كثير من شركائها في المجتمع المدني تعاني اليوم حصارا وضغطا غير مسبوق من المانحين الدوليين في علاقة بالموقف من حقوق الشعب الفلسطيني وجريمة الابادة التي يمارسها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
ان الرابطة بشكل خاص وحركة حقوق الانسان بشكل عام في مفترق طرق الآن وإزاء عملية فرز حضاري وانساني واخلاقي بأتم معنى الكلمة.
دوليا، ان تنتصر لحق الانسان الفلسطيني أمر غير محمود من المانحين الدوليين ومن الديمقراطيات العريقة دون ان ننسى دولنا وأنظمتنا العربية..
إقليميا، ليس من اليسير تسمية الأشياء بأسمائها، أنظمة تصادر حقوق شعوبها، دول تنتهك حرمة دول أخرى، حكام لا يكتفون بعدم إنصاف رعاياهم وخذلان أشقائهم الفلسطينيين بل يهرولون للإصطفاف الى جانب المجرمين وخدمتهم ولا يعنيهم أمن وسلامة ذوي القربى..
وطنيا، ليست الرابطة محاصرة ومعرضة لارتدادات الأزمة الداخلية المركبة فقط، والتي هي في نهاية المطاف مقدور عليها كما يقال بحكم الإرث والتجربة وطبيعة المجتمع التونسي ومثل ما تجاوز التونسيون كثيرا من المحن عبر التاريخ فان كل الأزمات تشتد لتُحل في نهاية المطاف، على غرار تواجد الأفارقة من دول جنوب الصحراء التي ليست لنا معها حدود مشتركة، بشكل مكثف في ربوعنا بطرق غير قانونية وشبهات كثيرة حول أسباب ذلك ومسبباته وهذا ما أعاد اللغو والجدل حول العنصرية في بلادنا التي كانت سباقة في إلغاء العبودية وفي مساندة حقوق الشعوب الإفريقية في تقرير مصيرها..
وقد ارتفعت للأسف بعض الأصوات النشاز التي تشكك في عمل المنظمات الحقوقية وتحمّلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المنفلتة الآن في أكثر من مكان في الجمهورية التونسية وظهر أيضا خطاب تحريضي ضد أصحاب البشرة السوداء وهذه مقدمات يجب الانتباه الى خطورتها، ويطرح السؤال هنا حول دور الرابطة وكيفية تعاملها مع هذا الموضوع الذي يتداخل فيه الوطني بالخارجي وتبقى مصلحة الوطن وأمنه القومي فوق كل اعتبار.
بعد عقد ونيف : لا مبرّر لبقاء الأملاك المصادرة على حالها..!
تعرّض رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه برئيس الحكومة كمال المدوري يوم الخميس الماضي بقصر…