يبقى الحوار آلية لفض الخلافات أو « النزاعات» بالطرق السلمية والمدنية المتعارف حيث يمكّن الجلوس على طاولة واحدة من إذابة ثلوج الخلاف وإبرام توافقات يجد فيها كل طرف ولو جزءا من قناعاته و خياراته فيما يتنازل على البعض الآخر لفائدة مصلحة المجموعة.
وقد خبرت تونس اللجوء إلى هذه الآلية في الوقت الذي كان يتهددها شبح التناحر الأهلي على خلفية وقوع الاغتيالات السياسية و انتهاء البلاد إلى أفق سياسي مسدود بين جميع الفاعلين السياسيين في بداية العشرية الماضية. وقد لعب الاتحاد العام التونسي للشغل دورا هاما في تجنيب البلاد منزلقات خطيرة حيث ساهم في إنجاح تلك المحطة من تاريخ البلاد و إن كان البعض يرى في الحوار إضاعة فرصة محاسبة الأحزاب أو الأطراف السياسية التي أدت إلى ذلك الوضع المتأزم في الوقت الذي تردّ فيه قيادات المنظمة الشغيلة و الأطراف المدنية المشاركة في تنظيم الحوار الوطني على أن الخيارات السياسية المتاحة لم تكن متعددة و أن الحوار كان أسلم الطرق لتجنيب البلاد منزلقات قد لا نتوقع عواقبها.
اليوم الاتحاد العام التونسي للشغل يرى أن الوضع العام الذي وصفه أمين المنظمة الشغيلة بالصعب على أكثر من صعيد يستوجب استدعاء آلية الحوار من جديد مؤكدا أن الاتحاد متمسك بهذه الآلية ولا يرى بدا من الخروج بتونس من أوضاعها الاجتماعية والسياسية إلّا بخلق قنوات نقاش بنّاءة تقوم على رغبة صادقة من جميع الأطراف للوصول إلّا حل تشاركي يرضي أغلبية الأطراف المعنية بعيدا عن منطق المغالبة والإقصاء الذي تحدث عنه الطبوبي لدى إحياء المنظمة الشغيلة لذكرى عيد الشغل العالمي ببطحاء محمد علي.
وما يزال الاتحاد يراهن على الحوار وعلى أهمية تنقية المناخات السياسية خاصة وأننا على مشارف تنظيم انتخابات رئاسية مع موفى السنة الحالية ما يجعل من تخفيف الاحتقان السياسي الحاصل ضرورة ملحّة تستوجب من الجميع بسط تصوراتها لمستقبل تونس و الخروج بتصورات مشتركة تغلّب مصلحة تونس على اعتبارات جانبية شخصية كانت أو سياسية.
كما لا يفوتنا هنا أن نذكّر أن تونس كسائر دول المنطقة تتربص بها متغيرات إقليمية و دولية بصدد تغيير واجهة العالم و تغيير تحالفاته وقواه وهو ما يستدعي منا التفكير في طرق تقوية جبهتنا الداخلية و الذود عن بلادنا عن أي محاولات للتدخل في شؤونها أو استغلال الظرفية الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد لفرض سياسات لا تخدم مصلحة تونس بقدر خدمتها لمصالح الدول التي تعمل على ترحيل مشاكلها إلى تونس.
ومن هذا المنطلق جدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، في غرة ماي الجاري دعوته إلى العودة للحوار الوطني لحل القضايا السياسية والاقتصادية التي تشغل بال المواطن التونسي. وقال الطبوبي، في خطاب أمام تجمع للعمال بمناسبة الاحتفال بيوم العمال العالمي، إن الاتحاد سعى طوال الفترة الماضية إلى تجنيب تونس التوترات في ظرفٍ وصفه بالصعب، والدقيق على جميع الأصعدة.
و إن كان بعض المتابعين يرون أن الاتحاد لم يعد يتمتع بنفس الزخم الاجتماعي والسياسي الذي كان يحظى به سنوات 2013-2014 كما أن فرص التوافق و توحيد الرؤى والمواقف مع المنظمات الوطنية التي دافعت على فكرة الحوار الوطني ( منظمة الأعراف والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين) أصبحت محدودة إن لم نقل معدومة ولعل أكبر دليل على ذلك هو «فشل» هذه المنظمات في طرح مبادرة وطنية مشتركة لحلحلة الأوضاع العامة في البلاد و التي لم تر النور بالرغم من تأكيدات قيادات هذه المنظمات مع بعض الفروقات على أن طرح المبادرة لم يكن ليتجاوز الصائفة الفارطة لكن يتضح أن هذه المبادرة وبعض فصولها لم تحظ بالمقبولية المطلوبة من جميع الأطراف الداعية لها.
اليوم وقد تغيرت بعض المعطيات حتى داخل هياكل هذه المنظمات هل تجد دعوة الاتحاد صداها لدى السلطة و لدى شركائها الوطنيين؟ الإجابة ستحملها الأيام أو الأشهر القادمة على أقصى تقدير.
في تشبيك المقاربة الأمنية بالمقاربة الاجتماعية والثقافية..
جدّد رئيس الجمهورية قيس سعيّد دعوته إلى مواصلة العمل المكثف على مدار الساعة لتفكيك شبكات …