2024-05-04

جدل رافق عيد العمال هذا العام : ترميم دار الاتحاد خيار سليم.. ترتيب البيت خيار سليم أيضا

أن تختلف مع القيادة النقابية، أو تصل درجة الخصومة معها، لا يعني ولا يبرّر الإساءة للاتحاد العام التونسي للشغل والانخراط، حتى وإن كان عن حسن نيّة، في الإساءة للمنظمة وترديد الترّهات من قبيل ارتفاع كلفة ترميم المعلم والمقر التاريخي في بطحاء محمد علي بالمال الحر للعمّال.

ولعلّه من المضحكات المبكيات التقليل من رمزية المقر، بل واقتراح تحويل الاهتمام والمصاريف لبنايات أخرى من بينها سور القيروان، تصوّروا..!

أكثر من ذلك، ربط البعض كلفة الترميم بتدهور القدرة الشرائية وضعف الأجر الأدنى في تونس..!

هذه ببساطة أسوأ تمظهرات الشعبوية والفقر الفكري والاصطفاف الأعمى والتصحر الديمقراطي في الوقت الذي برزت فيه نقاط ضوء يجب البناء عليها أهمها في تقديرنا هذه الحاضنة الاجتماعية التي تحفظ الاتحاد العام التونسي للشغل في وجدان التونسيين وقلوبهم رغم عدم رضاء طيف واسع منهم عن قيادته، أضف الى ذلك تمترس الأحزاب والتيارات السياسية التقدمية اليسارية التي كانت على مر التاريخ إكسير حياة المنظمة، واندفاعها نحو البطحاء رغم المدّ والجزر الذي ميز علاقتها بما يسمى البيروقراطية..

هذه هي القراءة السليمة للتاريخ والمراهنة الحقيقية على منظمة هي في نهاية المطاف العمود الفقري للدولة التونسية منذ الاستقلال وصمّام أمان استقرارها وسلمها الأهلي وسيادتها الوطنية مع التأكيد على أن المسيرة لم تكن وردية على مرّ الأزمنة بل عرفت هزات وانتكاسات وانتصارات أيضا، وفي جميع هذه الحالات خرج الاتحاد أقوى، وتداركت أجيال النقابيين عثرات بعضها وراكمت التجربة وقد تكون النخوة وزحمة الأحداث وراء عدم إيلاء التقييم والمراجعات والنقد الذاتي ما يكفي من الاهتمام والوقت ورحابة الصدر حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم والذي لا يمكن تفسيره خارج دائرة ضعف الثقافة الديمقراطية في بلادنا.    

بوضوح، لنعتبر ترميم المقر والعودة إلى الأصل ضمن خيار ترميم وترتيب البيت الداخلي، وضمن المراجعات الضرورية التي يتوجّب التسريع بها لاستيعاب تداعيات أخطاء واختيارات الفترة الماضية وقطع الطريق أمام كل محاولات الإساءة والاختراق والهروب إلى الأمام أيضا من قبل القيادة أو بعضها.

إن الحل لا يمكن أن يكون اليوم سوى حل نقابي نقابي بين أبناء المنظمة باختلاف مواقعهم ومسؤولياتهم دون الاغترار بدعم السلطة أو بعض الإعلام أو «الماكينة» أيضا، فالنقابي تونسي دفعة واحدة كما يقول شاعر تونس محمد الصغير أولاد أحمد لكن شخصيته كما قال أستاذ علم الاجتماع منصف وناس لها قدرة على صهر كلّ التراكمات التاريخيّة وعلى تقبّل الإضافات الحضاريّة الوافدة، بما فيها المتناقضة منها، والتأقلم معها بكلّ ما يقتضيه ذلك من تقديم التنازلات.

ان الاتحاد العام التونسي للشغل هو اليوم المنظمة الأكثر تجذرا وانتشارا وهيكلة ضمن مكونات المجتمعين المدني والسياسي على حد سواء خصوصا بعد تراجع تنظيم النهضة وقبله تفكك التجمع الدستوري الديمقراطي، والعقل والحكمة في الحفاظ على «ماكينة» قادرة على التأطير والتعبئة والحشد والتفاوض والأهم من كل ذلك الالتزام بمخرجات التفاوض، والسلطة التي تريد ان تحكم بأريحية وتعمّر في الحكم وتجابه التحديات وتحقق الانجازات كما تقول،يمكن أن تشرّك المنظمة الشغيلة في ضبط وتنقية المناخ الاجتماعي والسياسي.

إن أي سلطة تجد أمامها منظمة تاريخية لها كل هذه القدرات المادية والبشرية هي سلطة محظوظة لأنها بعيدة كل البعد عن معارك طواحين الهواء وكل ما قد يحصل من إشكاليات وحتى من تصادم وتصعيد واحتجاجات وإضرابات فهي أشكال تعبير مدنية وسلمية وحضارية مضمونة قانونا وذات جدوى سياسية كبرى.

ولسنا بحاجة هنا الى التذكير بأهمية الحوار الثنائي بين السلطة ونقابة الأجراء وكذلك الحوار الثلاثي بين السلطة ونقابة الأجراء ونقابة الأعراف، حيث كانت التجربة التونسية نموذجا يحظى بتنويه المنظمات الدولية والاقليمية وبلغت هذه التجربة مرحلة مأسسة الحوار الاجتماعي وبعث مجلس أعلى في الغرض هو الان في حالة بطالة غير مفهومة وغير مبررة.

ولهذه الأسباب كانت الأطراف الخارجية والدول الشقيقة وخاصة الصديقة الى جانب المؤسسات المالية غير معترضة على التعامل مع بلادنا في السابق، بل وترى في وجود منظمة شغيلة بحجم الاتحاد العام التونسي للشغل خير ضمان للهبات والقروض وسير المشاريع المشتركة.

هذا من جانب السلطة وفي سياق حركة المجتمع، أما بالنسبة الى الاتحاد وداخل البيت النقابي فنكرر ما قلناه مرارا وتكرارا بأن أقوم المسالك هو في جعل ووضع مصلحة الاتحاد فوق كل اعتبار وتقديم ما نعتبره تنازلات وطنية ومؤلمة فالاتحاد خير لا بد منه ومن لم يتلقف الرسالة فعليه إعادة قراءة التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…