تعاقب الاعتداءات على الإطار التربوي وتصاعد وتيرتها واكتساءها صبغة إجرامية : الوهن الذي تعاني منه منظومتنا التربوية بلغ أقصاه
نحن اليوم إزاء أحداث خطيرة باتت تشكّل تهديدا جدّيا للمؤسّسات التربوية.. أحداث متكررة يهتزّ لها الرأي العام وتمثل محور حديث لأسابيع ثم تُنسى وكأنها لم تكن وتُعاد إلى الواجهة بوقوعها من جديد بنفس التفاصيل والمآلات والنتائج وتختلف في الأمكنة وكلّها جرائم تشي بخطورة الأوضاع بالمؤسسات التربوية …وتواصلها لا ينبئ بخير ويدفع بكل مكونات المنظومة التربوية إلى العيش تحت طائلة الخوف والفزع اليومي خاصة وان جرائم العنف متكررة وبلغت مبلغا عظيما…فمؤسساتنا التربوية تحتضر …
حيث أقدمت تلميذة بالمعهد الثانوي ببئر علي بن خليفة من ولاية صفاقسٍ، السبت 04 ماي، على الاعتداء على أستاذها بآلة حادة وتسببت له بجروح على مستوى الوجه استوجبت نقله إلى المستشفى المحلي ثم إلى مستشفى الحبيب بورقيبة في صفاقس نظرا لعمق الجرح، وفق ما صرح به رمزي اللوز كاتب عام الفرع الجامعي للتعليم الثانوي والتربية البدنية بصفاقس.
وأكد اللوز أن التلميذة اقتحمت قاعة الدرس عندما كان أستاذ الأنقليزية بصدد تدريس قسم آخر واعتدت عليه على مستوى الوجه بشفرة حلاقة ثم ضربت وجهها بهذه الآلة، مبينا أن الحادثة تأتي على خلفية إحالته لها في وقت سابق على مجلس التربية بسبب التشويش واستعمال الهاتف. كما طمأن ذات المصدر أن الأستاذ أجرى عملية جراحية تجميلية على وجهه وعاد إلى منزله.
ليست الحادثة الأولى طبعا ولن تكون الأخيرة مادام الوضع على حاله والتحرك رهين «المصائب» والتعامل مع ملف التعليم مازال بالآليات الدنيا التي لاتتماشى وحجم الخراب الذي بلغته.حيث يقول في هذا السياق رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم إن تعاقب الاعتداءات على الإطار التربوي وتصاعد وتيرتها واكتسائها صبغة إجرامية هي عناصر تؤكد كلها أن منظومتنا التربوية قد دخلت نفقا مظلما لا يعلم أحد متى ستخرج منه ولا كيف، في ظل تراكم الإشكاليات على امتداد السنوات الفارطة وغياب كل عمل جدي لدراسة هذه الظاهرة وفهم أسبابها العميقة ووضع الخطط الحقيقية لمعالجتها.
ويضيف محدثنا، لقد تم الاكتفاء طيلة أكثر من عقد من الزمن بعقد الندوات في النزل الفاخرة برعاية المنظمات الأجنبية وممثليها الذين لا يرون في العنف المدرسي سوى فرصة لبيان اختلال المنظومة التربوية الوطنية وتقديم ما يدعون أن حلول لم تكن في الواقع سوى مداخل لمزيد التسلل إلى هذه المنظومة وإنهاكها وتوجيهها، أما على مستوى وزارة الإشراف، فقد كان الأمر مقتصرا على مقاربة بيروقراطية عمادها الأول توجيه المذكرات إلى منظوريها، وكأن ما أفسده غياب الرؤى والمشاريع التربوية، وإهمال قواعد الحوكمة الرشيدة ومعايير الجودة، وتسلل الأطماع الشخصية والتدخلات الخارجية، فضلا عن حالات الانفلات الاجتماعي والإعلامي الشامل، يمكن أن يتم إصلاحه بصفحة يتيمة يخطها أحد الموظفين، كل ما تتضمنه هو مجرد كلام فضفاض عام تغيب عنه الرؤية والمقاربة والمشروع، مثلما تغيب الخطّة التنفيذية وآليات التفعيل والضبط الدقيق للمهام والمسؤوليات وآجال التنفيذ ومؤشرات الأداء التي تساعد على المتابعة والتقييم.
