لأن تقطير الزهر من عادات نساء الجهة : شوارع «نابل» تتعطّر برائحة ماء «الزهر» و «الورد»
يتزامن دخول فصل الربيع في نابل مع بدء موسم تقطير «الزهر» ، وفي هذا الوقت من السنة تتحول الجهة الى خلية نحل من اجل ان تتعطر كل البيوت برائحة «الزهر».. هذه الزهرة البيضاء التي تقتطف من شجرة «النارنج»(شجرة كثيفة الأوراق ناصعة الخضرة مرصعة بحبّات بيضاء كعناقيد ثلج تعبق برائحة فوّاحة) ويقع جمعها في أكداس صغيرة وحملها بكل عناية الى البيوت من اجل تقطيرها.
وتعد عملية التقطير عادة من عادات نساء الجهة وحرفة تعلّمنها وورثنها عن الأجداد حتى إن موسم تقطير الزهر أصبح في السنوات الأخيرة بمثابة عيد تحتفل به نساء المنطقة في أجواء من الغناء والزغاريد.
رانيا منصور- مثلها مثل عديد النساء في مدينة نابل – شابة تعلمت تقطير الزهر منذ طفولتها وعندما كبرت استثمرت مكتسباتها في مشروعها الخاص، تقول في هذا الشأن: « تعلمت تقطير الزهر منذ صغري في بيت جدتي أين كنا نمضي عطلة الأسبوع وعلى امتداد فصل الربيع يجتمع كل أفراد الأسرة لجمع زهر «النارنج»، كنا «نتجند» منذ الصباح الباكر، نفرش البساط تحت الأشجار ونصعد السلالم لجمع الزهور وعادة تستمر عملية القطف أياماً لتشرع بعدها أمي وخالاتي في تقطيره بعناية فائقة ويوضع في قوارير خاصة عادة ما تكون مزركشة بطريقة جذابة لتستقبل قطرات زهرة النارنج».
وللحصول على منتوج جيد ذي رائحة عطرة ونكهة جيدة، تضع النساء الزهر في آنية «القطار» (وهو إناء يحتوي على أنبوب يقطر منه ماء الزهر عن طريق البخار) طيلة يوم كامل، وهو نشاط يتطلب مجهوداً دقيقاً وشاقاً وأيضاً طقوساً وعادات خاصة مثل ان يكون مكان التقطير نظيفاً جداً ومعطراً ومخفيا عن أنظار الناس لان أهالي المنطقة يتشاءمون من الأعين التي قد تصيب عملية التقطير بالفشل وربما بتكسير أواني التقطير.
وبالعودة إلى عملية التقطير، تقول رانيا: «تصاحب مناسبة جمع الزهر وتقطيره أجواء احتفالية خاصة بتحضير ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات» مؤكدة ان كل امرأة قامت بعملية التقطير في منزلها يجب أن تعيدها سنوياً، لأن نساء نابل يتطيرن من الانقطاع عن هذه العادة التي قد تؤدي إلى فقدان فرد من أفراد العائلة، وهذا ما يفسر انتشارها بالجهة بشكل كبير، فمنهن من تجعل من عملية التقطير مهنة والأغلبية للاستعمال الشخصي.
من جهتها توضح ريهام بالشيخ – حرفية في تقطير الزهر والعطرشية والورد- ان عملية التقطير بالنسبة الى نساء نابل تربت عليها اغلب فتيات الجهة قائلة: «أحببنا هذه العادة بالفطرة لأننا تعودنا منذ الصغر على رؤية جداتنا تقمن بهذه العملية وهي صنعة ورثناها واكتسبناها بالخبرة» موضحة ان موسم التقطير بالنسبة لنساء المنطقة يعد عيدا يحتفلن به عندما يحل فصل الربيع حيث تفوح من كل بيت رائحة زهرة «النارنج» وهي زهرة ناصعة البياض فائحة الرائحة تزهر في أشجار النارنج ( البرتقال المر) وتعتبر هذه الزهرة من أجود أنواع الزهور في منطقة البحر الأبيض المتوسط مما جعلها مقصداً لأهم مصانع العطور الفاخرة بخاصة الفرنسية منها.
وعن تجربتها الشخصية تقول: «أنا تعلمت عملية التقطير من عند أمي التي علمتني أسرار هذه المهنة من اجل الحصول على منتوج جيد لان عملية التقطير في نابل ذات خصوصية. وفي مرحلة لاحقة طورت من إمكانياتي ونجحت في هذه الحرفة وتحصلت على شهادة ذهبية في تقطير ماء الزهر»، مضيفة ان هذه المنتوج «ماء الزهر» وغيره من المواد (ماء الورد والعطرشبة) أصبح من العادات الغذائية صالح للاستعمال في صنع الحلويات والعطور وأيضا للتداوي من ضربة الشمس والآلام المعوية أو لأقنعة البشرة والتجميل.
وعن كيفية التقطير تقول : «يتم وضع كمية من الماء والزهر في الإناء السفلي ويملأ الغطاء الفخاري الذي يوضع فوقه بالماء البارد الذي يجب مراقبته وتغييره فور ارتفاع درجة حرارته، وعند انتهاء التقطير يحفظ ماء الزهر في «فاشكة» (تعني قارورة وهي قوارير منتفخة في أسفلها وتثبت على سلـة من البلاستيك أو من السمار وهي مادة طبيعية).
وتؤكد محدثتنا ان عملية تقطير «الزهر» أصبحت مصدر رزق لقرابة 3000 أسرة باعتبارها نشاطا موسميا تنشط فيه عديد النساء واللاتي يقمن أساسا بتقطير الزهر بمقابل وبيعه لزوار المدينة الذين يفدون من مختلف جهات البلاد لشراء ما يحتاجونه. موضحة ان بعض الحرفيات تعملن الآن على تطوير هذا القطاع والابتكار فيه من اجل بيعه وتصديره.
حتى موفى سبتمبر الماضي : رفض أكثر من 272 ألف شيك بقيمة 2,32 مليار دينار
أكدت نشرية البنك المركزي التونسي الخاصة بنشرة الدفوعات في تونس، أنه تم إصدار 18,52 مليون ش…