ويؤكد محدثنا إن ظاهرة العنف المدرسي لا تختلف في جوهرها عن بقية المشاكل التي تعاني منها منظومتنا التربوية منذ نحو ثلاثة عقود، على غرار تراجع المستوى التعليمي والانقطاع المبكر عن التعليم وانتشار المخدرات والتطرف والانتحار، وإذا كانت لهذه الظواهر أسباب تتجاوز إطار المنظومة التعليمية الوطنية، فإن لها أسبابا أخرى لا يتحمل مسؤوليتها غير القائمين على هذه المنظومة في مختلف المواقع والمستويات«لقد نادينا في الجمعية التونسية لجودة التعليم منذ سنوات طوال بإعادة النظر بصورة جذرية في مٍسارات التعليم والتكوين وتلافي الآثار الكارثية لـ«إصلاح» 1991 الذي ألغى مسار التعليم المهني وفرض على ما يزيد على مليوني تلميذ ماراطونا دراسيا يستغرق 13 سنة، رغم علم الجميع بأن نصف تلاميذنا على الأقل سوف يجدون أنفسهم على هامش هذا المسار المفروض قهرا، وهو ما يدفعهم دفعا نحو جميع تلك الظواهر التي أشرنا إليها، بعد أن نكون قد رسخنا في نفوسهم على مدى أعوام مزيجا مرعبا من مشاعر اليأس والإحباط والغبن والدونية.
وبالتوازي مع ذلك، تم تحويل المؤسسات التربوية إلى مجرد فضاءات عقيمة لإلقاء الدروس، حيث تم إثقال كاهل إطارها التربوي ببرامج ومقاربات نستنزف الجهد والوقت بلا طائل، وتمت محاصرة إطارها الإداري بالمذكرات والمناشير التي قتلت روح المبادرة وحولت الجميع إلى مجرد أدوات تنفيذية صماء، فتلاشت الحياة المدرسية في مؤسساتنا التربوية وتحولت إلى أثر بعد عين. وقد توجهنا لوزارة الإشراف منذ أوائل سنة 2018 بمشروع متكامل لتركيز مقاربة جديدة قائمة على نظم إدارة الجودة بالمؤسسات التربوية، وكررنا المحاولات مع كل المسؤولين الذين تداولوا على الوزارة وآخرهم الوزير السابق، والحقيقة أننا قد بتنا نشعر بإحباط شديد أمام قدرة قوى الردة على الالتفاف على كل مشروع جاد وإقصاء أصحابه لتأبيد حالة العجز والوهن التي تعاني منها منظومتنا التربوية، مع ما يعنيه ذلك من مواصلة لهدر الوقت والإمكانيات، ومن تفاقم لمختلف الظواهر السلبية، ومن بينها العنف المدرسي، وإعداد الأرضية للاستيلاء على منظومتنا التربوية من قبل المتربصين بها.
إن المشروع الإصلاحي الحالي هو على الأرجح الفرصة الأخيرة لإنقاذ منظومتنا التربوية والمحافظة على آمالنا في استئناف المسار الحضاري الذي بدأته بلادنا منذ آلاف السنين، ولكن الوقت ضيق والتحديات جمة ومشاريع التوجيه والاستيلاء تجد في مسعاها معتمدة على ما يرصد لها من تمويلات مهولة وما تتمتع به من أذرع وواجهات، وهو ما يتطلب وحدة كل القوى المخلصة حتى نغلق قوس الرداءة والعنف والفوضى في مدارسنا ما دمنا ما نزال قادرين على غلقه.
الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل : المراهنة على البحث العلمي آلية للبناء على أسس صلبة
نظم أمس الأربعاء الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل مسيرة انطلقت من وزارة التعليم العالي…